اليمن.. المشروعُ والشعار
موقع أنصار الله ||مقالات || سند الصيادي
إن القوةَ أَو الكياناتِ التي تُهمِلُ بناءَ الوعي؛ فَــإنَّها مهما عَظُمَت أدواتُها العسكرية والسياسية والشعبيّة، تسقط أمام أول اختبار حقيقي، هذه النظريةُ تلخص أسبابَ انحسار الكثير من الدول والممالك وَالكيانات لتصبحَ مُجَـرّدَ حكايات تروى في سردية التاريخ.
كانت اليمنُ الاستثناءَ؛ إذ بقيت فعلًا حاضراً، بينما المحيط من حولها يتسلسل تاريخه بين ماض تام وبين فعل يؤول في مساراته وسلوكيات قواه حتميًّا إلى الماضي، لم ينطلق المشروع القرآني من اليمن كجغرافيا وَكقائد وكحاضنة شعبيّة إلا إحياءٌ كونيّ مفعمٌ بالأسباب والمعطيات لفعلٍ كان يتهدّدُهُ مثلَ غيره التموضع في زاوية الماضي، وهي اليمن، الفعل المضارع دومًا والفاعل المتجدد عبر القرون والمراحل، حين تتخبَّطُها التقلباتُ يأتي اللهُ بمَن يحييها ويعيد توجيه حاضرها ومستقبلها إلى مساره الطبيعي.
في زمن الهشاشة والضعف للمنهجيات والشعارات السياسية والمتأسلمة، انبعث المشروع القرآني مختزلًا مضمونُه العميق بشعارٍ قد لا يبدو فضفاضًا في مفرداته ولا رنانًا في مصطلحاته، لكنه عظيمٌ بجرأتِه في مضمار الصراع، وفي قدرته على إعادة تشكيل الوعي الجمعي لليمني، واستنهاض روحه النضالية التوَّاقة دومًا إلى العزة وَالخروج من بوتقة التبعية والضياع.
لم يكن (المشروعُ والشعار) مُجَـرّدَ تنظير تُرك معتنقيه وَأتباعه سارحين في دوامة لا منتهية من الوعي الوهمي، بل أدهشُهم بقدرته وفاعليته، سواء في ارتداد أثره على الأعداء استنفارًا وَخوفًا، أَو في استمراريته ونموه المتعاظم في ظل التحديات، وقدرته على مقارعة التحَرّكات المعادية والمخطّطات التآمرية، ولا يحتاج القارئ اليوم؛ لأَنَّ نسرد أمامه مراحلَ عايشها مع هذا المشروع منذ مطلع الألفية الجديدة وانتهاء بما هو عليه اليوم.
لقد وجدنا أنفسنا مع هذا المشروع أمامَ حالةٍ استثنائيةٍ لم نعهدها من قبل، ومتى كان القمعُ محفِّزًا للنمو، والحصار والتجويع مصدرًا للقوة والانتشار!، ألم يكن هذا هو الواقع الذي اعترض المنهجيةَ على مختلف المراحل وحتى اليوم! أم أن لدى أحدنا روايةً مختلفةً يمكنُ أن يسردَها للتاريخ بكل منطق وضمير ودون فجور في الخصومة!.
تجاوز الشعارُ وَشعبُه معطياتِ القوة عسكريًّا وسياسيًّا وَشعبيًّا كرهان لمن سبقوهم من قوى وكيانات، فاتخذوا الوعي الخالص سلاحًا قارعوا به المخاطر وَالأهوال، وبه برهنوا أُنموذجَه الفريد والمتكامل الذي يتجاوز اللحظة الراهنة والتأطيرات الفئوية الضيقة إلى أَسَاس مستدام من الوعي والإيمان لبناء أُمَّـة إسلامية قوية وقادرة على أن تصنع المستحيلات.