لماذا الإضاءة الأميركية على قاعدة “دييغو غارسيا” وهل انطلقت المفاوضات فعلًا بين طهران وواشنطن؟

|| صحافة ||

ثلاثة ملفات حساسة، دائمًا ما كانت تضعها الولايات المتحدة الأمريكية عناوين رئيسة لأي مفاوضات مع إيران: النووي الإيراني، قدراتها العسكرية وخاصة الصاروخية، ونفوذها الإقليمي، ومع كل تبدل للتوجهات الإستراتيجية والسياسية الأميركية الذي يحصل عادة بين أن يكون الجمهوريون أو الديمقراطيون على رأس الإدارة، تبقى هذه العناوين – الأهداف- للإدارة الأميركية ثابتة لا تتغير، فقط تتغير الأساليب في مقاربتها، ولكن ليس بمستوى يمكن من خلاله استنتاج أي تغيير جدي في هذه المقاربة الأميركية.

اليوم، ومع الحراك المنتج إعلاميًا في التواصل غير المباشر بين الطرفين: واشنطن وطهران، والذي أطلقته رسالة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لقائد الثورة في إيران- السيد الخامنئي- في بداية شهر آذار/مارس الحالي، يمكن القول إن هذه المفاوضات كانت قد بدأت عمليًا وقبل فترة غير بسيطة من هذه الرسالة، وذلك على الشكل التالي:

بالنسبة للأميركيين، بدأت المفاوضات برسائل نارية مباشرة أرسلتها واشنطن عبر دعمها المفتوح وغير المسبوق لكيان الاحتلال، في حربه على غزة وخاصة على حماس، وفي حربه على لبنان وخاصة على حزب الله، وفي الوقت الذي تعتبر واشنطن أن هذه الرسائل هي فعليًا للنظام الإيراني لكي يرضخ، ويتخلى بالتالي عن “أذرعه” حسب الادعاء الأميركي – “الإسرائيلي”، على اعتبار أن حماس وحزب الله ذراعان قويتان لهذا النظام، يعتبر الأخير أن هذا الدعم الأميركي لكيان الاحتلال ليست رسائل له، بل هي سياسة تدميرية لخدمة “إسرائيل”، عبر استغلال أسلحة وقدرات ومواقف كل من حماس وحزب الله لتغطية هذه السياسة التدميرية الأمريكية- “الإسرائيلية”،  خدمة لمشروع حماية هيمنة الكيان وحماية احتلاله لفلسطين ولبعض الأراضي العربية الأخرى.

أمام الرد الإيراني السلبي على هذه الرسالة الأميركية، حيث أُفهِمَت واشنطن أن مواقف من تدّعي أنها أذرع إيران، هي مواقف أطراف وطنية لبنانية وفلسطينية تواجه الاحتلال “الإسرائيلي” لأراضيها، وتقاوم هيمنة وغطرسة كيان الاحتلال على دولها وعلى سيادتها، وبأن هذه الأطراف- حماس أو غيرها من فصائل المقاومة الفلسطينية، أو حزب الله،  معنية بمقاومة الاحتلال عن إيمان وقناعة وواجب وطني وديني، دون أي ارتباط بتقوية موقع ونفوذ إيران في المنطقة، حيث إن تأثير الاحتلال السلبي هو مباشرة على لبنان وعلى فلسطين وليس على إيران.

الرسالة الثانية التي وضعتها واشنطن كبند من بنود مفاوضات الضغط على إيران، كانت في حربها التدميرية على اليمن، تحت غطاء “تحرير الملاحة البحرية والتجارة الدولية” عبر استهداف “أنصار الله” ، وأيضًا بادّعاء أميركي بأنهم (اليمنيين- أنصار الله) ذراع أخرى من أذرع إيران في المنطقة؛ وأيضًا ليكون الرد الإيراني (وبتأكيد يمني واضح) بأن اليمنيين ملتزمون بدعم غزة والشعب الفلسطيني عن قناعة تامة وإيمان عميق، دون أي ارتباط بطلب إيراني، إذ إن قضية احتلال فلسطين والمقدسات من قبل الكيان هي قضية أساسية في فكر وعقيدة أنصار الله بمعزل عن العلاقة مع النظام في إيران.

الرسالة الثالثة والتي وضعتها واشنطن أيضًا كرسالة ضغط وتهويل على إيران، كانت تحت عنوان:”قاعدة دييغو غارسيا الجوية الأميركية في المحيط الهندي، حيث تعمدت واشنطن الإعلان الواضح والكشف غير المهني أمنيًا وعسكريًا عن زيادة المعدات العسكرية في الشرق الأوسط والمنطقة عبر نشر أخبار عن تحركات عسكرية أميركية في قاعدة “دييغو غارسيا” الجوية في المحيط الهندي.

حساسية الأمر، والذي ربما رأت فيه واشنطن مستوى متقدمًا من الضغط على إيران، أن هذه القاعدة هي التي استخدمتها الولايات المتحدة سابقًا لبدء هجماتها على أفغانستان والعراق، فاعتبرت واشنطن أن الإشارة إليها بهذه الطريقة اللافتة، ستكون رسالة ضغط على إيران بأن الحملات الأميركية السابقة عسكريًا على أفغانستان وعلى العراق، انطلقت من هذه القاعدة، والتي شكلت حينها نقطة ارتكاز أساسية للهجوم الجوي والتدخل العسكري الأميركي في الدولتين.

 

عمليًا، واستنادًا لرمزية قاعدة “دييغو غارسيا” كنقطة ارتكاز جوية لإطلاق الحملة العسكرية الأميركية على إيران، واستنادًا أيضًا لتحليل بيانات تتبع الطيران من قبل المصادر المفتوحة (OSINT)، بعد أن تبين أنه بحلول 25 آذار/مارس، وصل ما لا يقل عن 5 قاذفات إستراتيجية خفية عن الرادار من طراز “بي-2” سبيريت وسبع طائرات نقل من طراز “سي-17” إلى قاعدة “دييغو غارسيا”؛ وحيث  تُعتبر قاذفة “بي-2” واحدة من أكثر المقاتلات الإستراتيجية تقدمًا لدى الولايات المتحدة، إذ لديها القدرة على حمل أكبر القنابل الموجودة في ترسانة الجيش الأميركي، بالإضافة لما كتبته صحيفة “هآرتس” “الإسرائيلية” عبر إشارتها إلى أن إرسال المعدات والطائرات الأميركية بالقرب من إيران في الفترة الأخيرة، يعتبر أكبر عملية نشر للقوات والمعدات في الشرق الأوسط منذ بدء الحرب بين “إسرائيل” وحماس وحزب الله في أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

كل ذلك كان يجب (بنظر الأميركيين طبعًا) أن يدفع إيران للرضوخ والسير بإملاءات ترامب: معالجة الملفات الثلاثة، النووي والنفوذ والصواريخ، كما تريد واشنطن وإلّا، فحملة عسكرية أميركية – “إسرائيلية” غير مسبوقة على إيران –  ذكرها حرفيًا الرئيس ترامب: “لم يحصل مثيل لها بالتاريخ ” – باستهداف كل ما له علاقة بمنشآت عسكرية تقليدية أو نووية عسكرية أو نووية سلمية”.

أيضًا، جاء رد الفعل الإيراني وكما العادة، هادئ وحكيم وثابت على موقفه: لا تفاوض مباشر، ولا تفاوض تحت التهديد وتحت الضغط، بل تفاوض غير مباشر، متوازن ومن الند للند، مع التطرق لكل المصالح الإيرانية لناحية رفع الحصار والعقوبات ولناحية تحرير أموالها حول العالم والمحتجزة بقرار أميركي، والأهم أيضًا، مع ضمانات واضحة وأكيدة بعدم الانسحاب والتنصل الأميركي مما تتوصل إليه المفاوضات أو من أي اتفاق يتم التوصل إليه.

 

العهد الاخباري: شارل أبي نادر

قد يعجبك ايضا