صنعاء تتصدى لأجهزة الاستخبارات.. الأمن بالتوازي مع العسكر
موقع أنصار الله . تقرير | علي الدرواني
تدرك صنعاء أن العدو الذي يحيك المؤامرات على البلاد، لا يمكن أن ينطوي على نفسه تحت وقع الخسائر الكبيرة التي تلقاها مشروع العدوان على اليمن والقائم منذ العام 2015، وهو إدراك يجعل الأعين مفتوحة، واليقظة في أعلى درجاتها، والتحسب لأي محاولات للنفاد من الخلال الأمنية عند أعلى مستويات الحذر.
انطلاقا من قول الإمام علي عليه السلام (إن أخا الحرب الأرق، ومن نام لم ينم عنه) تبدي الأجهزة الأمنية حسا عاليا تجاه أي تحركات للأعداء، ولهذا تتساقط الخلايا والبؤر التجسسية واحدة بعد الأخرى، وكل واحدة منها أخطر من التي سبقتها، وهذا الأمر ينطبق على الكشف الأمني الأخير عن تفكيك خلايا مرتبطة بالموساد والمخابرات الأمريكية، وكذلك الحال مع البريطانيين.
إن ما يردده إعلام العدو الصهيوني -في الأسابيع الأخيرة- من عدم وجود معلومات استخباراتية عن اليمن، وعدم القدرة على جمع معلومات من شأنها أن تساعد سلاح الجو في تحقيق إنجازات فعالة ضد الإسناد اليمني لغزة، تكشف تلك التصريحات عن مدى العمل الحثيث الذي تبذله استخبارات ثلاثي الشر المتربصة باليمن، وتدفع لعدم استبعاد أي خيارات يمكن للأجهزة الاستخباراتية التوغل من خلالها في اليمن ومؤسساته العسكرية والامنية.
خلية جديدة
الخلية الأخيرة المرتبطة ببريطانيا، وجهاز الاستخبارات MI6، والتي تم تجنيد عناصرها في السعودية، بالاشتراك بين جهازي استخبارت الرياض ولندن، تم إرسالها إلى اليمن لـ”تنفيذ أنشطة استخباراتية، تستهدف مقدرات البلاد الاستراتيجية أبرزها: الرصد ومراقبة المواقع والمنشآت التابعة للقوة الصاروخية، والطيران المسير، وبعض المواقع العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى الرصد ومراقبة أماكن ومنازل وتحركات بعض قيادات الدولة”. حسب بيان جهاز المخابرات، الذي أضاف أن “ضباط الاستخبارات البريطانية قاموا بتزويد عناصر شبكة التجسس بوسائل الاتصال والتواصل والأجهزة والبرامج والتطبيقات الفنية والتقنية المتطورة والمتخصصة في مجال الرصد والتعقب وتحديد المواقع، والمساعدة في التأكيد ورفع المعلومات والإحداثيات، بعد تدريبهم على استخدامها”.
وهي نفس الطريقة التي تم بها تجنيد خلية التجسس من قبل المخابرات البريطانية، والتي تم تفكيكها عام 2020.
مهمة معقدة لكنها ليست مستحيلة
لقد اكتسبت الأجهزة الأمنية في اليمن خبرات كبيرة على مدى سنوات من العدوان في الرصد والتعقب وتتبع الشبكات التي تعمل أجهزةٌ معادية على زرعها في الداخل، وباتت الأجهزة الأمنية على دراية بالتحركات المشبوهة لتلك الشبكات، مهما حاولت التخفي. ولهذا فقد أجهضت عددا منها ، بدءا بخلية التجسس 2018، التي كانت دربتهم وجندتهم الاستخبارات الإماراتية في نسق واحد وفترات متفاوتة للرصد وجمع معلومات ذات خطورة عالية عن أهداف مدنية وحكومية وأمنية، وكانت الخلية محاطة بتدابير فائقة التعقيد لتفادي كشف عملائها من قبل الأمن، وطورت أساليب عملها، حيث اعتمدت على تشغيل الأفراد بشكل أحادي ومنفصل عن بقية الخلية، واستخدمت وسائل اتصال بالغة السرية، وأساليب عمل مراوغة يتم تحديثها بشكل مستمر.
أنواع خلايا التجسس
تعمل مخابرات العدو على برامج قصيرة المدى وبعيدة المدى، وكانت الخلية المرتبطة بالـ سي آي إيه، من النوع بعيد المدى، ومتعدد المهام ذات الطبيعة الاستراتيجية، وقد أوكلت إليها أعمالاً خطيرة تمس الأمن القومي والثقافي والتعليمي والتربوي والزراعي وكل مناحي الحياة، التي استهدفتها بالتغيير والتدمير، وكانت تعمل بنفس طويل، وخطوات بعيدة المدى، تهدف إلى قلب البلاد اجتماعيا وثقافيا بشكل تدريجي وفق خطط مرسومة، تؤثر -في نهاية المطاف- في القرارات السياسية وحتى التفكير الفردي، بحيث تخلق مجتمعا مدجنا بالكامل، ينساق ضمن مشروع الهيمنة الغربية دون إبداء أي اعتراض أو مواجهة.
وهذه الشبكات المعقدة تعمتد على مخبرين ليسوا من لون واحد، فلا يهم أن يكون ذلك العميل موظفاً بسيطاً يعمل بصفته حارس أمن في السفارة، أو مترجماً، أو يعمل في أحد مراكز الأبحاث والدراسات، وقد يكون أيضاً، مدرباً في معهد لغات، أو مركز لبناء الديمقراطية، أو في البنك الدولي، أو منظمة أممية إنسانية، لا يهم، فالمخابرات الأميركية تعرف جيّدًا كيف توظف وأين.
النوع الثاني من الخلايا هي تلك التي تعمل من أجل جمع معلومات ذات فوائد آنية أو مرحلية، مثل حالة الخلية التابعة للقوة 400، والتي أوكلت إليها جمع معلومات عن التحركات العسكرية في الساحل الغربي للرصد ومتابعة أماكن الصواريخ والمسيرات وما يرتبط بها، وليس بعيدا عنه خلية الموساد الصهوني التابعة للخائن حميد مجلي، الموكل إليها جمع معلومات عن شخصيات قيادية وعسكرية لصالح العدو الاسرائيلي.
الدروس المستفادة
إن أهم درس تستفيده صنعاء من كل هذه الخلايا والعمل الحثيث من قبل الأعداء لاختراق البلاد وإضعافها واستهدافها، هو إدراك حجم مؤامرة العدوان وعدد محاولاته التي تكشف قبحه وتعري حقيقته في استهداف الأمن والاستقرار، وبالتالي ما توجبه تلك العدوانية المفرطة من رفع مستوى اليقظة والحذر إلى أعلى المستويات، وإشراك المجتمع في الرصد والتبليغ عن أي تحركات مشبوهة. وهنا يجب الإشارة إلى إشادة الأجهزة الأمنية على الدوام بالحس الوطني اليقظ لدى أبناء المجتمع الذين كان لهم دور كبير في الكشف ومحاصرة هذه الخلايا وإسقاطها وإفشال مشاريع الأعداء من خلالها.
ومع كل هذا، فإن الحيطة والحذر لا يجوز أن يتراجعا بالركون إلى كشف خلية أو إسقاط أخرى هنا أو هناك، فالعدو لا يكل ولا يمل من مواصلة الاستهداف والبحث عن العملاء وتجنيد الخونة، وضعاف النفوس لا يخلو منهم المجتمع، لكن بالتعاون والتكاتف توضع الكثير من الصعاب والعراقيل امام العدو.