|| صحافة ||

«شعرنا بحفاوة الاستقبال، شعرنا أننا في وطننا»؛ بهذه الكلمات، عبّر المدير التنفيذي لـ«شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية» (IAI)، بوعز ليفي، عن ارتياحه أثناء حضوره «معرض ومؤتمر الدفاع الدولي - آيدكس 2025» في أبو ظبي في شباط الماضي، والذي شاركت فيه 34 شركة سلاح إسرائيلية - في ما مثّل رقماً قياسياً غير مسبوق، - عارضةً - إلى جانب شركات «BAE Systems» و«Rheinmetall» و«Lockheed Martin»، أسلحة «صُمّمت للمستقبل» وصُقلت في قطاع غزة، قبل أن تُصدّر إلى العالم.

هكذا، شهد المعرض زيادة ملحوظة في حجم مشاركة الشركات الإسرائيلية، بخلاف «معرض دبي للطيران» الذي أقيم في تشرين الثاني 2023، وحضرته ثلاث شركات إسرائيلية هي: «IAI» و«إلبيت سيستيمز» و«رفائيل»، بدت أجنحتها شبه فارغة. حينها، كانت الحرب على قطاع غزّة قد بدأت للتو، والحضور العلني لتجّار الأسلحة الإسرائيليين غير مرغوب فيه، ما دفع المسؤولين الإماراتيين إلى التعامل معه بتحفّظ. أمّا اليوم، وبعد مرور عام واحد فقط، يبدو أن الحرج قد رُفع، لا بل قد تكون حرب غزّة أضحت نموذجاً تجارياً لإسرائيل والخليج، على حدّ سواء.

في أيلول 2024، وبالتزامن مع استمرار حرب الإبادة الجماعية على غزة وتنفيذ «مجزرة البيجر» واندلاع العدوان على لبنان، منحت الولايات المتحدة دولة الإمارات صفة «شريك دفاعي رئيسي» بشكل رسمي، وهو اللقب الذي ظلّ قبل ذلك حكراً على الهند. لم يكن توقيت الخطوة محض مصادفة، بل شكّل إشارة مباشرة إلى إدماج الإمارات بالكامل ضمن البنية العسكرية للإمبراطورية الأميركية، بحيث تصبح أبو ظبي بمنزلة مركز قيادة وتشغيل في بنية أمنية قائمة على الحروب المستمرة.

وجاء ذلك في وقت كانت فيه كل عملية عسكرية في غزة بمنزلة مرحلة تطوير إضافية للمنتج الإسرائيلي، وكل غارة جوية بمنزلة «شهادة جودة»، أسهمت في تعزيز انفتاح فتح الأسواق الخليجية التي لم تعد الشركات الإسرائيلية تبيع السلاح فيها فقط، بل أصبحت تروّج لعقيدة قتالية متكاملة ولطريقة في الحرب يستطيع مريدها أن يراها أمامه ويحتذي بها.

وسجّلت مكاتب التسويق التابعة لـ«IAI» و«إلبيت سيستيمز» في الإمارات ارتفاعاً ملحوظاً في الاهتمام الخارجي بمنتجاتها، وبخاصة من دول الخليج. والواقع أن هذا الاهتمام ليس مستغرباً؛ فالمنطق المُحرّك لمثل هذه الشراكات بات واضحاً: رؤوس الأموال الخليجية تتدفّق نحو المنظومة العسكرية الصناعية، بينما توفّر الشركات الإسرائيلية والغربية البنية التكنولوجية، ويُعاد تصدير المنتجات من سفن حربية وطائرات مُسيّرة وأنظمة مراقبة بما يخدم المصالح الأميركية.

وبحسب ما تشير إليه الأرقام، فقد تحوّلت السعودية والإمارات وقطر من دول تشتري السلاح إلى شريكة فعلية في بنية صناعة الحروب، وهي بنية تمتد من واشنطن وتل أبيب إلى باريس ولندن، وصولاً إلى عواصم الخليج نفسها، والتي تتقدّم من بينها الرياض على المسار المذكور، غاسلةً هواجسها الأمنية الإقليمية عبر تحالفاتها مع مجمّعات الصناعات العسكرية الأميركية والأوروبية، تحت شعارَي «الردع» و«الاندماج الأمني». ومن جهتها، تبنّت الإمارات مقاربة أكثر مرونة عبر توجيه استثماراتها نحو الأسلحة التقليدية والتقنيات المستقبلية على حدّ سواء عبر شراكاتها المتنامية مع إسرائيل، في حين تعمل قطر على تشييد بنية تحتية عسكرية ضخمة مشبعة بالمعدات الغربية المتقدّمة.

على أنه لا يمكن النظر إلى تنامي عقود التعاون الدفاعي والتقني بين الخليج وإسرائيل بعد 7 أكتوبر من منظور الصفقات المباشرة فقط؛ إذ إن هذه الاتفاقات تعبّر عن تحوّلات أعمق في سياسات التسلّح وتبادل المعلومات الاستخبارية والخطط اللوجستية، والتي تهدف بجلّها إلى استباق وتحييد ما يراه الجانبان «تهديدات مشتركة». وفي هذا السياق، فإن تعزيز القدرات البحرية في السعودية والإمارات وقطر يُعدّ استجابة مباشرة للحصار البحري الذي فرضته القوات المسلحة اليمنية على السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر وبحر العرب ومضيق باب المندب وخليج عدن.

وتشهد قطر واحدة من أكثر عمليات التحديث البحري شمولاً في «مجلس التعاون الخليجي»؛ فقد أضافت أخيراً غواصتين بطول 23 متراً من صنع إيطالي إلى أسطولها البحري، علماً أن إحداهما خضعت لتجارب بحرية منتصف عام 2024، ما يمنح الدوحة أداة خفية لاختراق الموانئ وجمع المعلومات أو حتى زرع الألغام كوسيلة ردع غير تقليدية في المياه المتنازع عليها.

ومن جهتها، كشفت السعودية، في «معرض الدفاع العالمي 2024» في الرياض، عن الزورق المسير «MARLIN USV» المصمم في تركيا، وهو زورق قتالي من دون طاقم، مزوّد بصواريخ ونظام سونار، ويمكن تجهيزه بمهمات هجومية أو دوريات مراقبة، ويُتوقّع أن يعزّز قدرات المملكة في مراقبة الممرات البحرية الحيوية. أما الإمارات، فقد واصلت توسيع أسطولها من الفرقاطات والزوارق المسلحة بالصواريخ، وهي طلبت أخيراً عشر سفن دورية بحرية جديدة لحرس سواحلها.

كذلك، بات تطوير أسلحة الليزر العالية الطاقة أولوية إستراتيجية في العقيدة العسكرية الإسرائيلية، وسط اهتمام متزايد من دول الخليج بامتلاك نظم مماثلة، لما تتيحه هذه الأخيرة من قوة نارية غير محدودة نظرياً. وفي تشرين الأول 2024، أعلنت شركة «رافائيل» لأنظمة الدفاع المتقدمة الإسرائيلية أن الحكومة وقّعت اتفاقية تسليح عاجلة معها ومع شركة «إلبيت سيستمز» لتسريع إنتاج منظومة «الشعاع الحديدي» - وهي سلاح طاقة موجهة مُصمم لاعتراض الصواريخ والطائرات المسيّرة -. وبعد أشهر قليلة، وتحديداً في كانون الثاني 2025، نشرت وزارة الدفاع السعودية صورة لنظام لم يُكشف عنه سابقاً، مخصّص لمكافحة الطائرات من دون طيار، ويعتمد على مجموعة من التقنيات المتكاملة لرصد الأجسام الطائرة وتتبّعها وإسقاطها.

وهكذا، فإن التعاون المتنامي بين دول الخليج وإسرائيل لا يقتصر على الأسلحة التقليدية، بل يمتدّ إلى مجالات الذكاء الاصطناعي وأنظمة الرصد والتتبّع، وهو ما يُترجم بتوسّع موازٍ في البنى التحتية الاستخباراتية والمراقبة. ولعلّ أحد أبرز الأمثلة على هذا التوجّه، يتمثّل باستثمار مجموعة «إيدج» الإماراتية مبلغ 10 ملايين دولار للاستحواذ على 30% من شركة «Thirdeye Systems» الإسرائيلية، المتخصصة في تطوير تكنولوجيا المراقبة البصرية الإلكترونية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، والتي تركّز على رصد الطائرات المسيّرة.

كذلك، يمتدّ التعاون المتسارع بين الجانبين ليشمل مجالات اللوجستيات وسلاسل التوريد والبنية التحتية التجارية، إذ أصبح إنشاء مسارات بديلة لنقل الشحنات العسكرية أو الصناعية ذات الطابع الحربي أولوية قصوى للدول المعنيّة، وهو ما أدى إلى قفزة هائلة في الأرباح. إذ بلغت التجارة بين إسرائيل والبحرين، مثلاً، في حزيران 2024، نحو 16.8 مليون دولار، بزيادة 740% مقارنة بالشهر نفسه من عام 2023، بينما وصلت القيمة التراكمية للتبادل التجاري بين الطرفين في النصف الأول من عام 2024، إلى 70.5 مليون دولار.

وفي عام 2023، شكّلت صادرات التكنولوجيا المتقدمة 53% من إجمالي الصادرات "الإسرائيلية"، في حين تضاعفت صادرات الخدمات التقنية المتقدمة أربع مرّات تقريباً، لتبلغ نحو 52 مليار دولار في عام 2023، بحسب «هيئة الابتكار الإسرائيلية». وإذ أُجبر عدد كبير من العاملين في قطاع التكنولوجيا المتقدّمة على مغادرة الكيان على نحوٍ شبه كامل، فقد اتجه هؤلاء إلى الإمارات، حيث البيئة التنظيمية المواتية للذكاء الاصطناعي والروابط العميقة مع البنية الدفاعية - التقنية الإسرائيلية.

 

إسلام الخطيب: الاخبار اللبنانية