غزة تجوع والمساعدات تتعفن خارج أسوارها، فهل تعفنت الإنسانية أيضاً ؟ّ!

على مرأى ومسمع العالم المتخاذل، يدخل الوضع الإنساني في قطاع غزة مرحلة الانهيار الكامل، بفعل سياسة الحصار والتجويع الممنهجة التي يفرضها العدو الإسرائيلي على سكان القطاع منذ أكثر من ستة أشهر، وتحديدًا مع انقطاع دخول المساعدات الإنسانية بالكامل منذ أكثر من شهر ونصف بشكل متواصل ومتعمّد.

لقد شهد قطاع غزة حرب إبادة جماعية متكاملة الأركان، تقول وزارة الصحة في غزة، اليوم الأحد، أن عددًا من الضحايا ما زالوا تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم. مؤكدة ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 51,201 شهيدًا و116,869 إصابة منذ السابع من أكتوبر للعام 2023م. وبينت أن حصيلة الشهداء والإصابات منذ 18 مارس 2025 بلغت 1,827 شهيداً و4,828 إصابة.

 

حجم المأساة على مختلف القطاعات في غزة كشفها المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، يوم الجمعة، بمناسبة مرور 560 يوماً على بدء العدوان، منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى 18 أبريل 2025.

المكتب أفاد أن عدد المجازر التي ارتكبها العدو تجاوز 12,000 مجزرة، أسفرت عن أكثر من 62,000 شهيد ومفقود، بينهم 51,065 شهيداً وصلت جثامينهم إلى المستشفيات، في حين لا يزال أكثر من 11,000 مفقود، بينهم من قضوا تحت الأنقاض أو لم تُعرف مصائرهم حتى اللحظة. وأشار إلى أن العدو نفّذ 11,859 مجزرة ضد العائلات الفلسطينية، ما أدى إلى إبادة 2,172 عائلة بالكامل، ومحوها من السجل المدني، حيث استشهد جميع أفرادها، فيما أُبيدت أكثر من 5,070 عائلة ولم ينجُ منها سوى فرد واحد.

وسجّلت الإحصائيات استشهاد أكثر من 18,000 طفل، من بينهم 281 طفلاً وُلدوا واستشهدوا خلال العدوان، و892 طفلاً استُشهدوا دون أن يكملوا عامهم الأول، إضافة إلى 52 حالة وفاة بسبب الجوع، و17 وفاة بسبب البرد، غالبيتهم أطفال.

كما استشهدت أكثر من 12,400 امرأة، وارتقى 1,402 من الطواقم الطبية، و113 من عناصر الدفاع المدني، و211 صحفياً، و748 عنصراً من الشرطة وأمن المساعدات في استهداف مباشر من قوات العدو.

ووثّق المكتب الإعلامي وجود 7 مقابر جماعية داخل المستشفيات انتشل 529 جثماناً منها، إضافة إلى 116,505 جريحاً، منهم 17,000 بحاجة إلى تأهيل طويل الأمد، و4,700 حالة بتر، بينهم 18% من الأطفال.

وأوضح أن 60% من الضحايا هم من النساء والأطفال، وأن هناك 409 صحفيين أصيبوا خلال الحرب، فيما استهدف العدو 232 مركزاً للإيواء واعتقل 6,633 شخصاً من غزة، بينهم 362 من الكوادر الطبية و48 صحفياً.

وعلى صعيد الدمار، قدّر المكتب نسبة تدمير العدو لقطاع غزة بـ أكثر من 88%، حيث دمّر كلياً 165,000 وحدة سكنية، وجزئياً أكثر من 300,000 وحدة، فيما بلغت الخسائر الاقتصادية الأولية أكثر من 42 مليار دولار.

 

وأضاف أن العدو دمّر 828 مسجداً كلياً، وألحق أضراراً كبيرة بـ 167 مسجداً آخر، واستهدف 3 كنائس، ودمّر 19 مقبرة جزئياً أو كلياً، إضافة إلى سرقة 2,300 جثمان.

كما خرجت 38 مستشفى و81 مركزاً صحياً عن الخدمة، وتم استهداف 164 مؤسسة صحية و144 سيارة إسعاف، فيما دُمر 719 بئر ماء وأُعطبت آلاف الكيلومترات من شبكات الطرق والمياه والصرف الصحي والكهرباء.

وفي المجال التعليمي، استُشهد 13,000 طالب وطالبة، و785,000 حُرموا من التعليم، إضافة إلى 800 من الكوادر التعليمية وأكثر من 150 أكاديمياً تم استهدافهم، ودُمرت 142 مؤسسة تعليمية كلياً و364 جزئياً.

كما يعيش 39,400 طفل دون أحد والديهم أو كليهما، وتُركت 280,000 أسرة دون مأوى، في ظل انعدام الخدمات الإنسانية والطبية نتيجة الحصار والتدمير الممنهج.

وختم المكتب الإعلامي بيانه بالتأكيد أن هذه الأرقام تعكس حجم الجريمة المستمرة بحق المدنيين في قطاع غزة، وسط صمت دولي مطبق، داعياً إلى تحرك عاجل لوقف العدوان ورفع الحصار عن السكان المحاصرين.

إن قطاع غزة اليوم يعيش كارثة إنسانية حقيقية ومجاعة واضحة المعالم، يُهدد فيها الجوع حياة السكان المدنيين بشكل مباشر، وفي مقدمتهم أكثر من 1,100,000 طفل يعانون من سوء تغذية حاد، في ظل غياب الغذاء، وشُح المياه، وتدهور المنظومة الصحية بشكل شبه كامل، وحرمان الناس من الحدّ الأدنى من مقومات الحياة.

الطوابير الطويلة أمام ما تبقى من نقاط توزيع الطعام باتت مشهداً يومياً مأساوياً في جميع محافظات قطاع غزة، في ظل استهداف العدو لأكثر من 37 مركزاً لتوزيع المساعدات، و28 تكية طعام، تم قصفها وإخراجها عن الخدمة، ضمن خطة ممنهجة لفرض سياسة التجويع كأداة حرب ضد المدنيين.

  

“لن تدخل غزة أي مساعدات”

 

بكل تبجح وقلة حياء، ومع اشتداد الجوع في غزة يعلن ما يسمى “وزير الدفاع” الصهيوني، المجرم “يسرائيل كاتس”، الأربعاء، أنه لن يُسمح بدخول أي مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة. وأضاف إن “سياسة إسرائيل واضحة: لن تدخل أي مساعدات إنسانية إلى غزة، ومنع هذه المساعدات هو أحد أدوات الضغط الرئيسية التي تمنع حماس من استخدامها كأداة ضغط على السكان”.

لم تقف وقاحة المجرم “كاتس” عند هذا المستوى بل أكد أنه “لا أحد يخطط حاليا للسماح بدخول أي مساعدات إنسانية إلى غزة، ولا توجد أي استعدادات لإتاحة دخولها”، فهل بعد هذا العار عار يا أمة الملياري مسلم؟ّ!.

وقد سبقه المجرم الذي يسمى نفسه “وزير الخارجية ” في “حكومة” العدو ” جدعون ساعر” والذي برر استمرار منع دخول المساعدات بالقول إنها “أصبحت المصدر الرئيسي لإيرادات حماس في غزة”.

هذه التصريحات أتت بعد ساعات من إعلان مؤسسة تسمي نفسها “الأمم المتحدة” وعلى لسان مكتبها لتنسيق الشؤون الإنسانية أن الوضع في غزة بلغ الأسوأ منذ 2023م ، مضيفا أن “الوضع الإنساني بلغ أقصى درجات السوء خلال الأشهر الـ18 من النزاع”، لافتا إلى أن “العمليات العسكرية الإسرائيلية استؤنفت في غزة منذ 18 آذار/مارس، بعدما فرضت حصارا تاما على دخول الإمدادات الإنسانية منذ الثاني من آذار/مارس، وهي أطول فترة توقف للإمدادات حتى الآن”.

 وعلى إثر ذلك، شدد “أوتشا” على أن إغلاق المعابر والقيود الداخلية في غزة أجبرت السلطات في غزة على “ترشيد وتقليص عمليات التسليم” إلى السكان.

غزة مقبرة جماعية

 

على صعيد المساعدات الإنسانية، يواصل العدو الإسرائيلي منع دخول أي شاحنات إغاثة أو وقود إلى قطاع غزة، في ظل تكدّس آلاف الشاحنات المحمّلة بالمساعدات عند المعابر منذ أسابيع طويلة دون السماح بوصولها إلى مستحقيها. إن هذا الحصار المشدد لا يستثني جانباً من جوانب الحياة اليومية، ويضرب أساسيات البقاء، ما يفاقم من حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها أكثر من 2.4 مليون إنسان في القطاع، ويُنذر بانهيار شامل غير مسبوق؛ فالمرافق الخدمية والإنسانية شارفت على الانهيار الكامل، المشافي تعمل بقدرات محدودة ودون أدوية أو وقود، ومن المحتمل أن تتوقف جميع المستشفيات عن العمل خلال الأسبوعين القادمين بسبب انعدام دخول الوقود، وكذلك المخابز توقفت عن العمل حيث أنها لا تجد دقيقاً أو مصادر تشغيل، ومحطات المياه توقفت عن الضخ بفعل شح الوقود وقطع الكهرباء بشكل متعمد، خاصة عن محطات التحلية.

وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” طالبت ،السبت ، بتجديد وقف إطلاق النار في غزة، ورفع الحصار وإعادة فتح المعابر بما يسمح بدخول المساعدات بشكل مستمر.

ولفتت “الأونروا” إلى أن أكثر من 2.1 مليون شخص محاصرون في قطاع غزة ويتعرضون للقصف والتجويع. وأوضحت، أن إمدادات الغذاء والدواء والوقود والخيام تتكدس عند معابر قطاع غزة بعد أن منعت “إسرائيل” دخولها منذ 7 أسابيع.

منظمة “أطباء بلا حدود”، ذكرت أن قطاع غزة أصبح مقبرة جماعية للفلسطينيين وللذين يهبّون لمساعدتهم جراء حرب الإبادة الإسرائيلية ومنع دخول المساعدات الإنسانية. وأفردت المنظمة في بيان صحفي اليوم الأربعاء، حيزا لتصريحات أماندي بازيرول، منسقة الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود في غزة والتي قالت: “إن غزة تحولت إلى مقبرة جماعية للفلسطينيين ومن قدموا لهم المساعدة. إننا نشهد الدمار والنزوح القسري لسكان غزة بأسرهم في آن واحد”.

وأردفت: “الاستجابة الإنسانية تعاني بشدة تحت وطأة انعدام الأمن ونقص الإمدادات، ولا يوجد مكان آمن للفلسطينيين أو الذين يحاولون مساعدتهم. لم يتبق للناس سوى خيارات قليلة للحصول على الرعاية الصحية”.

 

وبحسب للأمم المتحدة، استشهد ما لا يقل عن 409 عمّال إغاثة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، ومعظمهم من موظفي الأونروا، أبرز مزودي المساعدات الإنسانية في غزة، فيما استشهد أحد عشر من منظمة أطباء بلا حدود منذ بداية الحرب، ومنهم من استشهدوا أثناء تأدية عملهم، وقد استشهد اثنان خلال الأسبوعين الماضيين فقط.

بدورها قالت المديرة العامة لأطباء بلا حدود فرنسا، كلير ماغون: “يظهر هذا القتل المروّع لعمال الإغاثة مثالًا آخر على تجاهل القوات الإسرائيلية التام لحماية العاملين في المجال الإنساني والطبي، كما أن صمت أقرب حلفاء إسرائيل ودعمهم غير المشروط يشجع هذه الأعمال أكثر”. وأوضحت أن الحصار الكامل على غزة أدى إلى استنزاف مخزون الغذاء والوقود والأدوية، حيث تواجه أطباء بلا حدود بالتحديد نقصًا في الأدوية لعلاج الآلام والأمراض المزمنة، ونقصا في المضادات الحيوية والمواد الجراحية الضرورية.

وأشارت إلى أن سلطات العدو الإسرائيلي تعمدت منع جميع المساعدات من دخول غزة لأكثر من شهر، وأُجبر العاملون في المجال الإنساني على مشاهدة الناس وهم يعانون ويموتون، بينما يتحملون هم العبء المستحيل والمتمثل بتقديم الإغاثة بإمدادات مستنفدة، فيما هم أنفسهم يواجهون نفس الظروف المهددة للحياة.

 

أسوأ وضع إنساني

أما مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا”، فقال: إن قطاع غزة يعاني من أسوأ وضع إنساني منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بسبب الحصار الخانق الذي تفرضه “إسرائيل”. وأوضح بيان “أوتشا” أن الحصار الذي بدأ في 2 مارس/آذار الماضي، بعد إغلاق المعابر ومنع دخول أي مساعدات إنسانية، قد أسهم بشكل كبير في تفاقم الوضع. وأشار البيان إلى أن غزة لم تستقبل المساعدات الإنسانية منذ أكثر من شهر ونصف، وهي أطول فترة يتم خلالها منع المساعدات منذ بداية الحرب، مؤكدًا أن الوضع الحالي يعتبر “ربما الأسوأ منذ بداية الحرب قبل 18 شهراً”.

 

واستنادًا إلى بيانات صادرة عن مؤسسات إغاثية وأممية، ذكرت شبكة المنظمات الأهلية أن 91% من سكان قطاع غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ويقعون في “مرحلة الأزمة” أو ما هو أسوأ (المرحلة الثالثة فما فوق)، من بينهم 345 ألفًا يصنّفون ضمن المرحلة الخامسة، وهي الأشدّ خطورة.

وبيّنت الشبكة أن 92% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر وعامين، إلى جانب الأمهات المرضعات، لا يحصلون على احتياجاتهم الأساسية من التغذية، ما يُعرضهم لمضاعفات صحية طويلة الأمد، كما أشارت إلى أن 65% من السكان لا يملكون الحد الأدنى من المياه النظيفة اللازمة للطهي أو الشرب.

غزة تجوع والطعام يتعفن خارجها

 

مئات الشاحنات محملة بالمواد الإغاثية عجز المجتمع الدولي بأكمله عن إدخالها وقد بدأت بالتعفن، ليتعفن معها ضمير الإنسانية المنعدم في مجتمع لا يسمع ولا يرى أي مأساة ما دام الفاعل هو الكيان الصهيوني.

مفوضة الاتحاد الأوروبي للاستعداد وإدارة الأزمات والمساواة “حاجة لحبيب”، قالت في كلمة قبيل اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ: إن منع سلطات العدو الإسرائيلي دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة تسبب في أزمة إنسانية بالقطاع، بينما تتكدس المساعدات خارجه ويتعفن الطعام.

وتابعت: “منذ أكثر من شهر، لم تصل مساعدات، ولا غذاء، ولا كهرباء، ولا حتى لقمة خبز واحدة. بينما تمتلئ المستودعات خارج غزة بالطعام. ينفد الطعام في غزة، ويتعفن خارجها لأننا لا نستطيع دخول المنطقة. ويُقتل أو يُصاب ما لا يقل عن 100 طفل يوميا”. مشيرة إلى أن سلطات العدو لم توافق منذ فترة على بعثات المساعدات الإنسانية الراغبة في العمل في المنطقة، وأنه لم يعد هناك أي موظفين دوليين في غزة والضفة الغربية.

سوء التغذية

 

وفي هذا الجانب من المأساة، أكدت مؤسسة “آكشن إيد” الدولية في غزة، تسجيل ارتفاع حاد في حالات سوء التغذية الحاد بين النساء الحوامل والمرضعات، وكذلك بين الأطفال الصغار، وذلك في ظل استمرار الحظر الكامل لدخول المساعدات ونفاد الإمدادات الغذائية المتبقية.

وأوضحت المؤسسة في بيان، أنه لم تدخل غزة أي مواد غذائية، أو مياه نظيفة، أو أدوية، أو مستلزمات أساسية أخرى، منذ أغلقت سلطات العدو الإسرائيلي جميع المنافذ، ومنعت دخول المساعدات، ما يرقى إلى عقاب جماعي وتجويع للسكان. وأشارت إلى أن الناس يعانون الجوع وتدهور صحتهم بسرعة، بسبب النقص الحاد في الغذاء الذي أدى إلى إغلاق المخابز، والمطابخ المجتمعية، وفراغ الأسواق من معظم المواد.

واستندت إلى شهادة رئيسة قسم التغذية العلاجية في مستشفى ومؤسسة العودة المجتمعية في النصيرات، وسط غزة، طبيبة الأطفال الدكتورة وصال أبو لبن، قائلة: “إن التأثير في النساء الحوامل والمرضعات كان واضحًا للغاية”.

وأضافت: “لقد لاحظنا زيادة كبيرة جدًا في عدد حالات النساء الحوامل والمرضعات اللواتي يعانين سوء تغذية حادا ومتوسطا. كل هذا نتيجة للحصار في الشهر الماضي وإغلاق المعابر، فجميعهن يعانين فقر الدم ونقص الحديد بسبب نقص الغذاء أو المكملات الغذائية، ما يؤثر سلبًا في الحمل”.

وأشارت أبو لبن إلى أن معظم الأطفال يولدون بوزن أقل من الطبيعي. “فمعظم الحالات التي نشاهدها الآن يعاني المواليد فيها انخفاض الوزن عند الولادة إلى أقل من 2.5 كيلوغرام”، مؤكدة وجود علاقة مباشرة بين ذلك وتغذية الأمهات الحوامل اللواتي يواجهن حالات إجهاض ونزيف بسبب إصابتهن بفقر الدم أثناء الحمل.

ووجد مسح حديث أجرته مجموعة التغذية أن ما بين 10% إلى 20% من النساء الحوامل والمرضعات يعانين سوء تغذية، في حين أن ثلث النساء الحوامل في غزة – ويقدر عددهن بـ55,000 امرأة – يواجهن حالات حمل عالي الخطورة.

ويُولد في غزة نحو 130 طفلًا يوميًا، إلا أن الإمدادات الطبية الأساسية – مثل مواد التخدير للولادة، ومسكنات الألم، والمضادات الحيوية، ووحدات الدم الضرورية للحالات المعقدة – على وشك النفاد، بحسب منظمة الصحة العالمية.

كما تتزايد حالات سوء التغذية بين الأطفال الصغار، إذ تُقدّر مصادر طبية في غزة أن نحو 60,000 طفل معرضون لخطر الإصابة بمضاعفات صحية خطيرة بسبب سوء التغذية.

وفي الوقت ذاته، أصبح الوصول إلى العلاج صعبًا، إذ اضطرت “يونيسف” إلى إغلاق 21 من مراكز التغذية الخاصة بها نتيجة القصف الإسرائيلي أو أوامر الإخلاء القسري، ما أدى إلى انقطاع العلاج عن مئات الأطفال.

انهيار المنظومة الصحية

 

مدير المستشفيات الميدانية في قطاع غزة، الدكتور مروان الهمص، من جهته حذر من تفاقم الكارثة الإنسانية والصحية في القطاع، مؤكداً أن النظام الصحي يواجه الانهيار الكامل، وأن العدو لا يستثني أي مستشفى من القصف المتواصل، في ظل حرب الإبادة الجماعية المستمرة والحصار الخانق.

وأوضح الهمص، في تصريحات، أن العدو الإسرائيلي لا يستثني أي منشأة طبية من الاستهداف، مضيفًا: “اليوم صباحًا استهدف الاحتلال البوابة الشمالية لمستشفى الكويت التخصصي رغم حصوله على اعتراف من منظمة الصحة العالمية كمستشفى ميداني، في خرقٍ واضح للقوانين الدولية والاتفاقيات الإنسانية”.

 

وأشار الهمص، إلى أن المستشفيات في غزة تفتقر بشكل كامل إلى الأدوية والمستلزمات الطبية، في وقتٍ تمنع فيه قوات العدو إدخال أي نوع من العلاج أو الإمدادات الصحية منذ أكثر من 52يومًا، وهو ما أدى إلى نفاد مخزون وزارة الصحة الفلسطينية بالكامل.

ولفت إلى أن أقسام الاستقبال والعناية المركزة ممتلئة بالكامل بالمرضى، ما اضطر الطواقم الطبية إلى اللجوء إلى نظام المفاضلة في تقديم العلاج، حيث يتم اختيار من يمكن أن يتم إنقاذ حياته وتُترك حالات أخرى، واصفًا ذلك بأنه أحد أقسى القرارات التي يُجبر عليها الكادر الطبي بسبب واقع الاحتلال.

وكشف الهمص، أن أكثر من 11 ألف مريض وجريح مسجلين لدى منظمة الصحة العالمية معرضون لخطر الموت بسبب منعهم من السفر لتلقي العلاج في الخارج، بينهم مرضى بأمراض مزمنة وخطيرة مثل القلب والسكري وأمراض الدم.

أما وزارة الصحة في غزة فأوضحت أن مرضى السرطان والفشل الكلوي والقلب، هم الأكثر تأثراً بنقص الأدوية والمهام الطبية. وأضافت أن هناك أصنافا من قائمة الأدوية مُهددة بالنفاد، ما يعني تفاقم مستويات العجز عن 37% من الأدوية و59% من المهام الطبية.

المياه تتحول إلى أداة إبادة جماعية

 

في جريمة جديدة تضاف إلى سلسلة الجرائم المنظمة التي يرتكبها العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، يواصل العدو تعمده حرمان السكان من الحد الأدنى من المياه اللازمة للبقاء على قيد الحياة، عبر استهداف البنية التحتية المائية بشكل ممنهج، ووقف خطوط الإمداد، وتدمير محطات وآبار المياه، وقطع الكهرباء والوقود اللازم لتشغيل مرافق المياه والصرف الصحي.

وقد عمد العدو الإسرائيلي إلى تعطيل خطي مياه “ميكروت” شرق مدينة غزة وفي المحافظة الوسطى، واللذين يوفران أكثر من 35 ألف متر مكعب من المياه يومياً لأكثر من 700 ألف مواطن، وأوقف كذلك خط الكهرباء الذي يغذي محطة تحلية المياه في منطقة دير البلح، ما أدى لتوقفها الكامل عن إنتاج المياه المحلاة، وعرّض حياة نحو 800 ألف مواطن في محافظتي الوسطى وخان يونس لخطر العطش الشديد.

وفي سياق هذه السياسة الممنهجة، قامت قوات العدو بتدمير أكثر من 90% من بنية قطاع المياه والصرف الصحي، ومنع وصول الطواقم الفنية لإصلاح الأعطال، واستهداف العاملين أثناء أداء مهامهم الإنسانية، وكذلك منع العدو دخول الوقود اللازم لتشغيل الآبار ومحطات التحلية، وسط استمرار انقطاع الكهرباء، وقصف خزانات المياه ومحطات التحلية وآبار المياه بشكل متعمد، وتحويل المياه إلى سلاح حرب وجريمة قتل جماعي بطيء.

يفيد مكتب الإعلام الحكومي أن الطواقم والجهات الحكومية المختصة في قطاع غزة سجلت أكثر من 1,7 مليون حالة مرضية مرتبطة بالمياه، بينها حالات إسهال، والمرض المعوي الالتهابي الحاد الذي يطلق عليه “الزُّحار”، والتهاب الكبد الوبائي أ، فضلًا عن وفاة أكثر من 50 مواطنًا غالبيتهم أطفال بسبب الجفاف وسوء التغذية، في ظل تقاعس دولي مخزٍ عن وقف هذه الجرائم المروعة.

منظومة الطاقة الكهربائية هي الأخرى تعرضت لتدمير ممنهج، حيث شنّ العدو قصفا همجيا واعتداءات جوية وبرية ممنهجة استهدفت آلاف المنازل والمنشآت المدنية، وتحديداً تلك المزوّدة بأنظمة للطاقة الشمسية، كمصدر بديل للتيار الكهربائي، في محاولة لإبادة ما تبقى من مقومات الحياة في جميع محافظات قطاع غزة بلا استثناء.

وقد أسفرت هذه الغارات الوحشية عن تدمير أكثر من 4000 منزل ومنشأة تحتوي على أنظمة الطاقة الشمسية، التي تُعدّ الشريان الحيوي لتأمين الكهرباء البديلة، وتشغيل الأجهزة الطبية في المستشفيات والمراكز الصحية، وآبار المياه، ومحطات التحلية، والمخابز، والمرافق المنزلية الأساسية، وغيرها من القطاعات الحيوية. ويُشكّل هذا الاستهداف ضربة قاسية لمصدر الطاقة البديل الذي اعتمد عليه السكان في قطاع غزة في ظل انقطاع الكهرباء المتواصل بفعل الحصار المتصاعد وحرب الإبادة والعدوان المستمر.

منع الأغذية التكميلية

وتقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، إن مستشفيات الأطفال وحديثي الولادة في قطاع غزة “تفتقر إلى معدات طبية كافية، وتعمل في ظروف بالغة الصعوبة”، في ظل جرائم الإبادة الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من عام ونصف.

وفي تصريح على حسابها عبر منصة إكس، قالت اليونيسف، إن “بقاء أطفال غزة على قيد الحياة يعتمد على إعادة فرض وقف إطلاق النار، ودخول المساعدات إلى القطاع”. وتوضح اليونيسف، أن “مستشفيات غزة، التي تعالج حديثي الولادة والأطفال تفتقر إلى معدات طبية كافية، وتعمل في ظروف بالغة الصعوبة”.

ويؤكد إدوارد بيجبيدر، المدير الإقليمي لليونيسف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن لدى المنظمة آلاف الشاحنات المحملة بالمساعدات المنقذة للحياة تنتظر دخول قطاع غزة.

وأضاف مستدركاً: “لكنها بدلا من إنقاذ الأرواح، تُخزن. يجب السماح بدخولها فورا. هذا ليس خيارا أو صدقة، إنه التزام بموجب القانون الدولي”.

وتنبه اليونيسف إلى أن الأطفال الذين يتلقون علاج سوء التغذية يتعرضون لخطر جسيم، حيث أُغلق 21 مركزا للعلاج – أي ما يعادل 15 في المائة من إجمالي مرافق العيادات الخارجية – منذ 18 آذار/مارس 2025 بسبب أوامر النزوح أو القصف. فيما يواجه 350 طفلا يعتمدون على هذه المراكز الآن سوء تغذية متفاقما، قد يُهدد حياتهم.

وتشير المنظمة إلى أن الأغذية التكميلية للرضع الضرورية للنمو عند انخفاض مخزونات الغذاء، نفدت في وسط وجنوب غزة، ولم يتبقَّ من حليب الأطفال الجاهز للاستخدام سوى ما يكفي لـ 400 طفل لمدة شهر. وتُقدّر اليونيسف أن ما يقرب من 10,000 رضيع دون سن ستة أشهر يحتاجون إلى تغذية تكميلية، لذا فبدون حليب الأطفال الجاهز للاستخدام، قد تُجبر العائلات على استخدام بدائل ممزوجة بمياه غير آمنة.

هكذا يبدو الوضع في غزة، فأكثر من مليوني مواطن مخيرون بين القتل بأفتك الأسلحة التي ترسلها أمريكا للكيان الصهيوني، أو الموت جوعاً وحصاراً والغذاء متكدس على مرمى حجر، وصل إلى حالة التعفن، لتتعفن معه ضمائر ما يزيد عن 7 مليار إنسان في هذا العالم عجزوا عن إدخال الخبز والماء والدواء إلى غزة، فهل يعقل أن تحدث هذه المأساة، في الوقت الذي نسمع فيه نداءات نزع سلاح المقاومة ؟ّ!. لقد  ثبت قطعاً أن لا خيار سوى السلاح فنحن أمام عدو مجرم لا يعرف إلا لغة القوة.  

قد يعجبك ايضا