اليقين مع الصبر من المؤهلات لأن تحظى الأمة بالتوفيق والهداية الإلهية
موقع أنصار الله | من هدي القرآن الكريم |
ما الذي يجعل أكثر أبناء أُمَّتنا على درجة عالية من الخوف من أمريكا، إلى درجة الإذعان والاستسلام لها؟ أشياء لا تساوي شيئاً مما في نار جهنم.
ما الذي جعل أكثر الأنظمة والحكومات تتجمد أمام العدو الإسرائيلي، بالرغم مما يفعله من إجرام؟ مخاوف من أشياء لا تساوي شيئاً على الإطلاق مما في نار جهنم، ولا تساوي لحظة واحدة في نار جهنم بما فيها من العذاب.
إذاً لماذا لا يمثِّل الإيمان بذلك حافزاً إلى أداء المسؤوليات، والقيام بما علينا أن نقوم به، في تنفيذ أوامر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” لنا بالجهاد في سبيله، بالموقف من أعدائه الظالمين، المجرمين، الطغاة المستكبرين؟ هناك نقص في اليقين، وهناك غفلة، وهناك ضعف إيمان.
فاليقين له أهميته الكبيرة جدًّا في:
- مستوى الاندفاع للقيام بالمسؤوليات.
- وحجم التفاعل.
- ومستوى الثبات.
- وفي قوة الموقف.
نجد أيضاً أنه من المؤهلات التي تؤهِّل أي أمة- مع الصبر- تؤهلها لأن تحظى بالتوفيق الإلهي، والهداية الإلهية، أن تكون هي الرائدة للمجتمع الإنساني، في حمل رسالة الله ودينه، وأن يكون منها القادة والهداة لعباده؛ ولهـذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}[السجدة:24]، لمَّا صبروا وكانوا يوقنون بآيات الله؛ جعل الله منهم هداةً، {أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}.
ولـذلك أي أُمَّة– يعني: لو لم تكن هي كل الناس، أو كل المسلمين- أي أمة تتحرك على هذا الأساس: اليقين بآيات الله، فيما فيها من وعد، ووعيد، وحقائق، ومبادئ، اليقين بذلك، واليقين بالوعود الإلهية، والصبر؛ لأن هذا يتطلب أيضاً الصبر في الواقع العملي، الواقع العملي في كل شؤون الحياة يحتاج إلى صبر، هذا يؤهل الأمَّة لدور عظيم، ويجعل الله لها ومنها قادةً هداه، هداه يهدون بأمر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ وبالتالي يكون لها هي الدور العالمي في حمل راية الحق، في التحرك برسالة الله، بدينه، بالمهام المقدَّسة والعظيمة والمشرِّفة، وهذا ما يريده الله للمسلمين: أن يتحركوا على هذا الأساس، وأن يرثوا هذا الدور؛ لأنه كان سابقاً في زمن النبوة في بني إسرائيل، في مراحل مُعَيَّنة كان في أوساطهم ذلك، وكان لهم هذا الشرف؛ لكنهم لمَّا نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، وفقدوا يقينهم بآيات الله، والتزامهم بدين الله وتعاليم الله؛ خسروا كل شيء، فاليقين مسألة مهمة جدًّا.
ولأهمية المسألة في علاقة الناس بآيات الله، أتى في القرآن الكريم مما هو من أخبار مستقبل الزمان، قول الله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ}[النمل:82]؛ لأن منشأ الإعراض عن آيات الله يعود لدى الكثير من الناس إلى ضعف يقينهم، إلى ضعف يقينهم، فلم يتفاعلوا معها، ولم يلتزموا، ولم يستجيبوا، ولم يتحركوا، بناءً على ما فيها من الهدى، ما فيها من الحقائق، ما فيها من الوعد والوعيد؛ ولـذلك قد يصل الكثير من الناس إلى مستوى الخذلان التام، ويقع القول عليهم، ما معنى ذلك؟ يعني: يحق عليهم وعيد الله، يصبحون جهنميين، يفقدون قابليتهم للهدى، لم يعد عندهم أي قابلية للهدى، هذه حالة خطيرة على الإنسان، إذا تعامل مع هدى الله بشكلٍ مبتذل، بغير جِدِّيَّة، إذا لم يصل إلى درجة اليقين، ثم تكون النتيجة في المرحلة التي قد وصلوا إليها من الخذلان الرهيب جدًّا: أن يخرج الله لهم دابةً من الأرض، وهذا توبيخٌ لهم، توبيخٌ كبيرٌ جدًّا، وهي مرحلة خطيرة للغاية يكونون قد وصلوا إليها، {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ}، فهي توبخهم على عدم يقينهم بآيات الله؛ ولذلك فالمسألة مهمة جدًّا.
والاستحضار لهذا اليقين مطلوب في كل المراحل، أن يسعى الإنسان باستمرار إلى قوة يقينه، وأن يطلب من الله أن يجعل يقينه أفضل اليقين، كما في دعاء مكارم الأخلاق: ((وَاجْعَلْ يَقِينِي أَفْضَلَ الْيَقِينِ))، اليقين مهمٌ جدًّا.
ولـذلك في علاقتنا بهدى الله، انطلاقتنا الإيمانية، يجب أن نسعى لأن نصل إلى درجة اليقين، اليقين العالي، اليقين الراسخ، الثقة التامة، ألَّا يبقى لدى الإنسان أي نسبة من الشك، ولا أن يبقى في حالة اضطراب وتردد تجاه حقائق هدى الله، تجاه وعد الله ووعيده، تجاه مبادئ هذا الدين العظيم؛ وبالتالي نتحرك وصلتنا بهدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هي قائمة على أساس اليقين، هذه مسألة مهمة جدًّا.
المحاضرة الرمضانية السادسة للسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي “يحفظه الله” 1446هـ