نشرت صحيفة "ذا هيل" الأميركية تقريرًا تحليليًا تحت عنوان "الحوثيون صمدوا، وترامب تراجع..، تناول التحول اللافت في السياسة الأميركية تجاه أنصار الله في اليمن بعد أشهر من التصعيد العسكري الذي قادته إدارة الرئيس دونالد ترامب.
التقرير اعتبر أن إعلان ترامب المفاجئ عن وقف إطلاق النار ضد اليمن لا يُعبر عن نصر دبلوماسي، بل عن انسحاب اضطراري بعد فشل عسكري ذريع.
ووفقًا لما ورد في الصحيفة، فإن "الرئيس الأمريكي أثار دهشة المراقبين حين امتدح الحوثيين واصفًا إياهم بأنهم أظهروا "قدرة عظيمة على تحمّل العقاب"، رغم أن قواته الجوية كانت منهمكة لتوها في قصف مواقعهم ضمن عملية "رايدر الخشن"، الحملة العسكرية التي أطلقتها واشنطن في منتصف مارس بهدف ردع هجمات الحوثيين على الملاحة الدولية والقوات الأميركية في البحر الأحمر. لكن النتيجة كانت قاسية: سبع طائرات أميركية مسيّرة أُسقطت، مقاتلتان فقدتا، وأكثر من مليار دولار تبخرت دون تحقيق أي إنجاز استراتيجي".
وبحسب تقرير الصحيفة فإن" ترامب، كعادته، قدّم وقف إطلاق النار على أنه قرار نابع من القوة، لكنه في الواقع يمثل تراجعًا تكتيكيًا عن حملة لم تحقق أهدافها. صفقة الهدنة، التي جاءت بوساطة عمانية، تمثّل استراحة مؤقتة في حرب لم تنتهِ، وهي كذلك تطرح أسئلة جديدة حول مدى التزام واشنطن تجاه حلفائها في المنطقة، لا سيما "إسرائيل".
ما يزيد الوضع تعقيدًا هو أن "الاتفاق الأمريكي مع الحوثيين لا يشمل "إسرائيل"، التي تلقّت خلال الأيام التي سبقت الإعلان ضربات صاروخية وصلت إلى مشارف مطار "بن غوريون". ورغم أن "إسرائيل" ردّت بقصف مطار صنعاء، فإن ذلك لم يؤثر على تصميم الحوثيين الذين أعلنوا مواصلة هجماتهم "تضامنًا مع فلسطين"، في تحدٍ واضحٍ لكل محاولات ردعهم بحسب التقرير".
القرار الأميركي، بحسب الصحيفة، لم يأتِ بعد تشاور مع "تل أبيب"، ما فتح الباب أمام اتهامات بالخيانة من داخل الدوائر الإسرائيلية. فالمعادلة الجديدة تقول إن حلفاء واشنطن، بمن فيهم "إسرائيل" والسعودية والإمارات، باتوا في مرمى المفاجآت الأميركية متى اقتضت مصلحة "أمريكا أولاً". وهذا ما حذر منه أنصار الله في رسالة واضحة نشروها قبيل جولة ترامب الخليجية الأخيرة، قائلين إن "أمريكا التي تخلت عن الشاه، ستتخلى عن إسرائيل وحلفائها".
وقال كاتب المقال :"المفارقة أن الإمارات، أحد أشد خصوم الحوثيين، لم تُبدِ حماسة كبيرة لدعم التصعيد الأميركي الأخير، وتجد نفسها الآن أمام لحظة إعادة تموضع دبلوماسي غير مريح. أما قطر فقد رحبت بالهدنة بحذر، لكنها تدرك أن هذا السلام هشّ ولا يرقى إلى اتفاق مستقر".
ووفقًا للكاتب، فإن هذه التهدئة لا تعني السلام، بل تعكس شعورًا عامًا بالإرهاق. فالولايات المتحدة لم تحقّق أي أهداف عسكرية ملموسة، بينما الحوثيون خرجوا بصورة المنتصر الصامد أمام أقوى جيش في العالم، دون أن يتراجعوا عن معركتهم ضد "إسرائيل"، وهو ما يُعتبر بحد ذاته نصرًا دعائيًا كبيرًا لهم.
ومع ذلك، فإن هذه اللحظة قد لا تدوم طويلًا. فالاتفاق ليس وقفًا شاملًا لإطلاق النار، بل ترتيبات تكتيكية قابلة للانهيار في أي لحظة... فالحوثيين أعلنوا بوضوح أنهم يحتفظون بحق استئناف الهجمات متى شاؤوا، وقد بدأوا فعليًا بتكثيف ضرباتهم تجاه "إسرائيل"، مما يضع هذا الاتفاق الهش تحت تهديد دائم".
خلاصة ما ترصده "ذا هيل" أن ترامب لم ينهِ الحرب، بل أعاد تموضعها. وأن ما جرى ليس سلامًا بقدر ما هو استراحة قصيرة في معركة مستمرة. التحالفات تتآكل، والثقة الأميركية تتراجع، و"إسرائيل" تبدو أكثر عزلة من أي وقت مضى. أما الحوثيون، فقد انتقلوا من موقع الدفاع في جبال اليمن، إلى لاعب إقليمي يُحسب له الحساب، ليس فقط عسكريًا، بل رمزيًا أيضًا.