فعلًا.. صمَّادٌ واستثنائي

موقع أنصار الله ||مقالات || إيلاف حمزة

لا تقف أهميّة إحياء الذكرى السنوية للقائد الشهيد الرئيس صالح الصماد، عند تذكر مآثره ومناقبه، وهي كثيرة ومعروفة لدى الجميع، بل تتجاوز ذلك للوقوف عند قائد وسياسي عظيم حمل لنا مشروعًا سياسياً كان بداية مرحلة تحول وطني في مرحلة وطنية حرجة واستثنائية، مشروع هدفه أن يكون الشعب اليمني أكثر صمودًا وقوة وثباتًا وتحَرّكاً؛ مِن أجلِه دفع الرئيس الصماد حياته شهيدًا، ويمكن أن نحدّد أبرز ملامح هذا المشروع في ثلاث نقاط أَسَاسية هي:-

 

الأولى: تعزيز الوحدة الوطنية والتلاحم في مواجهة العدوان

كانت النقطة الأولى في مشروع الرئيس الصماد هي إصراره على المضي في تمتين الجبهة الداخلية كمرتكز رئيسي لمواجهة العدوان، وبالفعل ولما تميز به الرئيس الصماد من قدرة في إدارة شؤون الدولة والحنكة في تعامله مع القضايا الوطنية، وكان رجلًا توافقيًّا محبًا لوطنه سعى بكل ما أمكن لتضميد الجراح وتوحيد الجبهة الداخلية، وتوحيد اليمنيين على قلب رجل واحد لمواجهة العدوان بكل الوسائل والإمْكَانات، أصبح الرئيس الشهيد عنوانًا ورمزًا وطنيًّا أجمعت عليه كافة القوى والمكونات السياسية والمجتمعية، ورمزًا وطنيًّا حظي باحترام وتقدير كافة الفرقاء السياسيين والقوى الوطنية التي لن تنسى جهوده في توحيد الجبهة الداخلية وإدارة شؤون البلد بحنكة واقتدار، وتميز بصوابية تخطيطه وأهدافه وكل توجّـهاته.

 

الثانية: بناء الدولة متجسدة في يد تبني ويد تحمي:

قدم الرئيس الشهيد الصماد أنموذجا قويًّا لقيادة الوطن في ظل ظروف استثنائية وتحديات كبيرة، من خلال ترسيخ المشروع النهضوي الذي أطلقه “يد تحمي، ويد تبني” والذي يركز من جهة على بناء دولة المؤسّسات والقانون والعدالة والمساواة والاهتمام بحياة وشؤون المواطنين وتوفير الفرص رغم العدوان، ومن جهة أُخرى وفي الوقت نفسه التركيز على الجبهات وتطوير الصناعات العسكرية.

وهو مشروع يهدف إلى ترسيخ دعائم الثبات والبناء والنهوض والتطوير وتعزيز الشراكة في إدارة الدولة والاعتماد على الذات في تقوية المؤسّسات بمختلف قطاعاتها، وإلى تحديث المنظومة الدفاعية وقوة الردع اليمنية لمواجهة العدوان الإجرامي.

وقد شهدت المؤسّسة العسكرية في عهده، نقلة نوعية في التصنيع الحربي ومنها الطائرات المسيّرة والمنظومات الباليستية المتنوعة والتي كان لها عظيم الأثر في تغيير معادلة المواجهة وانتقال اليمن من الدفاع إلى الهجوم والردع، ومن الضربات الباليستية الأحادية إلى دفعات موجعة في عمق أراضي العدوّ السعوديّ والإماراتي.

 

الثالثة: تقديم نموذج فريد للقائد الرمز:

بإجماع كُـلّ الفرقاء السياسيين يعد الرئيس الصماد من الرؤساء النادرين الذين عرفتهم اليمن، فقد كان رئيسًا فريدًا بشجاعته ومثابرته ورؤيته لإدارة شؤون البلاد، تمتع بشخصية قدّمت أنموذجًا في الجهاد والعطاء والتضحية، ولعبت دورًا كَبيرًا في لحظة مفصلية من تاريخ اليمن المعاصر، وَكان رجل المسؤولية الذي أعطى كُـلّ ذي حق حقه، مجسدًا الشخصية التي تفيض عزماً وصلابة في ميدان التحدي والصمود، ورجلًا بمستوى المسؤولية الملقاة على عاتقه؛ الأمر الذي يستدعي من الجميع التأسي به والتواجد والتحَرّك في الميدان لتلمس أوضاع المواطنين وقضاء حوائجهم.

وأصبح الرئيس الصماد رئيساً للمجلس السياسي الأعلى، عندما وقع الاختيار عليه بالتوافق، فلم يتحمل هذه المسؤولية من واقع الطمع والشغف بالسلطة ولهث وراء المنصب، وعندما تحمل هذه المسؤولية تحملها بدافع إيماني، بتواضع واهتمام كبير، ومنذ أن تبوأ هذه المسؤولية لم يكن همه ولم يسع إلى أن يحصل من وراء هذا المنصب على أية مكاسب مادية، ونال شرف لقاء الله شهيدًا نظيفًا عزيزًا نزيهًا، لم يسرق على هذا الشعب فلسًا واحدًا، ولم يجن من موقعه في المسؤولية أية مكاسب مادية على حساب هذا الشعب، همه أن يضحي بنفسه من موقعه في المسؤولية في خدمة شعبه لا؛ مِن أجلِ منصبه؛ مِن أجلِ سلطته؛ مِن أجلِ مصالحه الشخصية، ينزل إلى الساحة من موقعه في المسؤولية وهو يدرك أن مخاطر الاستهداف قائمة في كُـلّ الأحوال والظروف.

وقدم الصماد بنظرته الثاقبة أنموذجاً في قيادة شؤون البلاد، حَيثُ لم يميز أَو يفرق بين أحد بل كان رئيسًا لكل اليمنيين، ورجل دولة لا يستسلم ولا يعرف اليأس ولا يتذمر ولا ينتظر أحداً ولا يلتفت لمتخاذل، يبذل جهده في النصح والإرشاد والتوفيق، يتواجد في كُـلّ الميادين، والجبهات، كان يغبط المرابطين في جبهات ومواقع البطولة، وأقصى غاياته الشهادة، فسعى إليها، فلا كرسي رئاسة قد يغريه عنها ولا مناصب الدنيا تغيره أَو تنسيه الشهادة.

واستطاع الشهيد الصماد رغم التحديات أن يصنع في زمن قصير فارقًا كَبيرًا في إدائه وتحَرّكاته وبصماته الوطنية والتنموية، تغلب على صعوبات المرحلة بعزم وثقة منتهجًا أخلاق القادة العظماء انطلاقاً من ثقافته القرآنية ووعيه وصبره وتوجيهاته الإيمانية وأخلاقه الكريمة وتطلعاته في بلورة مشروع بناء اليمن.

وقد أشاد قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، بمناقب وأخلاق الشهيد وصفاته القيادية، وقال في بيان النعي: “وفي هذا المقام نتوجّـه بالتعازي إلى أسرة الشهيد وأقاربه وإلى أبناء شعبنا الأحرار، وإلى مؤسّسات الدولة كافة، التي فقدت باستشهاده نموذجًا متميزًا في تحمل المسؤولية تجاه شعبه وتجاه رفاقه في المسؤولية في كافة أجهزة الدولة، وهو الذي كان يرى في موقعه في المسؤولية موقعاً للجهاد في خدمة شعبه وبلده، وفي مرضاة الله تعالى، وموقعاً للعطاء والتضحية وموقعاً للصمود والثبات في مواجهة العدوان، ولم يرَ فيه مغنماً لجمع الثروة، ولا وسيلة للتسلط، ولا سلماً نحو الرفاهية والراحة، فهو منذ تحمله للمسؤولية لم يألو جهدًا وهو يتحَرّك ويعمل ويتابع في الليل وفي النهار لتقديم ما يمكنه وما يستطيعه في إطار الأولويات الكبرى في التصدي للعدوان وفي خدمة الشعب، في مرحلة من أصعب المراحل، وفي ظرف قاس عانى منه شعبنا أشد ما عاناه نتيجة العدوان الظالم والحصار الشديد، وقد أكرمه الله تعالى بالشهادة ليتوج بها عطاءه ويتخلد بها مع الشهداء الأبرار، وهي أمنيته التي تمنى الختام بها، فكانت نعم الختام ومسك الختام.

قد يعجبك ايضا