جزيرة كمران رقعة إستراتيجية تختبر “الردع الأميركي”
|| صحافة ||
على مدار ما يربو عن الشهر، يتعرض اليمن لغارات أميركية مكثفة، تستهدف فيها الطائرات الأميركية الحجر والبشر، في خطوة تعكس البحث الأميركي عن الردع المفقود في مقابل أنصار الله اليمنية.
في الآونة الأخيرة، تركز الاستهداف الأميركي بغارات عنيفة على جزيرة كمران اليمنية في البحر الأحمر، وربما كثيرون يسألون عن أهمية هذه الجزيرة حتى تستهدفها الطائرات الأميركية، ومن ثم يتزايد الحديث عن وجود مؤشرات ميدانية تجعل الجزيرة تدخل في الأولويات العسكرية الأميركية في المرحلة الراهنة، خصوصاً في ظل التصعيد المتسارع المرتبط بالحرب في غزة وتداعياتها الإقليمية.
يجذب موقع جزيرة كمران كل من ينظر إلى الجغرافيا بعين الأمن القومي، حيث إن موقعها الإستراتيجي الواقع قبالة موانئ الحُديدة على الساحل الغربي لليمن، أي على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، يجعلها تساهم في التحكم بمسارات الملاحة الدولية وبإدارة العلاقات الجيوبوليتيكية، ما جعلها تتحول إلى نقطة اشتباك بين الولايات المتحدة الباحثة عن الردع الملاحي في البحر الأحمر، والقوات اليمنية المُصرّة على موقفها المبدئي من دعم قطاع غزة والوقوف بوجه الهيمنة الأميركية، في ظل تراجع فاعلية أدوات الردع التقليدية التي لطالما اعتمدتها واشنطن في مواجهة لا تناظرية مع قوة غير دولتية في الأعم الأغلب.
تُعدّ هذه الجزيرة مفتاحاً جيواستراتيجياً في معادلة مضيق باب المندب، فهي ليست جزيرة عادية، بل يستطيع من يسيطر عليها الإشراف على أحد أهم الممرات العالمية للطاقة والتجارة، وأمن الممرات المجاورة كقناة السويس، ما يجعلها فعلياً محط صراع إستراتيجي بين واشنطن وصنعاء من جهة، وبين الأخيرة والدول الخليجية المجاورة من ناحية أخرى، خوفاً على أمنها القومي.
ويشكّل وجود هذه الجزيرة مع القوات اليمنية، متمثلةً بأنصار الله، ورقةً إستراتيجية تُظهر تحكّم اليمن بالملاحة وقدرتها على استهداف البحرية الأميركية المعادية، وبالتالي إظهار تآكل النفوذ الأميركي في البحر الأحمر، أو على الأقل تراجع الردع الأميركي.
وبالرغم من الاعتداءات الجوية المكثفة التي شنّتها الولايات المتحدة الأميركية مؤخراً في عهد ترامب، على أهداف يمنية في كمران، فإنه لم تُسجَّل نتائج حاسمة على ما يبدو، حيث لم يحصل أي تبدل أو تموضع عسكري جديد، بل إن حركة أنصار الله أظهرت قدرة على التأقلم والرد على الاعتداءات الأميركية. وهذا ما يمكن أن يدفعنا للقول، أو على الأقل للتساؤل: هل فقدت واشنطن قدرتها التأثيرية في بيئة الصراع غير المتناظرة؟ والأهم من ذلك، هل سنكون أمام نهاية الردع التقليدي الأميركي؟
السؤال الآنف الذكر، طبعاً، بحاجة إلى بحث أعمق، لكنه أيضاً يطرح تساؤلات أخرى، إذ إن مقالتنا تتمحور حول مسألة جزيرة كمران، فهل أن الفشل الأميركي في ردع اليمن من خلال الهجمات الجوية يمكن أن يؤدي إلى محاولة فرض وجود مباشر في كمران؟ ربما يكون هذا السيناريو مطروحاً، لكنه أيضاً محفوف بالمخاطر، إذ إن القيام بإنزال أميركي، أو الدفع بقوات وكيلة للسيطرة على الجزيرة، قد يشعل جبهات جديدة لا تقتصر على اليمن فقط، بل سيولّد صراعات أكبر في المنطقة، حيث سيدخل البحر الأحمر في دوامة توترات لا تُحمد عقباها. ومع ذلك، تبقى إمكانية حصول هكذا خطوة من الأميركيين غير مستبعدة.
لكن عندها لن يكون البحر الأحمر مسرحاً لاستعراض القوة، بل مرآة ستعكس فقدان السيطرة على معادلة الأمن البحري الدولي. وبكل الأحوال، يشكّل اليمن أكبر اختبار للردع الأميركي التقليدي، كما أن جزيرة كمران ليست مجرد مساحة جغرافية مائية، بل يمكن القول إنها تحوّلت إلى مختبر إستراتيجي حقيقي لمدى فعالية السياسات الأميركية ومتانة التحالفات الإقليمية، في مقابل قدرة المجموعات والقوات اللا تناظرية على فرض توازن ردع بحري في الوقت الحالي في مقابل القوى العظمى.
العهد الاخباري: علي مطر