الصهيونية العالمية تهديدٌ لمبادئ العدالة الدولية

موقع أنصار الله ||مقالات || د. حبيب عبد الله الرميمة

يحاول الرئيس الأمريكي ترامب أن يغطي العدوان الذي تشنه بلاده على اليمن منذ عشر سنوات بادِّعاءات سخيفة تجلت في خطابه، أمس، وفحواها أن العمليات التي أمر بها واستهدفت عدداً من المدنيين في العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات هي رَدٌّ على هجمات من أسماهم “الحوثيين” على السفن الأمريكية في البحر الأحمر..

والحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان، أن الولايات المتحدة الأمريكية تقود عدوانًا سافراً على اليمن منذ ٢٦ مارس ٢٠١٥، وهو اليوم الذي أعلن السفير السعوديّ من واشنطن البدء بما أسماه عاصفة الحزم.

وهو إعلان لا يستند إلى أية مرجعية شرعية وفقاً لقواعد الشرعية الدولية (ميثاق الأمم المتحدة) والتي تجرم استخدام القوة في العلاقات الدولية دون أذن صريح بقرار من مجلس الأمن الدولي -الذي أسند له الميثاق تبعات حفظ الأمن والسلم الدوليين-.

ومن ثم فَــإنَّ العدوان على اليمن منذ ذلك التاريخ، تأتي على رأسه أمريكا بالدرجة الأولى كونه أعلن من أراضيها، ثم بريطانيا ثم بقية الأدوات الإقليمية والمحلية التي شاركت بهذا العدوان والحصار غير الشرعي على اليمن وما ترتب على ذلك من آثار سلبية انعكست على كُـلّ نواحي المجتمع اليمني، والتي تمثل انتهاكاً خطيراً للشرعية الدولية والشرعية الدولية لحقوق الإنسان.

ومن المعلوم أن اليمن طوال تسع سنوات تحديداً قبل اندلاع طوفان الأقصى في ٧ أُكتوبر ٢٠٢٣م، لم يستخدم حقه الطبيعي والمشروع وفقاً لما تقرّره نصوص القانون الدولي للبحار والمتمثل في الاتّفاقية الدولية للبحار١٩٨٢م بمنع السفن الأجنبية التابعة للدول المنخرطة في العدوان والحصار على اليمن من المرور البري في باب المندب؛ باعتبَارها دولاً معادية تهدّد الأمن والنظام للدولة الساحلية التي تشرف عليه ويقع ضمن مياهها الإقليمية، ولم تنقل المعركة إلى المجال البحري رغم الحصار غير المشروع الذي مارسه تحالف العدوان على اليمن؛ مراعاة لعدد من الاعتبارات، أبرزها -حسب اعتقادنا- أن الخطوات العسكرية التصاعدية التي اتخذها اليمن في إطار الدفاع عن النفس لا تستلزم اتِّخاذ خطوات عسكرية بحرية حفاظاً على سير الملاحة البحرية الدولية في أهم المضايق حيوية (مضيق باب المندب) طالما والعمليات البرية والجوية تأتي ثمرتها في إطار الدفاع عن النفس.

أما بعد اندلاع طوفان الأقصى في ٧ أُكتوبر، والانتهاكات الوحشية، وجرائم الحرب وَالإبادة الجماعية التي ارتكبها العدوّ الصهيوني بحق أبناء غزة المحتلّة، بمشاركة وموافقة من قبل أمريكا وبريطانيا، وفي ظل صمت المجتمع الدولي المتخاذل كان على اليمن أن تتحمل مسؤوليتها الأخلاقية والإيمَـانية والإنسانية التي تقرّرها كافة التشريعات والقوانين الوضعية بما في ذلك مبدأ مسؤولية الحماية، كمبدأ دولي أقرته الدول في ٢٠٠٥م، بتحمل الدول مسؤوليتها في الحماية الإنسانية، في حال جرائم الإبادة التي يتعرض لها شعب ما، ولم تف آليات الحماية الدولية المقرّرة وفقاً لقواعد الشرعية الدولية بمنع هذه الجرائم.

فأمام العائق الكبير والموقف الأمريكي والبريطاني باستخدام حق الفيتو ضد كُـلّ مشاريع القرارات التي قدمت إلى مجلس الأمن؛ مِن أجلِ وقف إطلاق النار والمساعدات الإنسانية لقطاع غزة ووقف جرائم الإبادة الجماعية بحق المدنيين في قطاع غزة، جاء الموقف اليمني المساند للمظلومين في غزة لمنع ووقف حرب الإبادة التي يقوم بها الكيان المحتلّ والداعمين بشكل مباشر له أمريكا وبريطانيا، وفعلاً استطاع اليمن أن يكرس المبادئ الأخلاقية الدولية وأن يوقف أكبر جرائم القرن الواحد والعشرين بحسب توصيفات بعض المنظمات الدولية، ورضخ الكيان المحتلّ لتوقيع الاتّفاق مع فصائل المقاومة الفلسطينية.

إلا أن التشجيع الأمريكي والبريطاني الواضح الذي تجلى منذ الأيّام الأولى لتوقيع الاتّفاق، وإعلان ترامب بعد أَيَّـام من وصوله إلى البيت الأبيض بتهجير أبناء غزة وهو ما يعني مواصلة ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، وبدء تنصل كيان الاحتلال من الاتّفاق المبرم مع فصائل المقاومة، وفي ظل تقاعس عربي ودولي واضح، ظل دور اليمن واضحًا في موقفه الإيمَـاني والإنساني وبما يجسد حماية قواعد القانون الدولي ومبدأ المسؤولية الدولية في منع تجويع أكثر من مليونَي مدني يسكنون في قطاع غزة تفرض عليهم كيان محتلّ حصاراً مطبقاً من كافة النواحي، في الوقت الذي هم بأمسِّ الحاجة والمساندة للمجتمع الدولي في تقديم برامج الدعم والإغاثة لهم.

لذلك فَــإنَّ استمرار العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن وما تقوم به أمريكا وبريطانيا من خطوات تصعيدية وتصميم واضح بدعم الكيان المحتلّ في ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية والتنصل من التزاماته تجاه الاتّفاق في غزة، لقتل مئات الآلاف من البشر جوعاً في غزة، يجعل من العدوان على اليمن الذي يسعى لمنع هذه الإبادة الجماعية -بمنع مرور السفن الإسرائيلية في مضيق باب المندب فقط-، مؤشراً فاضحاً أن الولايات المتحدة وبريطانيا ومن ينضوي تحتهما هي دول معادية للسلام الدولي، ولا تحترم التزاماتها التي قطعتها على نفسها في احترام القانون الدولي ومبادى العدالة الدولية، ويتحملان كافة التبعات التي تهدّد الأمن والسلم الدوليين.

خُصُوصًا وأنه بدا واضحًا أن الدعم الأمريكي البريطاني للكيان الإسرائيلي له أبعاد عقائدية صهيونية تنافي مبادى العدالة والسلم الدولي، وهذا ما فطنت إليه الأمم المتحدة مبكراً فجرمتها في قرار الجمعية العامة رقم 3379 لسنة ١٩٧٥م؛ باعتبَار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، وطالب القرار جميع دول العالم بمقاومة الأيديولوجية الصهيونية التي تشكل خطرًا على الأمن والسلم العالميَّين.

لكن تم إلغاء هذا القرار تحت الضغط الأمريكي عام ١٩٩١م، بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وهيمنة نظام القطب الواحد بقيادة أمريكا.

الآن ينبغي على كُـلّ القوى المحبة للسلام إعادة تأكيدها بشان تجريم الصهيونية، خُصُوصًا أن الإيمَـان بفكرة الصهيونية أصبح محل فخر ومباهاة لدى الرؤساء الأمريكيين، وأصبحوا يتنافسون لخدمتها حتى وإن كانت أعمالهم تتعارض مع مبادئ العدالة الدولية والقانون الدولي، فترامب الذي استهل عودته للرئاسة بالدعوة صراحة لتهجير الفلسطينيين من غزة، ويعتدى على اليمن التي تساند عزة لوقف جرائم الإبادة ضد أهلها وفك الحصار عنها، هو نفسه من أعلن في رئاسته السابقة القدس عاصمة للكيان المحتلّ، والجولان أرضًا تابعة للكيان المحتلّ، رغم القرارات الدولية الثابتة بهذا الخصوص، فالأيدولوجية الصهيونية ومبادئ العدالة الدولية خطان متوازيان لا يلتقيان.

قد يعجبك ايضا