موقع أنصار الله . تقرير | يحيى الشامي

في ذكرى مرور 600 يوم على بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، زخرت الصحف العبرية بالمقالات التقييمية للوضع الداخلي في الكيان على كافة الأصعدة، حيث ركز العديد منها على فشل القيادة الحالية في تحقيق الأهداف المعلنة للعملية العسكرية، والتي كان أبرزها القضاء على حركة حماس وتحرير الرهائن واستعادة الأمن على المدى الطويل، سيطر التشاؤمُ على غالبية المقالات والتقارير وانعدام التصور للخروج من الأزمة في ظل تعدد الساحات التي يخوضها "جيش" العدو في غزة والضفة ولبنان وسوريا واليمن وحتى إيران، فضلاً عن تخلخل الساحة الداخلية وتعمق الأزمات في ضوء الخلافات المستعرة بشأن أهداف الحرب.

قيادة العدو في قفص الاتهام

في مقال شديد اللهجة والنقد نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، قال المحلل السياسي ومراسل "شؤون الاستيطان" الصهيوني "أليشع بن كيمون" إن "الواقع في غزة لم يتغير، والقيادة فشلت في كل اختبار، وعلى رأسها رئيس الحكومة الذي يتهرب من اتخاذ القرارات ويقود البلاد إلى مأزق استراتيجي عميق"، يضيف "بن كيمون" أن "الجيش" الصهيوني ، ورغم العمليات المكثفة التي أسفرت عن تدمير مناطق واسعة من غزة ومقتل نحو 20 ألفاً من عناصر حماس – حسب زعمه - فإنه لا يزال يضطر للعودة مراراً إلى المناطق ذاتها لمواجهة ما تبقى من خلايا المقاومة، مؤكداً أن "البنية التحتية لحماس تضررت، لكنها لا تزال موجودة وتعمل وتتنفس"، كما أشار إلى أن محاولات القيادة الإسرائيلية لإضعاف الحركة من خلال توزيع المساعدات الإنسانية المباشرة على السكان لم تحقق أهدافها.

وعلى صعيد ملف الأسرى، يوضح "بن كيمون" أن العدو استعاد حتى الآن 145 من أصل 251 أسيراً،  أسروا في 7 أكتوبر 2023، في حين لا يزال 58 منهم أسرى في غزة "بعضهم لم يعد على قيد الحياة"، واعتبر أن القيادة الإسرائيلية الحالية فشلت في خلق أي نفوذ فعال على حماس للضغط من أجل الإفراج عنهم، قائلاً: "لا أتوقع من منظمة إرهابية أن تبدي رحمة، لكنني كنت أتوقع من قيادتي أن تتصرف بطريقة تجعل الخاطف يندم على فعله".

أمن مفقود وقيادة مترددة وتأثيرات الإسناد اليمني

يرى المحلل السياسي الصهيوني أن الأمن الذي وعدت به قيادة العدو لا يزال بعيداً عن التحقق، فالصواريخ ما زالت تنطلق من غزة وإن بوتيرة منخفضة، ومن أسماهم الحوثيين في اليمن يواصلون استهداف الممرات البحرية، والحدود الشمالية مع سوريا تشهد تصعيداً متزايداً، في حين لم يعد جميع "سكان غلاف غزة" إلى منازلهم حتى الآن، هذا التوسع في ساحات الصراع، وخاصة الإسناد اليمني، يزيد من الضغوط على العدو ويشتت جهوده العسكرية والأمنية.

ويقول "بن كيمون" إن سبب هذا التعثر هو "عجز نتنياهو عن الحسم"، واصفاً إياه بأنه "رجل يحب إبقاء كل الخيارات مفتوحة، ويتهرب من القرارات الحاسمة"، واعتبر أن الفشل لا يقتصر على المستوى العسكري، بل يمتد إلى انقسامات داخلية في القيادة الإسرائلية الحالية، حيث تتجاذبه تيارات من "أقصى اليمين"، وأخرى أكثر براغماتية، مما يعطل مسارات اتخاذ القرار، ويضيف أن نتنياهو غالباً ما يعطل صفقات وقف إطلاق النار، تارة نتيجة ضغوط سياسية، وتارة أخرى بسبب خلافات مع "الجيش" الإسرائيلي أو "جهاز الأمن العام" (الشاباك)، مما أدى إلى "شلل استراتيجي لا هو بالانتصار ولا بالتراجع".

لا خطة للخروج: "وحل غزة" بلا أفق

من جانبه، قال "آفي أشكنازي" المراسل العسكري لصحيفة "معاريف" العبرية إن الكيان يمر بحالة من التيه الاستراتيجي في حربه المتواصلة منذ 600 يوم ضد حركة حماس، وأشار الصهيوني "أشكنازي" إلى أن الفشل ليس عسكرياً بقدر ما هو سياسي، وكتب في مقال نشر الأربعاء في الذكرى الـ58 لحرب يونيو 1967 أن "العدو الذي احتل الشرق الأوسط في 6 أيام لا يستطيع منذ نحو عامين الانتصار على منظمة مسلحة ببنادق كلاشينكوف".

ورأى الصهيوني "أشكنازي" أن "القيادة الإسرائيلية" الحالية لا تعرف ماذا تريد من هذه الحرب، ولا تمتلك خطة خروج ولا حتى مؤشرات حقيقية للنجاح، بل تتصرف في حرب بلا نهاية واضحة، زاعما أن "الجيش" الإسرائيلي و"أجهزة الأمن" الصهيونية تمكنت من التعافي بعد صدمة 7 أكتوبر، لكنها تفتقر إلى التوجيه السياسي الواضح. وقال إن "المأزق يتجلى في عجز القيادة السياسية الإسرائيلية عن تحديد ما إذا كان العدو يريد إنهاء حكم حماس في غزة، أم إعادة الاحتلال والاستيطان، أم مجرد ردع مؤقت".

بينما يعرض الكاتب الصهيوني "بن كسبيت" في مقاله بصحيفة "معاريف" العبرية أيضاً سرداً تفصيلياً لما يعتبرها إحدى أحلك الحلقات في تاريخ العدو، بدءاً من الهجوم الكاسح لحماس في 7 أكتوبر، وصولاً إلى تعافي "الجيش" الإسرائيلي ثم تعثر الكيان الإسرائيلي مجدداً بسبب قيادة نتنياهو الذي ركز منذ اللحظة الأولى بعد الهجوم على البقاء السياسي بدلاً من استخلاص الدروس أو تصحيح المسار.

يصف الصهيوني "بن كسبيت" هجوم حماس بـ"الهزيمة الأصعب في تاريخنا"، مؤكداً أن الخطر لم يكن فقط في حجم الدمار أو عدد القتلى، بل في إدراك أن الكيان ليس بمأمن، وأنه بات هشاً أمام أعدائه".

ورغم أن الصهيوني "بن كسبيت" يلفت إلى أن "الجيش" الإسرائيلي تمكن بعد 3 أيام من استعادة السيطرة، والسيطرة على المناطق التي سيطر عليها  مقاتلو حماس، وبدأ مرحلة الرد والهجوم، إلا أن هذا الزخم العسكري -بحسب بن كسبيت الذي يُعرف بانتقاداته اللاذعة لنتنياهو- لم يتحول إلى إنجاز سياسي أو استراتيجي بسبب فشل القيادة السياسية الإسرائيلي.

 ويشير الكاتب إلى أن نتنياهو اجتمع في اليوم التالي للهجوم مع المقربين منه، ليس لمناقشة الرد أو إدارة الأزمة، بل لوضع "خطة البقاء السياسي"، وكيفية تحميل المسؤولية للآخرين، وتجنب المحاسبة.

ويختم الصهيوني "بن كسبيت" مقاله بالقول إن "الكيان هُزم ثم انتصر، لكنه يعود إلى الهزيمة مجدداً بسبب قيادته، أما نتنياهو فقد نجح في هدفه الشخصي بالبقاء في الحكم، لكن على حساب الكيان الإسرائيلي ومؤسساته ومستقبله".

إرهاق مجتمعي ونداء "لصورة النصر"

في مقال يعكس إحباطاً متزايداً داخل قطاعات من الرأي العام لدى كيان العدو -خاصة من استمرار الحرب دون نتيجة حاسمة- تناولت الكاتبة الصهيونية " كارني ألداد" في صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية "مرور 600 يوم على الحرب الجارية، معبّرةً عن الإرهاق العميق الذي يلف الجنود الإسرائيليين والأسرى وعائلاتهم والداخل لدى العدو، بل والمجتمع الدولي برمته، في حين تستمرُ المعارك دون أفق واضح لنهايتها".

وتصف "ألداد" الواقع الميداني والنفسي في الكيان الصهيوني قائلة: "الإرهاق يترك بصماتِه على جنودنا بشكل لا مثيل له وعلى الأسرى وعائلاتهم وعلى العائلات والجبهة الداخلية"، وهذا الإرهاق -بنظرها- يعكس حجم الأزمة الممتدة، وسط غياب أي حسم واضح للحرب.

 وتنتقد الكاتبة التباطؤ في حسم المعركة، متسائلة بنبرة تشكك في القيادة الحالية في كيان العدو: "فكيف لم نحقق هذه الأهداف بعد؟ هل نسينا كيف ننتصر؟ هل تفتقر القيادة التي اعتادت على الجولات المحدودة إلى الخيال والقدرة على تصور نصر كامل؟".

تُظهر التحليلات من داخل الصحافة العبرية، بالتوازي مع الواقع الإنساني المأساوي في غزة وتأثيرات الإسناد اليمني، أن الحرب التي تجاوزت 600 يوم لم تحقق أهدافها، بل أدت إلى تعميق الأزمة في الكيان الصهويني على جميع المستويات، في ظل غياب رؤية واضحة تُمكن قادة الكيان من حسم الملفات المعلقة والجبهات المفتوحة بلا أفق أو نهايات واضحة.