تقرير . يحيى الربيعي
اختتمت يوم الخميس أعمال المؤتمر الأول للتنمية والمشاركة الشعبية، ويهدف المؤتمر إلى تعزيز الوعي بأهمية التنمية المستدامة في ظل الحصار والعدوان، وتطوير السياسات العامة وأساليب التخطيط والتنفيذ والتقييم وتبادل الخبرات وتعزيز المشاركة المجتمعية، إلى جانب تقييم التدخلات الاقتصادية والتنموية ودمج العمل التعبوي في التنمية المحلية. وتوزعت أهداف المؤتمر على 14 محوراً تتصل بتخفيض فاتورة الاستيراد، وتحقيق التمكين الاقتصادي، وحماية البيئة، إضافة إلى المجالات المتعلقة بالدراسات وإعداد وتنفيذ الخطط التشاركية وغيرها.
وفي المؤتمر، الذي أعد تدشيناً للمرحلة الأولى من التخطيط التنموي في المديريات للعام 1447هـ بمشاركة مجتمعية وحكومية، استهل رئيس الوزراء، أحمد غالب الرهوي، كلمته بالإشارة إلى تفقد سير أعمال إعادة تجهيز مدرج مطار صنعاء الدولي، في مشهد رمزي للصمود وتحدي آلة الحرب. وبينما كانت الأعمال تجري على المدرج، أُطلقت في اليوم ذاته صواريخ على العدو الصهيوني، في ربط مباشر بين جبهات الصمود والتنمية. ورداً على "المثبطين والمرجفين" الذين يتساءلون عن جدوى إعادة بناء ما سيُقصف، أكد الرهوي بعزيمة قاطعة: "سنعمره، وسنعيد بناءه مرات ومرات وتكراراً ومراراً."
المؤتمر، يصفه الرهوي بـ "الأول" من نوعه في اليمن، مؤكداً أن ثمة العديد من المؤتمرات لابد ستليه، مشيراً إلى أن المؤتمر يُعقد في وقت تبذل فيه جهود كبيرة للتمكين الاقتصادي، وبالتالي، فإننا بحاجة ماسة إلى "معونة" المحافظين ومساعدتهم للقيام بمهامهم. فالجمعيات التعاونية، كما أكد رئيس الوزراء، هي المؤسسات الأساسية التي يمكن عبرها تحقيق التنمية والمشاركة الشعبية بشكل منظم، مستشهداً بنماذج ناجحة في بعض المناطق اليمنية. وأعلن عن بدء تعميم هذا العمل على مجمل محافظات الجمهورية، مشدداً على ضرورة أن يضطلع الجميع بمسؤولياته تجاه تجاوز التحديات القائمة في بعض المحافظات التي لم تزل متأخرة في تشكيل وتفعيل الجمعيات.
شدد الرهوي على أن تخفيض فاتورة الاستيراد والاكتفاء التدريجي بالمنتجات المحلية لم يعد حلماً بعيد المنال، بل هدفاً يمكن تحقيقه الآن بعد أن "تحرر الوضع الاقتصادي وتحرر القرار السياسي". وكشف عن أن اليمن كانت تخضع لـ "فيتو" يمنعها من زراعة القمح، في إشارة إلى سياسات سابقة استسلمت لضغوط خارجية قوضت الإنتاج المحلي. لكن اليوم، أصبح القرار وطنياً، وأصبح اليمنيون قادرين على زراعة ما يشتهون من المحاصيل واتخاذ ما يريدون من القرارات المصيرية، مؤكداً أن كل ما هو ممكن سيتم تنفيذه وفقاً لتوجيهات ومحددات السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي.
ولم يغفل رئيس الوزراء عن البعد الإنساني واليومي للتنمية، داعياً المسؤولين إلى جعل المواطن "يشعر بأن هناك تغييراً"، وأن يلمس "سلاسة في إنجاز معاملاته، وفي استقباله، وفي تبسيط الإجراءات". هذا التأكيد على تحسين الخدمات وتبسيط البيروقراطية يأتي ضمن سياق بناء "دولة قوية قادرة وعادلة للجميع"، يتم فيها وضع اللبنات الأولى لمستقبل لا يعاني فيه الأجيال القادمة من نفس "العناء والمشاكل والتعب والصعوبات" التي يعيشها الجيل الحالي، بل يجدون "شيئاً يذكرهم بالأجيال التي قبلهم، فيترحمون عليهم". ووعد بالتقييم والمحاسبة في المؤتمر الثاني لتحديد "نسبة النجاح من نسبة الإخفاق، وأين القصور وأين الضعف"، في تأكيد على الجدية والمسؤولية. واختتم كلمته بدعوة حماسية لـ"شحذ الهمم، وتقوية السواعد، كتفاً بكتف" نحو بناء مجتمع يعتمد على نفسه "يأكل مما يزرع ويلبس مما يصنع".
في أجواء هي الأشبه بطقوس إعلان ولادة لاستراتيجية اقتصادية جديدة، حيث تنبعث من رحم المعاناة وتسترشد برؤية "البناء من الصفر أو من تحت الصفر"، كما حددها السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، وتتزامن مع عملية عسكرية غير مسبوقة لحصار الملاحة الإسرائيلية بحراً وجواً، وضربات تتوالى إلى عمق العدو الصهيوني نصرة لغزة وفلسطين.
ومن على منصة مؤتمر، يعقد وسط تحديات ضخمة يواجهها اليمن على أكثر من جبهة، يرسم المهندس محمد حسن المداني، نائب رئيس الوزراء وزير الإدارة المحلية والتنمية الريفية، ملامح الاستراتيجية الوطنية للمرحلة القادمة. ففي كلمته التوضيحية، كشف المداني عن أهداف ومحاور تعكس إصراراً على تجاوز آثار العدوان والحصار، والاعتماد على الذات، وتمكين المجتمع ليصبح شريكاً فاعلاً في معركة البناء والتنمية، تماماً كما هو شريك في معركة الدفاع.
تتعدد أهداف المؤتمر لتشمل تعزيز الوعي الشعبي بمفهوم التنمية المستدامة في ظل الحصار والعدوان، وتطوير السياسات العامة في المجال التنموي للاستفادة القصوى من الموارد المتاحة. كما يسعى المؤتمر إلى توسيع مدارك العاملين التنمويين في التجارب العالمية في مجالات التخطيط والتنفيذ والتقييم وبمشاركة مجتمعية. ويُعد تعزيز التكامل والتعاون والمشاركة بين المؤسسات الرسمية والشعبية وتقييم التدخلات التنموية، وصولاً إلى تقييم التدخلات التنموية في المجالات الاجتماعية والاقتصادية، وتعزيز دورة التخطيط المحلي وتطوير أساليب المشاركة، بالإضافة إلى إدماج "العمل التعبوي الدفاعي" في صلب التنمية المحلية، في مزج فريد بين متطلبات الصمود والبناء، من الأهداف الرئيسية.
لقد تمكنت حكومة البناء والتغيير، بحمد الله، من تحقيق أهداف المؤتمر من خلال 14 محورا رئيسيا، شكلت خارطة طريق شاملة:
1. المشاركة المجتمعية: محور ارتكاز يقوم على إشراك كافة فئات المجتمع، كبارا وصغارا، رجالاً ونساءً، في التنمية كـ"مسؤولية إيمانية جهادية". يجري تنظيم هذه المشاركة عبر جمعيات تعاونية، تعزز الروابط وتساهم في تلبية الخدمات الأساسية وتعظيم التدخلات الحكومية والخاصة، متجاوزة تحديات مثل ضعف تبني السلطة المحلية للمنهجية التنموية التكاملية، وتدخلات بعض المنظمات. يتم التغلب على هذه التحديات بالاستمرار في تدريب "فرسان التنمية" على مستوى القرى والعزل، وإنشاء وتفعيل الجمعيات، ورفع الوعي المجتمعي، وتدريب السلطات المحلية والشركاء على منهجية العمل المستدام.
2. المبادرات المجتمعية والعمل كأمة: ثمرة طيبة للعمل التطوعي الفردي والجماعي، حظيت بدعم مباشر من الدولة، ومشاركة فعالة من التجار والمحسنين. الأرقام تتحدث عن نفسها: 2946 مبادرة مجتمعية أنجزها المجتمع بتكلفة تجاوزت 26.8 مليار ريال، بحسب إحصائيات رسمية لوزارة الإدارة والتنمية المحلية والريفية، بالإضافة إلى 7695 مبادرة أخرى بتكلفة قاربت 5 مليارات ريال، وفقاً لإحصائيات مؤسسة بنيان التنموية، خلال العام1445هـ.
3. التعاونيات والعمل التعاوني: لم تعد مجرد تجمعات، بل هي "الذراع الاقتصادي للسلطة المحلية"، وأداة قوية وسريعة لتعزيز الروابط الاجتماعية وتحقيق مبدأ التعاون والتكافل. تشكل حلقة وصل بين الحكومة والمجتمع والقطاع الخاص، وتجذب الصناديق التمويلية، وتنظم المبادرات، وتساهم في تحسين دخل المجتمع وتوفير الخدمات. تم تشكيل 122 جمعية في المحافظات الحرة تضم أكثر من 161 ألف مساهم برأسمال تجاوز 1.7 مليار ريال. لكن التحديات لا تزال قائمة، أبرزها ضعف القناعات بجدوى العمل عبرها، وتجارب سابقة فاشلة، وضعف تفاعل السلطة المحلية، ما يستدعي تفعيل دور السلطة في إنشائها وحل إشكاليات الماضي.
4. فرسان التنمية وآفاق الإحسان التنموي: هم نخبة من المحسنين الموثوقين، يلتزمون بتخصيص جزء من وقتهم لخدمة المجتمع كـ"مسؤولية جهادية". يتم تأهيلهم ثقافيا وتنمويا وإداريا ليصبحوا قادة تغيير محليين، ينشرون الوعي التنموي، ويدفعون الناس نحو المشاركة الإيجابية، ويستثمرون الطاقات والموارد لتحقيق التنمية المستدامة. يمثل هؤلاء المتطوعون "جيشا" حقيقيا للثورة التنموية، حيث تم تدريب أكثر من 30 ألف "فارس تنموي" في مختلف البرامج والمحافظات. يواجهون صعوبات تتطلب تبني السلطة المحلية لهم، وتحفيزهم، وتنظيم تدخلات المنظمات لضمان عدم التأثير سلباً على فاعليتهم.
5. خفض فاتورة كل ما نستورده من الخارج: يمثل هذا المحور تحديا اقتصاديا هائلاً، وفرصة للتمويل المحلي. تقدّر فاتورة الاستيراد السنوية للمواد الغذائية وحدها بحوالي 5 مليارات دولار، تشمل قرابة 1400 صنف. خفض هذه الفاتورة يعني تعزيز الأمن الغذائي، تقليل الحاجة للنقد الأجنبي، توفير فرص عمل واستثمار، تحسين دخل المزارعين والصيادين والمصنعين، وزيادة القوة الشرائية. تعمل الحكومة على استهداف 44 محصولاً لخفض فاتورتها وفقاً لسلاسل القيمة والميزة التنافسية للمديريات. يتطلب ذلك تضمين هذا الهدف في خطط الجهات المعنية، وتشجيع المزارعين على الانضمام للجمعيات التعاونية للزراعة التعاقدية، وتوفير الدعم الحكومي والإرشاد الزراعي.
6. إدارة وتطوير سلسلة القيمة وتكامل الشركاء: إطار تنظيمي يهدف لزيادة القدرة التنافسية للمنتج المحلي، عبر تحسين الكفاءة وخفض التكاليف في جميع مراحل الإنتاج والتسويق. يتطلب تدخلا منظما بالتدريب والتمويل وتنظيم العلاقات. نجاح هذا المنهج يتجلى في مثال محافظة الحديدة، حيث ارتفع إنتاج الحليب اليومي إلى أكثر من 120 ألف لتر، تديره 15 جمعية تعاونية، ويوفر دخلاً لأكثر من 13 ألف أسرة. التغلب على تحديات هذا المحور يتم عبر خطط وطنية شاملة لكل محصول، وتكليف ضباط سلاسل للتنسيق، ودعم المنتجات المحلية، وتنفيذ برامج تدريبية، وتفعيل دور الجمعيات، وتصميم برامج تمويل ميسرة.
7. التمكين الاقتصادي والقوة الاقتصادية: يهدف إلى تعزيز قدرة الأفراد والمجتمعات والمؤسسات على المشاركة الفاعلة في التنمية. لا يقتصر على التمويل، بل يشمل التدريب وفرص العمل والدعم المؤسسي لتحقيق التنمية المستدامة والعيش الكريم. يساهم في خفض فاتورة الاستيراد، تحسين الإنتاج، توفير دخل للأسر المحتاجة، الحد من الفقر والبطالة، وتعزيز الاقتصاد الوطني. تم تشكيل اللجنة الوطنية للتمكين الاقتصادي لرسم سياساته. يستلزم التغلب على تحدياته استكمال بناء الجمعيات وتصميم مشاريع التمكين وفق سلاسل القيمة.
8. الزراعة التعاقدية الآلية والنتائج: آلية إنتاج وتسويق تقوم على التعاقد بين التجار والجمعيات والمزارعين بأسعار محددة مسبقا. يُنظر إليها على أنها أكثر من مجرد آلية اقتصادية، بل "منظومة عمل تحقق العدل والإحسان في المعاملات"، وتعيد الاعتبار للمزارع كـ"شريك لا أجير"، وتضمن للتاجر منتجا جيدا بسعر مناسب، تكبح جشع المحتكرين، وتساهم في تطوير الإنتاج المحلي، وتخفيض فاتورة الاستيراد، والحد من كساد المنتجات. تم التعاقد على إنتاج وتسويق كميات كبيرة من محصول الذرة الشامية في 11 محافظة كبداية. لتجاوز الصعوبات، يجري العمل على تفعيل دور الجمعيات والاتحاد التعاوني الزراعي، ودور السلطة المحلية في الرقابة والإشراف، مع إمكانية تطوير منصة إلكترونية وطنية لهذا الغرض. وقد حقق المحور تعاقداتٍ على إنتاج ما يقدر بـ 5.505 طن من الذرة الشامية في 11 محافظة للعام 1446هـ. وقبل ذلك، تم تسويق (516.55) طنًا بقيمة إجمالية (154,965,000) ريال لشركات الزيلعي والصلاحي والزاهري والسنباني حتى 7 ذي القعدة 1446هـ.
9. توازن الاقتصادات والعدالة: مفهوم يهدف إلى تحقيق توزيع عادل ومتناسق للأدوار بين الاقتصادات الثلاثة: الحكومي، المجتمعي، والخاص، لتتكامل في تحقيق التنمية المستدامة دون طغيان أحدها على الآخر. غياب هذا التوازن يؤدي إلى اختلالات عميقة وتفاوت طبقي كبير. تحقيق التوازن ينتج "نهضة اقتصادية متينة وصلبة ومقاومة"، ويصبح فيه الاقتصاد "ميدانا للجهاد التنموي". يحد من هيمنة المصالح الاحتكارية ويحيي دور "الأمة" في الإنتاج لا الاستهلاك فقط. لمواجهة تحديات مثل ضعف الوعي بالاقتصاد المجتمعي المقاوم، وتركيز بعض التجار على الربح المادي، والتأثر بالمفاهيم الغربية، وفشل بعض المشاريع الحكومية، تعمل الحكومة على برامج ثقافية وإعلامية تعيد تعريف النجاح الاقتصادي بمعايير قرآنية، وتحفيز التجار، وبناء رؤية اقتصادية قرآنية، وإدراج "الاقتصاد المقاوم" في المناهج التعليمية.
10. مصادر التمويل المستدامة:
الزكاة والأوقاف: تُقدم الزكاة كأحد أركان الإسلام و"نظام اقتصادي واجتماعي متكامل" يمكن أن يساهم بفعالية في تنمية المحليات، وتمويل المشاريع، والتمكين الاقتصادي، وتحفيز المشاريع في المناطق الأشد احتياجا. تبرز أهميتها في القضاء على الفقر، الحد من الفوارق الاجتماعية، تعزيز التكافل، تحفيز الاستثمار المحلي، وتطهير النفس. بتوجيهات القيادة، تم إنشاء الهيئة العامة للزكاة التي "انتقلت نقلات كبيرة" في خدمة المجتمع وملامسة هموم المستضعفين. لتجاوز المعوقات، يتم العمل على التوعية بأهمية الزكاة، تشجيع كبار المكلفين على الدفع للهيئة، التعاون الرسمي والشعبي، تأهيل الكوادر، تحديث قاعدة بيانات المستحقين، وتبسيط الإجراءات باستخدام التكنولوجيا والشفافية.
11. نظام الوقف الإسلامي: يُعد نموذجا فريدا للتنمية المستدامة والتكافل الاجتماعي، وقد لعب دورا تاريخيا في تمويل المرافق العامة ودعم التعليم والصحة والمجالات الاجتماعية والاقتصادية. أهميته دينية (صدقة جارية) وعلمية (دعم البحث). بتوجيهات القيادة، تم إنشاء الهيئة العامة للأوقاف التي "انتقلت نقلات جيدة" نحو تحقيق التنمية المحلية. لتجاوز المعوقات التاريخية، تعمل الهيئة على توحيد السجلات وأرشفتها إلكترونيا، تبسيط إجراءات التسجيل، تحديث الأنظمة، الاستثمار في المشاريع التنموية، وحملات التوعية بأهمية الوقف ومجالاته.
12. حماية البيئة والتنمية المستدامة: تفقد البيئة توازنها بسبب التدخل السلبي للإنسان، لذا يجب مراعاة عدم إحداث أي خلل في النظام البيئي، حتى نحافظ على حياة مستدامة وسليمة لهذا الجيل والأجيال القادمة. يحدث الخلل على سبيل المثال عندما نستثمر الأرض من أجل زيادة الإنتاجية في الجانب الزراعي دون تجنب أنواع الأسمدة والمبيدات المؤثرة سلبياًً عليها، والتي تؤدي الى إحداث خلل في التنوع الحيوي.
13. حماية الدراسات والتخطيط التشاركي: هي عملية تشاركية تقوم على إشراك المجتمع في تحديد احتياجاته ووضع الحلول المناسبة لها، من خلال أدوات مرنة مثل البحث السريع بالمشاركة (PRA)، وهو يجسد قوله تعالى: "وشاورهم في الأمر"، ويعبر عن وصية الإمام علي لمالك الأشتر: "ولا تحجبنّّ الناس عنك"، حيث دعا للقرب من الناس، وتلمس حاجاتهم مباشرة.
14. إدراج التعبئة العامة ضمن شركاء الدفاع والتنمية: يُنظر إلى التعبئة على أنها "مهمة جهادية مقدسة" وبرنامج الإسلام كله برنامج تعبوي. تكتسب أهميتها من طبيعة مسؤولية "الجهاد في سبيل الله"، وهي مسار ضروري لبناء الأمة كأمة منتجة وقائدة. يتجه الجهد الرئيسي نحو البناء والتأهيل الإيماني للشعب لأداء مسؤولياته الجهادية في جميع المجالات: العسكري، الأمني، الثوري، الاقتصادي، التنموي، الثقافي، وغير ذلك. تُدرك أهمية الدور المحوري للتعبئة في تعزيز جميع المجالات، انطلاقا من توجيهات "السيد القائد" في الاهتمام بالعمل الخيري والتكافل وتلمّس هموم المجتمع، وتفعيل قوات التعبئة، وتحويل المجتمع إلى بيئة خلاقة ومنتجة، وتنسيق الجهود مع الجهات ذات العلاقة.
من جانبه، تناول وزير الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية، الدكتور رضوان الرباعي، الدور المحوري لوزارته في تحقيق رؤية حكومة "التغيير والبناء". حمد الله على "نعمة" الوصول إلى هذه المرحلة، مشيراً إلى أن الوزارة كانت من أوائل من عمل على برنامج تصحيح سياسات وأساليب العمل، استجابة لـ"أهم موجهات السيد القائد" لإقامة اقتصاد وطني على "بناء صلب وأسس قوية". وكشف عن استكمال المسودة الأولى لأسس ما يقارب خمسين سياسة فرعية، منها سياسات تعزيز الأمن التنموي والمجتمعي، مؤكداً أن هذا المؤتمر هو "ثمرة من ثمار هذه السياسات والمنهجية".
لكن الوزير الرباعي لم يخفِ التحديات الأساسية التي تواجه العمل الميداني، وعلى رأسها نقص البيانات والمعلومات. مستغرباً أن مديري المديريات أو مكاتب الزراعة فيها، لا يمتلكون حتى الآن بيانات عن عدد المزارعين، مؤكداً أنه "لا يمكن بناء أي خطة ما لم نمتلك بيانات صحيحة". وقدم لمحة عن البرامج التي تعمل الوزارة على تطويرها لمواجهة هذه التحديات، ومنها برنامج إدارة فاتورة الاستيراد الذي يتضمن برامج فرعية للزراعة، تطوير سلاسل القيمة، تحسين الإرشاد والتمويل والتسويق، وتطوير البحوث الزراعية والسمكية. وشدد على أن خدمات التمويل يجب أن تعتمد على تكامل الشركاء، وعدم الاقتصار على التمويلات الحكومية، بل اعتبار "المجتمع" من أهم مصادر التمويل لإحداث أي تنمية. ولفت إلى أهمية برنامج الصناعة التحويلية، خاصة "الصناعة التحويلية الصغيرة"، لإحداث "الاقتصاد المجتمعي والاقتصاد المستدام". ودعا "الإخوة كقادة للعمل التنموي في المديريات" إلى الاهتمام بحصر المزارعين لمعرفة مدى القدرة على خفض فاتورة الاستيراد، مشيراً إلى إعداد "أهم التدخلات" للـ 44 منتج المستهدف في برنامج فاتورة الاستيراد، وأن للمشاركين دورا كبيرا في إدارتها لتحقيق الاكتفاء الذاتي في ظل الظروف الاستثنائية والمواجهة المباشرة مع العدو الإسرائيلي.
أما وزير النقل والأشغال العامة، اللواء محمد عياس قحيم، فقد ربط التنمية بالدفاع عن الأمة في وجه "التحدي الإسرائيلي المباشر"، مؤكداً على أن اليمن يخوض اليوم معركة التنمية والدفاع عن الأمة في وجه التحديات، مشيداً بدور السلطة المحلية والجمعيات في هذه المعركة. وأشار إلى أن قطار التنمية يسير بفضل الله وتوجيهات القيادة الحكيمة، مشدداً على أهمية النجاح في هذا الاختبار التاريخي. ووجه رسالة قوية للعدو الإسرائيلي بأن محاولاته لن تفلح مع الشعب اليمني، وأن اليمن سيستمر في إعادة بناء ما دمره العدوان، وسيظل مناصراً للقضية الفلسطينية حتى تحرير القدس.
وفي كلمة تعكس واقع المحافظات ودورها المحوري، أشاد محافظ محافظة صنعاء، عبد الباسط الهادي، بشعب الإيمان والحكمة الذي "ما طلب منه إلا ولبى وسارع". وأكد أن المجتمع لم ينتظر الحكومة لينطلق في التنمية، بل "لدى هذا المجتمع العظيم خطوات في هذا المجال، فالمجتمع يعرف ماذا يعمل". ضرب مثالاً بالتوسع الزراعي الذي بدأ يقترب حتى من تغطية قيمة البذور. وطالب المحافظ، متحدثاً باسم جميع المحافظين، بأن تضع "حكومة التغيير والبناء" استراتيجيات واضحة لجميع المجالات، وخاصة المجال التنموي، لتمكين المحافظين من الانطلاق من استراتيجية واضحة إلى خطة تنفيذية. ودعا إلى "عدالة التوزيع" في الاستراتيجيات بين المحافظات، خاصة "المحافظات الفقيرة التي تفتقر إلى أبسط مقومات التنمية". وشكر المؤتمر لأنه "يؤسس لَبنات للأداء الصحيح والاستراتيجيات الصادقة المنبثقة عن هدى الله سبحانه وتعالى"، وحمد الله على "قيادة حكيمة قرآنية" وضعتهم في خيار الوقوف الصادق مع الإسلام الأصيل في مواجهة الأعداء. وختم بالقول إن اليمن، بتاريخه الزراعي العريق وأرضه المباركة، يستعيد نهضته اليوم بفضل "فرسان التنمية وأصحاب الأرض وشركاء النهضة".
بدوره، سلط رئيس الهيئة العامة للأوقاف، العلامة عبد المجيد عبد الرحمن الحوثي، الضوء على مورد اقتصادي واجتماعي هائل يمثل كنزاً وطنياً غير مستغل بالكامل: الأوقاف. ربط بين ركائز الحياة الأساسية - التنمية والأمن - مستشهداً بالآيات الكريمة التي تحدثت عن إطعام قريش من جوع وتأمينهم من خوف. وأكد أن الأوقاف شكلت "رافداً كبيراً للتنمية عبر التاريخ"، وفي اليمن بشكل خاص، تعتبر "من أهم موارد التنمية المجتمعية"، حيث شكلت ما لا يقل عن 30% من العقارات والأراضي في الجمهورية.
قدم العلامة الحوثي أمثلة ملموسة لدور الأوقاف في توفير فرص سكنية لعشرات، وربما مئات الآلاف، وتوفير الأراضي المناسبة للقطاع الخاص لإقامة مصانع وشركات ومشاريع تجارية في مختلف المحافظات. لكنه كشف عن مفارقة صادمة: "مخزون كبير من العقارات" على جميع المستويات، تم تقدير قيمة أصوله الاستثمارية مؤخراً بـ 120 تريليون ريال، بينما "دخل هذه الأصول الاستثمارية لا يزيد عن 30 مليون" فقط! عزا هذا التفاوت الهائل إلى "الثقافة التي نشرها النظام السابق حول استباحة الأوقاف وإضاعة هذه الثروة الوطنية التي هي من الشعب وإلى الشعب". مؤكداً أن هذه الأموال ليست لجهات حكومية، بل يعود نفعها للمواطنين، لبيوت الله، إعمار المساجد، نشر الدين، إغاثة الضعفاء والمساكين، والمصالح العامة (طرق، سقايا، وغيرها)، والتي تصل إلى أكثر من 150 نوعاً من البر والإحسان والتنمية.
لإعادة الوقف إلى مكانته وتحقيق دوره المنشود، دعا رئيس الهيئة العامة للأوقاف إلى "وقفة جادة" من السلطة المحلية، الجهات الأمنية، الضبط القضائي، المشايخ والأعيان، العلماء والخطباء، الأكاديميين والتربويين. وأعلن عن خطوة مهمة تم إطلاقها مؤخراً وهي "اللامركزية في صرف الأوقاف"، حيث يتم إعادة ما يرد من كل مديرية ومحافظة ليتم صرفه فيها وفقاً لمصارف الوقف الأصلية. ودعا الجميع لأن يكونوا "يداً واحدة كي نبني هذا الوطن الذي تآمر عليه الأعداء منذ أكثر من عشرين عاماً" وعانى من الحرب والظروف القاسية، مؤكداً أنه بوجود "القيادة الربانية والحكيمة" تمضي البلاد "خطوات واثقة نحو النصر، نحو التمكين، نحو بناء الدولة وبناء الاقتصاد".
ومن منظور العمل التعاوني، أوضح الأمين العام للاتحاد التعاوني الزراعي، المهندس محمد مطهر القحوم، أن الجمعيات التعاونية الزراعية لم تنشأ من فراغ، بل جاءت من مبدأ "التكافل والتعاون الاجتماعي ولم الشمل وتوحيد الهدف وتضافر الجهود" بهدف "بناء مجتمع قوي ومتماسك، وتأسيس حضارة دولة قوية اقتصادية". أكد أنها تعمل كـ"حلقة وصل بين المجتمع والجهات الرسمية"، وهي "رؤية لتوحيد جهود أفراد المجتمع المؤطرين فيها، وتحشيد وتحفيز المجتمع على الزراعة وبذل الجهود لاستصلاح الأراضي والتوسع الزراعي وإطلاق المبادرات المجتمعية" لتحقيق تنمية مستدامة وزيادة الإنتاج وجودته، لتكون المنتجات المحلية بديلاً عن المستوردة، وصولاً إلى الاكتفاء الذاتي.
وصف القحوم منهجية الجمعيات التعاونية بأنها "ثورية"، لأنها تعتمد أولاً على "الاهتمام بالمجتمع في كل جوانب الحياة من صحة وتعليم ومياه وطرق"، بالإضافة إلى التركيز على "التنمية الشاملة والواسعة كبناء السدود والحواجز وتفعيل المجتمع في استغلال موارده المتاحة". وأكد أن هذه المنهجية قائمة على "هدى الله سبحانه وتعالى والمشاركة المجتمعية الواسعة"، مستشهداً بالآية الكريمة من سورة المائدة التي تدعو للتعاون على البر والتقوى، وبأول درس في الهجرة النبوية وهو تجسيد مبدأ التعاون والمؤاخاة. اعتبر أن تجسيد مبدأ التعاون "يهذب النفوس ويزكيها ويرفعها ويشدها نحو الأهداف الثورية العالمية الكبيرة".
وأشار إلى أن المنهجية الثورية شملت تنفيذ سياسات العمل التعاوني ضمن "الأولويات الوطنية" المتمثلة في الغذاء والدواء والملبس، خفض فاتورة الاستيراد، تنمية وتطوير سلاسل القيمة، تعزيز الاقتصاد المجتمعي المقاوم، وتشجيع "الهجرة العكسية من المدينة إلى الريف". الهدف هو تحقيق "ثورة زراعية" وجعل الجمعيات التعاونية قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي، وتوفير الوسائل الحديثة لتحسين جودة المنتج الوطني، ليصبح بديلا عن المستورد، من خلال توفير التسويق المجزي عبر الزراعة التعاقدية، وتفعيل وحدات الجمعيات بمختلف أنواعها وتخصصاتها، لتكون "وحدات مختصة ونوعية وفاعلية وذات وعي وفهم شامل لكل تفاصيل وإجراءات وأنشطة العمل التعاوني".
اختتم المؤتمر بإطلاق حزمة من المبادرات العملية التي ستتحول إلى واقع ملموس على الأرض. فقد تم إطلاق 42 برنامجا إنتاجيا وطنيا على مستوى المديريات، بأيدي الشعب وقيادة السلطة المحلية والمركزية، بهدف مباشر هو خفض فاتورة الاستيراد والتقدم نحو الاكتفاء الذاتي. هذه البرامج، التي سيتم تفصيلها لاحقا، تمثل خطوة مهمة على طريق استعادة السيطرة على الاقتصاد الوطني.
كما تم إطلاق المرحلة الأولى من التخطيط التنموي التشاركي التكاملي للعام الهجري 1447هـ في 51 مديرية، تمثل المديريات التي شاركت في المؤتمر. هذا التخطيط الجديد يختلف عن سابقيه، فالسلطة المحلية لم تعد خططها بناءً على تمويلاتها المحلية فقط، بل بالشراكة الكاملة مع القطاع الخاص والجانب المجتمعي ممثلاً بالتعاونيات. التمويل سيكون تكامليا من هذه الجهات الثلاث، لضمان تنفيذ "سلة من المشاريع المتكاملة" التي تؤدي إلى بناء شامل وخطط استراتيجية طويلة المدى للمديريات.
ولعل أكثر ما يلفت الانتباه في مخرجات هذا المؤتمر هو معيار التقييم الجديد لأداء السلطات المحلية. لن يُقاس النجاح بعدد المشاريع المنفذة فحسب، بل بـ"عدد طلاب المدارس الذين عادوا إلى المدارس، وعدد المرضى الذين تمت معالجتهم، وعدد الفقراء الذين خرجوا من دائرة الفقر، وعدد العاطلين عن العمل الذين حصلوا على أعمال". كما سيتم تقييم انخفاض نسبة الأمية وارتفاع الجانب الثقافي والروحي والتعبوي. وعلى المستوى المركزي، سيكون المعيار هو مدى النجاح في خفض فاتورة الاستيراد، وزيادة الإنتاج القومي والمحلي.
إنها رؤية طموحة، تولد من رحم الأزمة، وتعتمد على استنهاض الطاقات الداخلية، وتستلهم قيما إيمانية وجهادية لتحويل التحديات إلى فرص، ورسم مسار نحو "اقتصاد مقاوم" قادر على الصمود والنمو في مواجهة أعتى الظروف.
يبقى التنفيذ على أرض الواقع هو المحك الحقيقي لهذه الاستراتيجية التي تعول على تكاتف الدولة والمجتمع والقطاع الخاص في معركة البناء المستدام، في تحدٍ ليس فقط للعدوان والحصار، بل ولتركة الماضي الثقيلة ونقص الإمكانيات، مسترشدين بتوجيهات القيادة وبثروة الأوقاف الهائلة التي تنتظر التفعيل، وإصرار شعب صابر ومثابر على صناعة مستقبله بأيديه