موقع أنصار الله ||مقالات ||عبدالله عبدالعزيز الحمران

في خضم المشهد العالمي الذي تتقافز فيه حاملات الطائرات وتلوح فيه صواريخ العدوّ في السماء، تتشكل لدى كثير من أبناء الأُمَّــة صورة مشوهة عن موازين القوة. تُختزل أمريكا، على سبيل المثال، في ترسانة من الحديد والنار، وتُنسى حقيقة أن من يدير تلك الآلات هم بشر، يخطئون ويضعفون ويُهزمون. وهذا بحد ذاته أحد أهم مواطن الخلل في الوعي الإسلامي المعاصر: هزيمة داخلية نفسية، قبل أن تكون ميدانية أَو سياسية.

لقد انشغل الخطاب القرآني بكشف واقع العدوّ لا بتضخيمه، وأرشد الأُمَّــة إلى النظر إليه ككائن طبيعي، يتحَرّك ضمن وظيفته المعادية، وأنه متى ما التزمت الأُمَّــة بنهج الله، فَــإنَّ مصيره الهزيمة والانكسار، كما قال تعالى:

{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}.

المفارقة الكبرى هي أن الأُمَّــة – في كثير من أزماتها – لم تُهزم؛ بسَببِ تفوق العدوّ، بل؛ بسَببِ تخاذلها الداخلي، وابتعادها عن التوجيه الإلهي، وغياب الرؤية الواعية التي تجمع بين الفهم العميق لطبيعة الصراع، والاستعداد العملي لمواجهته.

إنَّ الذهنية المهزومة هي التي تتساءل بدهشة: "لماذا الأمريكيون هكذا؟ لماذا يعتدون؟"، وكأن العدوان أمر غير متوقع من عدو تاريخي. بينما الذهنية القرآنية تقول: "هذا طبيعي من العدوّ، أما غير الطبيعي فهو سكوننا، ضعفنا، جمودنا، عدم استعدادنا".

وفي هذه الرؤية، لا يُطلب من الأُمَّــة أن تكون مثالية أَو أن تتحول إلى ملائكة، بل أن تكون في "الشكل المطلوب":

أمة تسمع التوجيه.

تجهز قوتها.

توالي الحق.

وتلتف حول قيادة مؤمنة وواعية.

إن التجربة التاريخية التي قدمها الإمام علي عليه السلام مع أهل العراق توضح هذه المعضلة: قدم لهم منهجًا واضحًا، رؤية قرآنية خالصة، لكنه قوبل بآذان صماء، فخرجوا من دائرة التأثير والتاريخ. والتجربة تتكرّر اليوم بصيغ مختلفة، حين تُقدَّم التوجيهات والمفاهيم القرآنية لإنقاذ الأُمَّــة، لكن لا يُصغى لها بالشكل المطلوب.

في المحصلة، المعركة ليست مع طائرات وصواريخ فقط، بل مع مفاهيم وأوهام، والهزيمة الحقيقية تبدأ عندما يتحول العدوّ في أذهاننا من بشر يمكن ردعهم، إلى وحش لا يُقهر.