اليمن وفلسطين.. قوة الإرادة توحد المسارات في مواجهة العدو المشترك

في خضم التحولات السياسية والتحديات الراهنة، تصبح الحاجة ملحة لتذكر كلمة قيادة القسام التي أُلقيت بمناسبة مرور ثلاثين عاماً على تأسيس حركة حماس، حيث أكدت أهمية التمسك بمبادئ التأسيس: “سلاحنا هو شرف أمتنا وصمام الأمان لشعبنا وقضيتنا”. تعكس هذه الكلمات قوة الإرادة المتمثلة في التزام المقاومة كوسيلة للحفاظ على الهوية الفلسطينية.

ورغم كل معطيات الإحباط والفشل والهوان والضعف التي اعترت صفوف الأمة، ظلت حماس تحمل السلاح وأوراق القوة العسكرية التي شيدتها عبر سنوات طويلة، وحمتها بأرواح المجاهدين ودمائهم، وستظل كذلك حتى تحرير فلسطين، كل فلسطين.

وفي إطار دعم القضايا العادلة، جاء تصريح السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي ليعكس تضامنًا واضحًا مع الشعب الفلسطيني، إذ قال: “سنواصل دعمنا كشعب يمني ومساندتنا ومناصرتنا للشعب الفلسطيني، والضغط بكل الوسائل. سنستمر في استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل والقصف إلى فلسطين المحتلة حتى ينتهي العدوان والحصار على غزة.”

في الوقت الذي يمر فيه الشعب الفلسطيني بلحظات فارقة وخطيرة، تتوافق إرادة القيادتين الثوريتين اليمنية والفلسطينية على أهمية وحدة المصير وعدم التميع في الأحداث، من خلال الإشارة إلى أن الجهاد هو الفاعل الأساس والمهم في مسار التحرر والانعتاق من الوصاية والاحتلال، والتأكيد على أنه لولا التمسك بالتوكل على الله، ومن ثم الاستناد إلى قوة التآزر بين الإرادتين، لأصبحت القضية الفلسطينية في أدراج النسيان والإهمال.

لقد انطلقت المسيرة الجهادية من زوايا الألم والمعاناة، حيث يسير الشعبان اليمني والفلسطيني في درب مصير واحد وفي مواجهة عدو مشترك ولغاية مشتركة. تتأكد الحقيقة على أرض الواقع أن الإرادة الصلبة لا تستسلم، وإنما تظل الأرواح تعبر بصوت عالٍ عن صرخات تتوق للحرية. تتساءل الأذهان: من يحق له تقرير المصير؟ وما مدى صحة الأساس الذي تنطلق من خلاله الإدارة الأمريكية في ممارسة الضغط على الفلسطينيين لإجبارهم على التفريط بحقوقهم المشروعة في مقاومة الاحتلال؟.

ممارسة فاضحة للازدواجية وانتهاك سافر للقيم الإنسانية

طالما أن النقطة المفصلية في الخطاب الأمريكي تكمن في كشف النقاب عن سقوط أخلاقي واضح، وتحديداً عندما يُستخدم مصطلح “الأمن” كحجة لشرعنة العدوان والاحتلال، فإن هذا يجعل من الواضح أن ذريعة مُختلَقة كهذه لا تخدم سوى المصالح للكيان الإسرائيلي. كيف يُسمح للمحتل بالاستناد إلى مثل هذا المفهوم بينما يُحرم صاحب الحق (الفلسطيني) من حقه في التعبير عن ذاته ومقاومة جميع أشكال القهر المفروضة عليه؟.

تتجسد القصة في التناقضات: بينما يُجرد الفلسطينيون من حقوقهم التاريخية كأصحاب أصليين للأرض، يُمنح الغاصبون حقوقاً لا صلة لها بأي شرعية. خصوصاً عندما يُسمح لسلطات الكيان المحتل بالحديث عن الأمن، في حين تُخنق أصوات الفلسطينيين عن المطالبة بالحرية، وتُمنع حماس من حق حمل راية مقاومة هذا الظلم، فإن هذه الأوضاع تعكس بوضوح الفشل في تطبيق مبادئ حقوق الإنسان، وما يثبت فشل هذه الترهات أن عدوة الشعوب “أمريكا” هي المتزعم لما يسمى الدفاع عن حقوق الإنسان.

وبالتالي، لا يمكن للولايات المتحدة، التي أقامت إمبراطوريتها على أشلاء السكان الأصليين من الهنود الحمر، أن تحكم بالإنصاف فيما يحدث في غزة. كيف يُمكن لها ذلك، وهي التي تجاهلت كل معايير المفارقات المنطقية عندما قررت، من ذاتها، أن تتولى مهمة سد الفجوة الشاسعة في مخرجات وتداعيات الأحداث، بانحياز تام لصالح الجلاد ضد الضحية؟.

وكيف يمكن للحرمان أن ينتهي بنيل الشعب الفلسطيني لكامل حقوقه الأساسية في الحياة؟ أليس تحقيق هذه العدالة يستدعي أن يكون الموقف الدولي والتحكيم الأخلاقي ضد الظلم والطغيان الذي يمارسه ذلك الكيان المتغطرس، الذي انتهك كل الخطوط الحمراء بزعامة  المجرم نتنياهو الذي وقف على طاولة الأمم المتحدة، ليُمزق ميثاقها على مرأى من العالم أجمع، دون أن ينبس هذا العالم ببنت شفة؟.

إن التصرفات الأمريكية تؤكد الانحياز الفاضح مع الكيان الصهيوني، حيث تُمنح “إسرائيل” جميع الامتيازات والسلاح، في وقت يفرض على الفلسطينيين نزع سلاحهم والتخلي عن حقهم في المقاومة والدفاع عن النفس. هذه الازدواجية في الحجج تعكس فشل المنظومة الدولية في تحقيق العدالة، وتسلط الضوء على ما يمكن أن نسميه “قوانين ساكسونية” جديدة تسعى إلى فرض السيطرة والنفوذ على الشعوب. وما من خيار سوى حمل السلاح والجهاد في سبيل الله ضد عدو الأمة الكيان الصهيوني.

 

الوضع في غزة يمثل مأساة إنسانية لا يمكن وصفها

لا تقتصر المسؤولية على الأفعال الأمريكية فقط، بل تشمل دعم المجتمع الدولي الذي يتجاهل بصوت عالٍ معاناة الناس في مناطق مختلفة، مثل غزة واليمن وسوريا. إن حق البقاء والدفاع عن الأرض هو حقٌ إنساني أساسي، ولا يمكن تجاهله أو اعتباره جريمة. بينما تُسلط الأضواء على اعتبارات ما تسميه “الأمن الإسرائيلي”، يُرفع الصوت مجاهراً برفض الاعتراف بحقوق المظلومين، بل ويتم انتهاكها بشكل يومي، في تناقض صارخ مع القيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية العامة.

وعند النظر إلى الخسائر البشرية والمادية، نجد أن الوضع في غزة يمثل مأساة إنسانية لا يمكن وصفها من هول بشاعتها. على سبيل المثال، منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى 22 يناير 2025م، استشهد ما لا يقل عن 46 ألف و707 فلسطينيين، وأُصيب 110 آلاف و265 آخرين. هذه الأرقام تشير إلى معدل مروع من الخسائر، حيث يُعادل 100 شهيد فلسطيني يومياً على مدار 467 يوماً من الحرب.

مع ذلك، يظهر تأثير هذا الصراع بشكل أكبر عند النظر إلى التركيبة السكانية لقطاع غزة، التي تُقدَّر بحوالي 2.3 مليون نسمة، نصفهم من الأطفال. مما يعني أن نسبة السكان قد انخفضت تقريباً بنسبة 6% منذ بدء الحرب، وهو تراجع مقلق ينعكس مباشرة على مستقبل الأجيال الشابة.

تُظهر الأرقام أن العدو الإسرائيلي قتل على مدار 15 شهراً من الحرب شخصين من كل مئة مواطن من سكان القطاع، وفي ظل هذه الأرقام المفزعة، فإنه لا يمكن تجاهل تأثير هذه الحرب على النسيج الاجتماعي والاقتصادي للمنطقة. وتبقى هناك أعداد مروعة من المفقودين، حيث يوجد 11 ألفاً و160 فلسطينياً في عداد المفقودين، مما يعني أن شخصاً واحداً من كل مئتين لا يزال مصيره مجهولاً.

تزيد من حدة هذه المعاناة حقيقة أن العديد من هؤلاء يُعتقد أنهم دُفنوا تحت أكثر من 42 مليون طن من الأنقاض الناتجة عن الدمار الواسع. بينما غادر حوالي 100 ألف فلسطيني غزة، نزح نحو 9 من كل 10 من سكانها، واضطر الكثيرون للخروج من منازلهم عدة مرات منذ بدء الحرب، حيث تشير الإحصاءات إلى أن تدمير غزة تجاوز نسبة 80% من مباني القطاع، مما يعكس المأساة الإنسانية الكبرى التي يعيشها السكان. فمع انطلاق الأحداث، أجبر حوالي 90% من سكان غزة على النزوح، مما جعلها تسجل أعلى موجة نزوح ضمن الصراعات الحديثة. وللأسف، لم يتم اقتلاع الناس فقط من منازلهم، بل أيضاً حُذفت أحياء بكاملها من الخريطة، بما في ذلك المستشفيات والمؤسسات التعليمية. بالإضافة إلى ذلك، انهارت البنية التحتية الحيوية، مثل أنظمة الصرف الصحي وخدمات الكهرباء، مما أدى إلى خلق ظروف معيشية لا يمكن تصورها.

وبالنظر إلى الوضع الصحي، يُفيد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بأن نصف مستشفيات غزة، والتي تُقدَّر بـ 36 مستشفى، تعمل بشكل جزئي فقط اعتباراً من 14 يناير/كانون الثاني، بينما تعرضت 88% من المدارس للضرر أو التدمير، مما يعني أن الأطفال الفلسطينيين يُحرَمون من حقهم في التعليم.

ويمتد الضرر ليشمل 92% من المنازل، وعُدِّد أيضاً التأثير المدمر على الأراضي الزراعية، حيث تضررت 68% منها بالإضافة إلى 68% من جميع الطرق، مما يعكس ضخامة الكارثة الإنسانية.

وخلال الشهر الأول من العدوان الإسرائيلي على غزة بعد أحداث 7 أكتوبر 2023م  تعرض 15% من جميع المباني للضرر أو التدمير، بينما تضررت أو دمرت 34% و31% من المباني في شمال القطاع ومدينة غزة على التوالي بحلول 10 نوفمبر/تشرين الثاني. وبحلول 5 يناير، أي بعد 3 أشهر من القصف المستمر، تأكد أنه تم تضرر أو تدمير ما يقرب من نصف مباني غزة (44%)، حيث كانت الأضرار تتركز بشكل خاص في شمال القطاع، حيث دُمر نحو 70% من مباني هذه المنطقة.

المرافق الطبية لم تَنجُ من هذه الأهوال، فقد تعرضت للقصف والغزو البري، وبالرغم من كونها ملاذاً آمناً لإنقاذ الأرواح، إلا أن الجيش الإسرائيلي فرض حصاراً على بعض هذه المستشفيات، مثل مستشفى الشفاء في غزة، مما عرّض المرضى لخطر كبير، حيث انقطعت خدماتها عن المحتاجين إلى الأدوية والعلاج الطارئ.

بعد مرور 15 شهراً على الغارات الجوية الإسرائيلية، لم تُبْقِ غزة سوى هيكل لما كانت عليه من قبل. تشير التقديرات إلى أن ما يقرب من 80% من جميع مباني القطاع قد تضررت أو دمرت، وما زالت مدينة غزة أكثر المناطق تضرراً، حيث دُمّر نحو 80% من مبانيها. هذا الواقع المؤلم يُظهر بوضوح الحاجة الملحة إلى موقف حازم لإيقاف الإجرام الصهيوني فنحن أمام عصابة لا تفهم إلا لغة القوة.

 

الوضع غير المقبول بأي شكل

التدهور المروع في الأوضاع الإنسانية في غزة يدعو دول العالم ، وليس اليمن أو محاور الإسناد فحسب، إلى إعادة تقييم موقفه من قضية فلسطين، والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في مقاومة العدو عبر دعم فصائل الجهاد والمقاومة بالمال والسلاح. إذ يفرض على الضمير الأخلاقي العالمي الإجابة على تساؤل ملح: هل آن الوقت للضمير العالمي أن يصحو وأن يرى هذه المأساة بكل قسوتها، أم سيبقى صامتاً؟

إن الحق في مقاومة الاحتلال هو حق إنساني أساسي، لا ينبغي لأي جهة أن تتجاهله أو تبرر قمعه. هذا الحق يتعين أن يُمارَس بحرية، خاصةً في السياقات التي تُقابل فيه مقاومة الشعوب بالقوة والبطش. وباستخدام غطاء التفاوض لممارسة كافة أشكال إكراه الشعوب على التخلي عن حق الدفاع عن الأرض بالاستسلام ونزع سلاح المقاومة.

إن الوضع غير المقبول بأي شكل هو في إن يُجبر الفلسطينيون على الاستسلام في أبشع صور الانتهاك لحقوقهم الأساسية، وهو أيضاً اعتداء على كرامتهم وإنسانيتهم. المقاومة ليست جريمة، بل هي خيار مشروع للأفراد والشعب الواقعة تحت ساطور الاضطهاد. وهذا يتطلب- بالضرورة- الانتقال من زمن الزهد والخنوع إلى زمن انتزاع الحقوق والانتصار للعدالة.

قد يعجبك ايضا