جمعية الخبت التعاونية الزراعية.. نموذج للتحدي والإنجاز
تعمل الجمعية على توفير فرص اقتصادية جديدة للمجتمع المحلي من خلال إنتاج العسل واستدامته وتبنّي استراتيجية تسويق وتغليف متطورة لتعزيز مكانة العسل الطبيعي في السوق.
أنصار الله. يحيى الربيعي
في خضم التحديات الاقتصادية التي تواجهها المؤسسات الخدمية، تَبرز جمعية الخبت التعاونية الزراعية كقصةَ نجاح تُلهم الكثيرين. على الرغم من شح الموارد التشغيلية، إلا أن الهيئة الإدارية والتنفيذية للجمعية، وفرسان التنمية وبعض منتسبي المكاتب التنفيذية والسلطة المحلية استطاعت أن تدفع بعجلة العمل التطوعي والإنمائي إلى الأمام، مُظهرةً أن “خير الناس أنفعهم للناس”.
تتكون الهيئة الإدارية للجمعية من شخصيات قيادية منهم: رئيس الجمعية، الأمين العام، المسؤول المالي، وكذلك مسؤولو الإرشاد والمشاريع التنموية والاستثمارية، وغيرهم. جميعهم متفقون على الهدف الأسمى: تقديم الخدمة للمجتمع وتحقيق التنمية المستدامة. من خلال التعاون والجهود الذاتية. تحرك العمل في الجمعية بشكل ملحوظ، ما أدى إلى تصنيفها أنها مؤسسة نموذجية معتمَدة من قِبَل مؤسسة بنيان للتنمية واللجنة الزراعية.
دورات تدريبية ومبادرات تنموية
وبحسب رئيس جمعية الخبت التعاونية بمديرية الخبت – محافظة المحويت (م. محمد عبده عباس) فقد نجحت الجمعية في إطلاق عدة مبادرات بتكاليف متواضعة في مجالات الطرقات، والتعليم، والصحة الحيوانية، والحواجز؛ ما ساهم في تعزيز الاكتفاء الذاتي في المجتمع.
قامت وحدة التطوع التابعة للجمعية -تضم فريقاً من الشباب والناشطين- بإنشاء طرق جديدة، مثل شق طريق بيت الصوفي بتكلفة تقدر بـ 1,316,250 ريالاً، وطريق الركبة بتكلفة 164,250 ريالاً. كما تم حفر قاعدة حاجز الحسي بكلفة تقدر بـ 11,430,125 ريالاً، ما يسهم في تحسين الوصول إلى المناطق النائية. واستجابةً لتوجيهات السلطة المحلية، قامت الجمعية بالمبادرة إلى تقديم مبلغ 300 ألف ريال لإنشاء الحاجز الذي يعد الأول من نوعه في المديرية. تهدف هذه الخطوة إلى تعزيز العمل المجتمعي وإشراك الأهالي، ما يزيد من انخراط المجتمع في المشاريع التنموية.
أقيمت ورشة عمل مشتركة مع السلطة المحلية استهدفت المجالس المحلية والمدارس الحقلية، وتم تمويلها بمساهمات من المجتمع ومؤسسة بنيان. تناولت الورشة تنشيط دور السلطة المحلية في الإشراف على مشروعات التنمية وتفعيل دور أعضاء المجالس المحلية والمكاتب التنفيذية والشخصيات الاجتماعية في تنفيذ البرامج التنموية.
ركزت الجلسات على أهمية التنسيق والشراكة بين مختلف الأطراف لضمان تجسيد الأفكار التنموية على الأرض.
كان من أبرز ما تم تداوله في الورشة تشجيع اختيار فرسان التنمية من المجتمع المحلي، الذين سيتلقون دورات تدريبية لتعزيز قدراتهم في العمل المجتمعي. هذه الجهود تهدف إلى تحسين الخدمات الزراعية مثل الحراثة، وتوسيع الأراضي الزراعية، وتنفيذ مشاريع قروض مبادرة مجتمعية لضمان استدامة العمل التنموي.
ومن النتائج أن استهدفت الجمعية 40 فارساً تنموياً من عُزَل: أذرع والشعافل السفلى والعليا، لتزويدهم بمهارات العمل الطوعي والتنمية. يأتي هذا التدريب في إطار جهود الجمعية لتعزيز المشاركة المجتمعية الواسعة في تحقيق التنمية المستدامة، حيث كان التعريف بأهمية الثورة الزراعية ومبادئها أحدَ المحاور الأساسية للدورات.
قامت الجمعية بإطلاق العديد من المبادرات المجتمعية التي ساهمت في تعزيز التنمية المحلية. من بينها مبادرة لتحسين الطرقات، وأخرى لتعليم الأطفال، وثالثة لتوعية المجتمع بأهمية الصحة الحيوانية والاكتفاء الذاتي.
في هذا الإطار، تم تدريب حوالي 300 متدرب في مجال فرسان التنمية عبر الدورات المنفذة في عدة عزل، ما ساهم في نشر ثقافة العمل التطوعي بين الشباب والنساء، ودورات في قطاع المرأة (رائدات تنمية) بعدد 30 امرأة من عدة عزل في المديرية كما دربت 15 فارس صحة حيوانية يقدمون خدمة الصحة الحيوانية في عزل المديرية.
وفي خطوة نحو تحسين الإنتاج الزراعي، نفذت الجمعية مشروعاً لتوزيع البذور المحسنة للذرة الشامية وبعض البقوليات، ما ساهم في رفع مستوى المحاصيل وتحقيق الاكتفاء الذاتي للعديد من المزارعين. هذا المشروع لم يقتصر على توزيع البذور فحسب، بل شمل أيضاً توعية المزارعين وتدريبهم على أفضل أساليب الزراعة والإنتاج.
أما في إطار استدامة العمل الزراعي فقد قامت الجمعية بتنفيذ مشروع للطاقة الشمسية بتمويلٍ من اللجنة الزراعية. هذا المشروع -الذي شمل عشرة مزارعين- أظهر أهمية استخدام الطاقة المتجددة في العمليات الزراعية، كما ساعد في تخفيض التكاليف على المزارعين؛ حيث نفذت الجمعية مشروع الطاقة الشمسية على عدد 10 مزارعين، وبتكلفة إجمالية قدرها 16,806,550 ريالاً، ما يعكس الابتكار في استخدام مصادر الطاقة المتجددة.
ويعد تأسيس وحدة فرسان الصحة الحيوانية من أبرز إنجازات الجمعية، حيث تم تجهيز المتدربين بحقيبة بيطرية تضمنت الأدوية الأساسية لمساعدة المزارعين في رعاية مواشيهم. كما تم إنشاء صيدلية بيطرية مركزية تخدم جميع المجتمعات المحلية، ما ساهم في تحسين صحة الثروة الحيوانية، والحد من انتشار الأمراض.
تفعيل المبادرات
وفي إطار ترسيخ دورها كحاضنة للأنشطة التنموية، قامت جمعية الخبت التعاونية الزراعية بعدة مبادرات بارزة تعكس التزامها بتحقيق التنمية المستدامة في المنطقة، حيث استضافت الجمعية فريق الإرشاد الزراعي المكون من أساتذة وطلاب من كلية الزراعة بجامعة صنعاء، بالإضافة إلى فريق الإرشاد من مؤسسة بنيان.
قام الفريق الضيف بالنزول الميداني إلى مزارع عزلة وادي عيان للتوعية بالممارسات الزراعية الحديثة. تم التركيز على توعية المزارعين بالأساليب المستخدمة في الري، ومعالجة الآفات الزراعية، وأهمية استخدام الأسمدة المحلية والمبيدات بشكل آمن وفعّال. هذه الزيارة لم تساهم فقط في رفع مستوى الوعي، بل أسست علاقة قوية بين الأكاديميين والمزارعين.
كما قامت الجمعية الزراعية بالخبت -بالتنسيق مع مؤسسة بنيان التنموية ووحدة البحوث بوزارة الزراعة- بعمل دراسة سلاسل القيمة للدواجن والذرة الشامية والفول السوداني، والتي ستساهم في تحقيق جودة الإنتاج ووفرته بالمديرية.
فيما تتابع الجمعية الزراعية بالخبت انشاء صيدلية زراعية لتوفير الأسمدة والمبيدات المحلية والتي تشجع على استخدام المنتج المحلي الآمن من اجل زيادة الانتاج النباتي ومكافحة الآفات الزراعية بأقل الاضرار التي تنتج عن استخدام المكافحة بالكيمياويات والمبيدات الخارجية والضارة.
وعملت الجمعية على تنفيذ مشروع استصلاح الأراضي الذي يُعَدُّ من أولويات الجمعية، حيث تم التنسيق مع مكتب الزراعة بالمحافظة لتنفيذ المشروع باستخدام “الشَّيْوَل” التابع لهم. جاء هذا المشروع لتلبية احتياجات المزارعين لتوسيع زراعة الحبوب والبقوليات عبر استصلاح الأراضي الصالحة. بدأت الأعمال في عزلة (عيان)، لكنها توقفت مؤقتاً بتوجيهاتٍ من المحافظة. ومع ذلك، تخطط الجمعية لاستئناف العمل عندما تتاح الفرصة المناسبة، ما يعكس مرونتها واستعدادها المستمر لتقديم الدعم.
محميات مجتمعية لإنتاج العسل
وضعت الجمعية خطة شاملة لتدريب 33 نحالًا، حيث تمحورت الدورة حول مواضيع (تربية النحل, الإنتاج، الفرز، التسويق، التغليف، التعليب، والإرشاد). ركزت البرامج التدريبية على تحسين قدرات المشاركين في مجالات الإدارة وحل المشكلات وصنع القرار، الأمر الذي يمكِّنهم من تنفيذ الأنشطة التنموية بفاعلية. وتعاونت الجمعية مع ممثل اللجنة الزراعية ووحدة العسل لترشيح المديرية لإنشاء محميات مجتمعية لإنتاج العسل الدوائي. تعتمد هذه المحميات على تفعيل “المراقيم” المجتمعية في مختلف القرى، وذلك للحد من الاحتطاب الجائر وزيادة المساحات المزروعة من الأشجار الحراجية. تساهم هذه المبادرة في حماية البيئة وتعزيز التنوع البيولوجي، ويجعل المديرية مركزاً لإنتاج العسل الطبيعي ذي الجودة العالية. ما يعكس التزام الجمعية بالقضايا البيئية ويوفر فرصاً اقتصادية جديدة للمجتمع المحلي.
تنبع أهمية النحل من دوره الحيوي في النظام البيئي، لذا ركزت الجمعية -اثناء تنفيذ الدورات التدريبية المتخصصة لتأهيل النحالين- على التقنيات الحديثة في تربية النحل ومكافحة الآفات، بالإضافة إلى توعية النحالين حول كيفية الحد من الغش في العسل. كما تم تسليط الضوء على المخرجات الأخرى للعسل مثل الشمع والغذاء الملكي، ما يعزز من القيمة الاقتصادية لهذه الصناعة.
ومن خلال تكليف فريق ميداني، تقوم الجمعية بإجراء دراسات حول قروض الثروة الحيوانية والنحلية. يجري ذلك بالتنسيق مع هيئة الشهداء وصندوق المعاقين وصندوق النشء والشباب والهيئة العامة للزكاة، بهدف تحديد المتطلبات والاحتياجات اللازمة لدعم هذه القطاعات الحيوية. تستهدف هذه الدراسات تعزيز القدرات الإنتاجية للمزارعين والنحالين وزيادة استدامة مشاريعهم.
تسويق الإنتاج المحلي
يُعَد تسويق محصول الذرة الشامية كبذورٍ من مزارعي المديرية خطوةً استراتيجية لتوطين البذور المحلية، ما ساهم في تحسين الإنتاج وزيادة دخل المزارعين. الجمعية لم تتوانَ في تأسيس وحدة للبذور، حيث دربت خمسة مزارعين ليكونوا نواةً لتنمية هذا المجال، على اساس تقديم قروض تساعد على توسيع نطاق الإنتاج وتشجيعهم على انتاج البذور المطلوبة المحلية المحسنة.
وشاركت وحدة العسل في جمعية الخبت في مهرجان العسل -الذي أقيم بالعاصمة صنعاء سنة 1445هـ- بكمية من العسل الدوائي الذي بلغ ما يقارب 120 كيلو، كما قامت الجمعية بالتشارك مع وحدة العسل اليمني المركزي بتسويق محصول السِّدر الناتج من محميات الخبت، إذ بلغت الكمية المسوقة ما يقارب 200 كيلو جرام من العسل الدوائي السدر الدرجة الاولى.
التحديات والمستقبل
تسعى جمعية الخبت التعاونية الزراعية إلى التغلب على المعوقات التي تواجهها في مسيرتها نحو تحقيق التنمية المستدامة في المديرية. وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي تعرقل العمل، تظل الجمعية مصممة على تحديث استراتيجياتها وتفعيل شراكاتها مع السلطة المحلية ومكتب الزارعة والمجتمع المحلي. هنا نستعرض أبرز التحديات التي تواجه الجمعية وكيف تخطط لتجاوزها:
تعاني الجمعية من عدم توفر نفقات تشغيلية، هذا الأمر يعيق قدرتها على دفع إيجار المباني وشراء مستلزمات القرطاسية. للتغلب على هذه المشكلة، تخطط الجمعية للتعاون مع السلطة المحلية والمنظمات غير الحكومية لجمع التمويلات اللازمة. كما تنوي الجمعية تنظيم نشاطات تعزز من دخلها، مثل ورش العمل والدورات التدريبية، لدعم نفقاتها التشغيلية.
ويتطلب الوصول إلى المناطق الوعرة وسائل نقل ملائمة، والتي تفتقر إليها الجمعية حالياً. في هذا السياق، تأمل الجمعية في التنسيق مع الجهات المحلية لتأمين وسيلة مواصلات دفع رباعي، أو صيانة السيارة القديمة التابعة لمكتب الزراعة بالمديرية.
تسعى الجمعية أيضاً إلى تنظيم المزيد من الأنشطة الميدانية، وهو ما يتطلب -بالضرورة- توَفُّر وسائل النقل لمشاريعها الزراعية.
من خلال التعاون مع المكاتب التنفيذية والسلطة المحلية، تخطط الجمعية لبدء برامج تدريبية متكاملة تهدف إلى بناء القدرات الذاتية للأعضاء. ستعمل الجمعية أيضاً على استعادة الروابط مع المؤسسات التعليمية لفتح آفاق جديدة للتدريب، وذلك انطلاقاً من إيمانها بأهمية الاستثمار في مجال تنمية قدرات الموارد البشرية ومهاراتها من خلال تكثيف برامج التدريب والتطوير المهني كونها ضرورية لرفع كفاءة أعضاء الجمعية.
على طريق التنمية
مع وجود العديد من التحديات، تطرح الجمعية عدة مشاريع تسهم في تعزيز الأداء التنموي. تسعى الجمعية للتركيز على استكمال مشروع قروض النحل والعسل، من خلال تعزيز التعاون مع وحدة التمكين الاقتصادي باللجنة الزراعية العليا. الهدف هو دعم المستضعفين والمحتطبين لتوفير مصادر دخل مستدامة. وتبذل الجمعية جهوداً لتوفير وسيلة مواصلات جديدة أو صيانة الوسائل المتاحة لتسهيل الوصول إلى المناطق الزراعية. التعاون من قِبَل السلطة المحلية قد يسهم في تأمين التمويل اللازم لهذا الغرض.
وفي سياق البحث عن شراكات استراتيجية مع منظمات المجتمع المدني لتوفير التمويلات اللازمة، تنوي الجمعية العمل على تنظيم فعاليات تساهم في دعم ميزانيتها.
وتم التنسيق مع مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل بالمحافظة والغرفة التجارية بالمحافظة من اجل الشراكة في مشاريع تنموية متعددة عبر التجار والقطاع الخاص بالمحافظة في عدة مجالات وانشطة للجمعية من أهمها انتاج وتعليب وتختيم العسل الغذائي والدوائي، وكذلك بعض المحاصيل الاستراتيجية بالمديرية.
كما تهدف الجمعية -بالتعاون مع مكتب الزراعة- إلى تجهيز مخزن للبذور لتعزيز الإنتاج الزراعي، وتعمل -أيضاً- على مشروع توطين الألبان، وهو مشروع واعد يمكن أن يساهم في تمكين المستضعفين اقتصادياً، ويعزز من صناعة الألبان في المنطقة.
إضافة إلى ذلك، تهدف الجمعية لتوفير مشاريع استثمارية مثل معمل دباغة، ومعمل خياطة، وتفعيل ورشة النجارة التابعة لمعهد الخبت الصناعي والتي تعد من أفضل الورش الحديثة التابعة للتعليم الفني، وثلاجات للفاكهة، ما سيُمَكِّنها من توفير نفقات تشغيلية وفتح مجالات عمل جديدة للنساء والشباب. كما تفكر الجمعية في إنشاء حقول لإنتاج القمح وتجميع المحاصيل لإنتاج الدقيق المركب الصحي، وهو ما سيساهم في تحسين الجودة الغذائية والاقتصادية في المنطقة.
الشراكة والتكامل من أجل التنمية
تستمر جمعية الخبت التعاونية الزراعية في تحقيق إنجازات كبيرة من خلال المبادرات المتنوعة التي تهدف إلى تعزيز التنمية الزراعية والمجتمعية. إن هذا الجهد الجماعي والدعم المستمر يبشر بمستقبل مزدهر للمجتمع المحلي، ما يوضح أهمية التعاون والعمل الجماعي في مواجهة التحديات وتحقيق النجاح.
إن قصة نجاح جمعية الخبت التعاونية الزراعية تُعَدُّ مثالاً يُحتذى به في العمل التطوعي والتنمية المجتمعية. من خلال آليات العمل الجماعي والرؤية الواضحة، استطاعت الجمعية أن تكون بمثابة السند للسلطة المحلية والمكاتب التنفيذية، ما يؤكد أن الإرادة الصلبة يمكن أن تخلق من التحديات فرصاً حقيقية للنجاح والتقدم.
إن رؤية جمعية الخبت التعاونية الزراعية تتجاوز التحديات القائمة، حيث تستند على استراتيجيات واضحة تهدف إلى تعزيز التنسيق مع الشركاء في السلطة المحلية والمجتمع بهدف تحقيق التنمية المستدامة. من خلال بناء شراكات قوية وتطوير قدراتها، تعتزم الجمعية تحقيق أهدافها الطموحة ورفع مستوى المعيشة للمزارعين والمجتمع المحلي.