موقع أنصار الله . تقرير .أحمد داود|| خاص
قبل أيام من زيارة المجرم (ترامب) إلى السعودية ومنطقة الخليج، كان الرجل ذاته قد أعلن تخليه عن دعم ومساندة كيان العدو الإسرائيلي بشكل واضح وصريح، مغلباً مصلحة بلاده على أية مصلحة أخرى، لكن أمراء النفط والخليج لم يستوعبوا الرسالة جيداً.
لقد تم استقبال ترامب بحفاوة، لم ينلْها أي زعيم أو رئيس أو ملك عالمي يزور المملكة، حتى بايدن نفسه عانى من الاستقبال الباهت من المسؤولين السعوديين، ومع ذلك لم تشفع كل هذه المظاهر الاحتفائية لزعيم البيت الأبيض من التراجع عن حلب المملكة، واضطرت السعودية لتوقيع اتفاقية شراكة اقتصادية استراتيجية تتضمن 600 مليار دولار، ومنها صفقة أسلحة بقيمة 142 مليار دولار كأكبر صفقة في تاريخ المملكة.
يعلم الجميع الدور الأمريكي المفضوح في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وكيف قدمت واشنطن الأسلحة الفتاكة لقتل المدنيين في القطاع، حتى أن القنابل الثقيلة الأمريكية كانت تلقى على خيام النازحين، وتحول أجسادهم النحيلة إلى أشلاء ممزقة، وكيف أن واشنطن ظلت -ومنذ السابع من أكتوبر- تضغط على كيان العدو بألا يوقف حمام الدم هناك، ومع ذلك تم استقبال ترامب، ومصافحته، وتبادل الابتسامات معه، وكأن شيئاً لم يكن، وفتحت دويلات الخليج خزائن أموالها لترامب ليحلب منها ما يشاء.
في قطر، يقدم أميرها مدحاً عظيماً للرئيس الأمريكي، ويصفه برجل السلام، قائلاً: "أعلم أنك رجل سلام، وتريد السلام في المنطقة، وبإمكاننا مواصلة العمل معاً لإحلال السلام في المنطقة أو في مناطق أخرى، كالسلام بين روسيا وأكرانيا"، وهنا يذهب الأمير القطري بعيداً إلى أوكرانيا، دون أن يكلف نفسه الحديث عن غزة، وما يتعرض له القطاع من حرب إبادة جماعية لا مثيل لها في التاريخ المعاصر، وبمشاركة أمريكية علنية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ترامب بالفعل رجل سلام كما ينظر إليه الأمير القطري؟ أم أنها المبالغة والتودد الزائد عن اللزوم؟
لو تمعن الأمير، والتفت قليلاً إلى البلدان المجاورة له، لوجد أن ترامب قد أوغل في سفك دماء اليمنيين، منذ الخامس عشر من مارس الماضي، لا لشيء إلا لأن الشعب اليمني ناصروا وساندوا غزة، فلا ندري عن أي معيار يتم نعت الضيف الزائر للدوحة "برجل السلام العظيم".
بيد أن المدائح لم تقتصر على الأمير القطري، فأمراء السعودية والخليج، وحتى الرئيس السوري الجديد الشرع قدموا للرجل كل ما يتمناه، فهو سيدهم وقائدهم، وهو المخلص، وكل هذا التقرب والتودد له يأتي على حساب الشعب الفلسطيني المظلوم، وعلى حساب شعوب المنطقة المسحوقة التي لا تزال تعاني من تبعات التدخل الأمريكي الفج في شؤونها الداخلية، بكل أشكال التدخل، وفي مقدمتها التدخل العسكري كما حدث في سوريا والعراق واليمن.
وأمام هذا الانبطاح والتذلل، يوصل اليمن رسالته لكل العالم وشعوب المنطقة، من خلال إطلاق الصواريخ الفرط صوتية باتجاه عمق كيان العدو الإسرائيلي، مستهدفاً مطار اللد الذي يسميه العدو في عمليات متتالية أثارت الرعب والخوف والهلع في نفوس الصهاينة، وأدخلت الملايين منهم إلى الملاجئ.
الرسالة كانت واضحة جداً ومعبرة: اليمن بقيادته الثورية والسياسية والعسكرية لا تخضع لترامب ولزبانيته، وهي تقرر كيف تتعامل مع الخصوم أعداء غزة، وأعداء الأمة. وكأن اليمن يريد أن يقول لهؤلاء المنبطحين بأن ترامب يجب أن يُستقبَل بالحديد والنار، وليس بالابتسامات وبالمديح الزائد عن حده.
هنا نستذكر، البدايات الأولى للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بعد "طوفان الأقصى"، حيث حط وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في عواصم هذه الدول، وألقى عليهم تعليمات البيت الأبيض، مطالباً إياهم بالصمت وعدم اتخاذ أي مواقف فيما يتعلق بالتحضيرات للعدوان على غزة، وقد التزم هؤلاء القادة وبلعوا ألسنتهم، ولم يصدر منهم أي موقف داعم أو مساند لغزة، بل إن الرياض وأميرها المجرم بن سلمان تجاوزوا كافة الحدود، حيث ملأوا جدة والرياض بالعاهرات والراقصات في وقت كان فيه سكان غزة يُذبحون بدم بارد.
وحده اليمن، خرج عن هذه التعليمات، ولم يلتزم بها، وأعلن موقفه المساند لغزة، على كافة المستويات، ومنها الدعم العسكري، وتنفيذ العمليات في عمق كيان العدو، ليكون اليمن في هذه المرة والمرات السابقة هو الاستثناء بين دول المنطقة، وهو من يمتلك القرار بتفعيل كلمة في وجه طواغيت البيت الأبيض، وشتان ما بين الموقفين اليمني والخليجي، والمشاهد القادمة من السعودية والدوحة وأبو ظبي خير شاهد على ذلك.
سيغادر ترامب منطقة الخليج، وجيبه مملوء بالأموال، لكن هل سيتحقق الأمن لمنطقة الخليج، وهل سيفي زعيم البيت الأبيض بوعوده أم أنه سينقلب عليها؟
كل التجارب السابقة مع ترامب أنه شخصية متقلبة، يصدر الصباح كلاماً، ثم يأتي بنقيضه في المساء، وهو نفسه الذي وعد بإبادة واليوم يصفهم ، وهو أيضاً من وعد بتهجير سكان غزة، والآن يطالب بوقف العدوان عليهم، ولهذا فإن رسائل الفرط صوتي أبلغ من التودد والخضوع والخنوع، واليمن العنيد بات يُعلِّم المنطقة معنى الشجاعة والرجولة والصمود في مواجهة الأعداء