من صنعاء إلى غزة.. شركاء في الدم والمصير

 في خضم الأحداث العظمى، حيث تتصارع المواقف وتختبر الارادات وتشتد المحن وتتكشف معادن الشعوب، يأتي يوم القدس العالمي كصاعقة تزلزل الأرض تحت أقدام الصهاينة، وكبوصلة لا تخطئ وجهتها في معركة الوجود بين الحق والباطل بين أهل الأرض والقضية وبين المغتصبون الغرباء.

إنه يوم خطه الإمام الخميني قبل أربعة عقود بمداد الوعي والجهاد، ليكون صرخة المستضعفين في وجه المستكبرين، وإعلانٌ متجددٌ بأن فلسطين لم ولن تكون قضية منسية.

في زمنٍ تنقلب فيه الموازين، وتسقط الأقنعة عن وجوه أنظمة عربية هرولت نحو التطبيع واستباحت دماء الفلسطينيين بأموالها وصفقاتها، يثبت أحرار الأمة أن يوم القدس العالم أكثر من مجرد مناسبة، بل هو معركة وعيٍ مستمرة، يخوضها الأحرار في وجه جيوش الإعلام المضلِّل، وسياسات الحصار والتجويع،  ومؤامرات تصفية القضية الفلسطينية. إنه اليوم الذي تتضح فيه معالم الاصطفاف: بين من باع ضميره وسلَّم مفاتيح القدس للمحتل، وبين من رفع راية المقاومة ولم يفرّط بذرة تراب.

لقد صار يوم القدس مقياسًا لمعرفة الأحرار من العبيد، ومن الثابتين ومن المتخاذلين. في كل عام، تنطلق مسيرات الملايين، وتُرفع رايات فلسطين في ساحات صنعاء وبيروت وطهران وبغداد وتونس و البحرين و بقية الأحرار من شعوب أمتنا الإسلامية، حيث تصدح الحناجر بنداء الحق، مؤكدين أن القدس ليست قضية هامشية، بل هي قبلة المحور الذي تدور حوله معركة الأمة كلها.

أما على الضفة الأخرى، في القدس المحتلة ويافا المسلوبة، فلا شيء سوى الاستنفار والذعر، حيث يدرك العدو الإسرائيلي أن هذا اليوم ليس مجرد هتافات، بل هو تأكيدٌ بأن زمن الاستسلام ولى، وأن القضية التي ظنوا أنهم دفنوها عادت لتقود محورًا يمتد من اليمن إلى فلسطين، ومن لبنان إلى إيران. يوم القدس ليس شعارًا، بل معركة مستمرة، وطريقٌ لن ينتهي إلا بعودة القدس، وانتصار المقاومة، وانكسار المشروع الصهيوني أمام إرادة الشعوب.

  

اليمن .. الاستثناء

في زمنٍ تكالبت فيه قوى الاستكبار على الشعب الفلسطيني المظلوم وتناست القوى الشيطانية شعاراتها الزائفة عن الحرية و حقوق الإنسان، و في وقت خذلت الأنظمة العميلة فلسطين وتآمرت وطبعت مع الصهاينة، وانشغلت الشعوب العربية و الإسلامية بمآسيها، اختار الشعب اليمني أن يكون الاستثناء، أن يكون في مقدمة الركب لا في مؤخرة المتفرجين. لم يكتفِ بالهتاف ولا بالشعارات، بل ترجم مواقفه إلى أفعال، فكان السند الحقيقي للمقاومة الفلسطينية، بالمال والسلاح والكلمة والموقف.

 

 وحين احتدمت المعركة، لم يكتفِ بالمساندة عن بعد، بل دخلها بشرف، شريكًا في الدم والمصير، ومعاهدًا المجاهدين في فلسطين بأنه لن يتركهم وحدهم أبدًا.

ويأتي يوم القدس العالمي ليؤكد المؤكد، حيث تدفقت حشود الشعب اليمني إلى الساحات والميادين، في مشهدٍ يجسد روح النصرة الحقيقية، لا مجرد التعاطف العابر. خرجوا ليجددوا العهد مع فلسطين، ليقولوا

للمقاومة: “لسنا متضامنين فحسب، نحن معكم في الخندق ذاته، من صنعاء إلى غزة، من صعدة إلى جنين، معكم حيثما كنتم، بالسلاح الذي صنعناه، وبالدم الذي نقدمه بلا تردد”.

هذه ليست شعارات للمزايدات، بل مواقف ترسخت في معادلات الصراع، وشواهدها تصل إلى غزة في صواريخ تفاجئ المحتل، وفي دعمٍ يكسر الحصار، وفي كلمة حقٍ تتحدى الطغاة. ففي اليمن، لم تعد فلسطين مجرد قضية، بل أصبحت عقيدةً، ونهجًا، وجزءًا من هوية شعبٍ قرر أن لا يترك القدس لمصيرها، ولا يترك المقاومة تقاتل وحدها.

 

صنعاء: الزلزال الجماهيري الأكبر

 في العاصمة دصنعاء، كان المشهد أسطورياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ميدان السبعين، الذي اعتاد على احتضان كبرى الفعاليات، بدا وكأنه امتدادٌ لبحرٍ هادرٍ من البشر، جاؤوا من كل حدب وصوب، متدفقين كالسيل الجارف استجابةً لنداء السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، الذي دعا إلى الخروج المليوني العظيم في يوم القدس العالمي.

رفع المشاركون الأعلام الفلسطينية واليمنية، وصدحت الحناجر بهتافات تتوعد الكيان الصهيوني وأسياده الأمريكان، مؤكدين أن اليمن كان وسيبقى سنداً لفلسطين، وأن كل غارةٍ أمريكية على اليمن لن تزيدهم إلا إيماناً بالموقف، وثباتاً على العهد.

وأكدت الحشود اليمانية أنها جزءٌ من معركة الوعي والجهاد، وجزءٌ من الحرب المقدسة ضد أعداء الله ورسوله قتلة الأنبياء، مؤكدين أنهم لن يساوموا على مواقفهم تجاه فلسطين، مهما تكالبت قوى الشر عليهم.

 

رسائل من ميدان السبعين: العالم يسمع ويرى

لم يكن يوم القدس في صنعاء شأناً يمنياً فقط، فقد توافدت شخصيات دولية إلى الميدان، وألقى عددٌ من السياسيين والناشطين كلماتهم، كان أبرزها كلمة النائب الإيرلندي مايك والاس، الذي قال: “اليمن يقف أمام الإمبريالية العالمية، والشعوب الغربية بدأت تدرك حقيقة الإبادة التي تُمارَس بحق الفلسطينيين”.

أما ولفين مانديلا، حفيد الزعيم نيلسون مانديلا، فقد ألقى كلمة نارية، أكد فيها أن بلاده ستظل إلى جانب الشعب الفلسطيني، مردداً: “الحرية لفلسطين، الحرية لليمن”. كما شارك الصحفي البرازيلي ديب سكوبا، الذي أشار إلى أن أمريكا تعتدي على اليمن، لكنها هي الخاسرة في النهاية، مشدداً على أن الشعوب الحرة تقف مع اليمن وفلسطين.

كما شارك المعارض والناشط الأمريكي جاكسون هنيكل عبر عن افتخاره بالمشاركة وتواجده اليوم في صنعاء في يوم القدس العالمي بالتزامن عدوان أمريكي على اليمن، وقال: أن أمريكا والصهيونية تخاف اليمن لأن اليمنيين لا يخشون شيئا إلا الله

 وألقى الإعلامي اللبناني علي الرضا كلمة أكد فيها أن اليمن ولبنان دم واحد وأن اليمن سينتصر ويرفع الراية في المسجد الأقصى، مشيرا إلى أنه بالتزامن يشن العدو الصهيوني يشن عدوانا على لبنان، فيما تشن أمريكا عدوانا على اليمن.

 كما ألقى الناشط والشاعر المصري ممدوح علوان قصيدة شعرية معبرة..

 

 

رسالة الشهيد أبو حمزة: عهد المقاومة ووعد التحرير

 

تميزت فعالية يوم القدس العالمي بميدان  السبعين بصنعاء عرض كلمة مؤثرة للناطق باسم سرايا القدس، الشهيد أبو حمزة، سجلها قبل استشهاده بساعات، حيث استهلها بشعار الحرية والبراءة في وجه المستكبرين: (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام).

وأشار الشهيد أبو حمزة إلى أن فعاليات المؤتمر الثالث لدعم فلسطين أقيمت هذا العام في اليمن تحت شعار “لستم وحدكم”، مؤكدًا أن هذا الشعار هو نهج ومسار رفعه الأحرار في يمن الحكمة والإيمان منذ الأزل وحتى اليوم. كما شدد على أن هذه الصرخة المدوية كانت منبع كرامة وشموخ لكل الأحرار والمخلصين، وكابوسًا مرعبًا لأصحاب المشروع الغربي.

وأوضح أن تأسيس الكيان الصهيوني اليهودي على أرض فلسطين كان امتدادًا واضحًا للاستعمار الظالم، بهدف منع أي وحدة في العالم العربي والإسلامي. كما أشار إلى أن المشروع الصهيوني يستهدف أحرار الأمة، ومنهم المفكر فتحي الشقاقي، والقائد حسين بدرالدين الحوثي، والإمام الخميني.

ولفت الشهيد إلى تشكل جبهة مضادة لهذا المشروع، وهي محور المقاومة الممتد من فلسطين إلى لبنان، واليمن، وإيران، والعراق، مشددًا على ضرورة التحاق كل الأحرار في العالم بهذا المحور الصادق والشريف.

وأكد أبو حمزة أن معركة طوفان الأقصى مثلت إنجازًا كبيرًا وضربة قاصمة للبرنامج الصهيوني، وأن المسار العسكري لهذه المعركة سيؤسس حتمًا لزوال الكيان الصهيوني، تحقيقًا لوعد الله العظيم والفتح المبين. كما اعتبر أن هذه المعركة شكلت نقطة تحول استراتيجي كبرى، مما يحتم البناء على هذا الإنجاز لمواصلة طريق التحرير.

ودعا الشهيد إلى الوحدة الإسلامية، ودعم الشعب الفلسطيني ومقاومته، وتعزيز صموده على أرضه، وقطع العلاقات مع العدو الصهيوني، ووقف التطبيع، مؤكدًا أن الكيان يستغل هذه العلاقات للفتك بدولة تلو الأخرى.

وأشار إلى أن الحضور العربي والإسلامي، وخاصة اليمني، في معركة طوفان الأقصى كان علامة فارقة، حيث أعلن الحرب على الكيان وفرض عليه حصارًا بحريًا. كما نوّه بأن الخروج الجماهيري في ميدان السبعين شكّل دافعًا قويًا للقوات المسلحة اليمنية للاستمرار والمواصلة بكل عزيمة وإصرار.

وتوجه الشهيد أبو حمزة بالتحية إلى القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، مشيرًا إلى أن المقاومة الفلسطينية كانت تستمع إلى خطابه التفصيلي حول المعركة وكأنه حاضر في جبهة الحرب وقلب المواجهة في غزة.

كما جدّد العهد بالالتزام بمسار المقاومة والكفاح المسلح حتى التحرير من براثن الاحتلال، مستشهدًا بقول الله تعالى: “ويقولون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبًا.”

وختم كلمته بتوجيه التحية إلى أحرار الأمة، وإلى قائد الثورة الإسلامية في إيران، والحرس الثوري الإيراني، والمقاومة اللبنانية والعراقية.

 

مستمرون في إسناد غزة


وأكد بيان صادر عن المسيرة في ميدان السبعين تلاه عضو الهيئة العليا لرابطة علماء اليمن العلامة فؤاد محمد ناجي، أن القدس العالمي الذي أسسه ودعا لاحيائه الإمام الخميني يأتي من منطلق المسؤولية الدينية ليكون يوماً ليقظة جميع الشعوب الإسلامية تجاه القضية الفلسطينية حتى تبقى حية في نفوس المسلمين.
ولفت إلى أن يوم القدس العالمي يتزامن هذا العام مع عودة التصعيد الاجرامي على غزة والحصار المميت لها من قبل العدو الصهيوني المجرم بمشاركة طاغوت العصر أمريكا على مرأى ومسمع العالم، في ظل تخاذل عربي وإسلامي مخز وغير مسبوق، وأيضا استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان وسوريا في سعي حثيث وواضح لتنفيذ المشروع الصهيوني المسمى بـ “إسرائيل الكبرى” في كل المنطقة.
وأوضح البيان أنه واستجابة الله تعالى وجهاداً في سبيله وابتغاء لمرضاته في هذا الشهر الكريم، خرج اليمنيين اليوم في مسيرات مليونية حاشدة احياء ليوم القدس العالمي استمراراً لموقفهم الإيماني الثابت والمبدئي وفاء ومساندة للشعب الفلسطيني المسلم المظلوم، وتزامناً مع الذكرى العاشرة لليوم الوطني للصمود.
واعتبر إحياء الشعب اليمني ليوم القدس العالمي حتى في أصعب الظروف خلال سنوات العدوان الطويلة عليه دون توقف أو تراجع دليلً على صدق انتماءه الإيماني، وتمسكه الفعلي بالمقدسات واستعداده العالي للتضحية في سبيل لتحريرها.
وأكد البيان أن ذلك، ترجمه قولاً وعملاً في معركته المقدسة للدفاع عن غزة وأهلها وعن القدس، ومازال في قلب المعركة يقدم الشاهد على عظمة الإسلام وقوته في مواجهة أعداء الله، ورسوله، ومقدساته، وكذا أعداء أمة الإسلام المتمثلين في أئمة الكفر أمريكا و”إسرائيل”.
وجدد بيان المسيرة التأكيد على ثبات الموقف اليمني المبدئي الذي لا يقبل المساومة أو التراجع وهو التمسك بكتاب الله الكريم، والالتزام بتوجيهاته، والولاء لأوليائه والعداء لأعدائه، والاستمرار في خط الجهاد في سبيله، والوقوف مع المستضعفين من عباده.
ولفت إلى استمرارا اليمنيين في الوقوف ضد العدو الصهيوني والعدو الأمريكي في مواجهة عدوانهم على غزة وعلى اليمن، متوكلين على الله ومعتمدين عليه وواثقين بنصره دون تراجع أو تخاذل حتى يمن بنصره علينا وهو ولي ذلك والقادر عليه.
وفي الذكرى العاشرة لليوم الوطني للصمود، توّجه بيان المسيرة بالحمد والثناء الله سبحانه وتعالى الذي ثبت اليمنيين ووفقهم وأعانهم على الصمود أمام تحالف العدوان الأمريكي، السعودي والإماراتي الذي ارتكب أبشع الجرائم بحق الشعب اليمني من قتل وحصار ونهب للثروات وتدمير للبنى التحتية، ورغم كل ذلك مرفوعي الرأس.
كما أكد أن ثمار الصمود اليمني هذا الموقف المشرف المساند للشعب الفلسطيني، مضيفًا “أننا كما صمدنا سابقاً أمام أبشع عدوان أمريكي سعودي إماراتي لسنوات بسبب موقفنا الرافض للخنوع لأمريكا وإسرائيل وأدواتهم المنافقة في المنطقة وتمسكنا بمبادئنا وقيمنا، فإننا على أتم الاستعداد لمواصلة صمودنا وجهادنا ضد أئمة الكفر وأرباب النفاق وصناعة الانتصارات”.

 

مسيرات يوم القدس العالمي في المحافظات اليمنية

لم تقتصر الفعالية على صنعاء، بل امتدت إلى مختلف المحافظات اليمنية، حيث شهدت أكثر من ٦٠٠ ساحة في مدن ومديريات و عزل المحافظات في صعدة، الحديدة، تعز، إب، ذمار، وريمة، وحجة والبيضاء والضالع و مأرب والجوف و عمران مسيرات حاشدة عبرت عن الموقف الشعبي الثابت تجاه قضية فلسطين.

في صعدة، انطلقت مسيرة جماهيرية ضخمة وسط شعارات منددة بجرائم العدو الصهيوني، ومؤكدة على أن الشعب اليمني جزء لا يتجزأ من محور المقاومة.

أما في الحديدة، فقد احتشد الآلاف في الساحات العامة، حاملين اللافتات المؤيدة للقضية الفلسطينية، مرددين الهتافات التي ترفض التطبيع وتؤكد على أن تحرير القدس هو واجب مقدس.

وفي تعز وإب، شهدت الفعاليات حضوراً واسعاً من مختلف الفئات، حيث تركزت الكلمات على أهمية الوحدة الإسلامية في مواجهة العدو المشترك، وشدد المتحدثون على أن القدس لا يمكن أن تتحرر إلا بالمقاومة المسلحة، لا بالمفاوضات العقيمة.

وفي ريمة ذمار وحجة و عمران، تكررت المشاهد ذاتها، حيث احتشدت الجماهير في الميادين والساحات، وألقيت كلمات قوية تعكس إصرار الشعب اليمني على الوقوف في صف المقاومة الفلسطينية مهما كانت التحديات.

و في الجوف و مأرب والضالع والبيضاء  خرجت العشرات من المسيرات الجماهيرية في عدد من الساحات إحياء ليوم القدس العالمي و التأكيد على استمرار الموقف اليمني حتى تحقيق النصر..

ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء 

محافظة الحديدة 

محافظة صعدة 

محافظة حجة 

محافظة إب 

محافظة ذمار 

محافظة عمران 

محافظة تعز 

محافظة المحويت 

محافظة البيضاء

محافظة ريمة 

محافظة مأرب 

محافظة الجوف 

محافظة الضالع 

قد يعجبك ايضا