موقع أنصار الله . تقرير | علي الدرواني:
في الساعات الأولى من يوم 17 من ذي الحجة الموافق 13 من يونيو، أقدم كيان العدو على فعل إجرامي عدواني استهدف الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعدوان مباغت وغادر، وأسفرت الموجة الأولى من الغارات العدوانية عن استشهاد عدد من كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين، وعشرات من المدنيين بينهم نساء وأطفال، وبعدها بساعاتٍ جاء الرد الإيراني بست جولات من الصواريخ البالستية وبعض من الطائرات المسيرة التي اخترقت الدفاعات الجوية الصهيونية، وضربت مقر الكرياه ومقر "وزارة الأمن "وعددا من المباني في يافا المحتلة "تل أبيب"، ومن أبرز نتائج الهجوم الإيراني متعدد الموجات -إلى جانب الأضرار المادية الجسيمة في المراكز العسكرية والبنايات الصهيونية- بقاءُ ملايين الصهاينة في الملاجئ تحت ضغط الرعب طوال ساعات الليل.
مشاهد لسقوط عشرات الصواريخ في وسط فلسطين المحتلة بعد أن فشل الاحتلال باعتراضها. pic.twitter.com/BcWG6rr2PQ
— صدى الأحداث (@1alahdath) June 13, 2025
في الحقيقة لم يكن العدوان الإسرائيلي مفاجئا بشكل تام، إلا من ناحية اليوم والساعة والدقيقة، حيث كانت هناك مؤشرات تعزز بعضها البعض عن اقتراب عدوان على إيران، وأهم تلك المؤشرات كان فشل " الكنيست" الإسرائيلي في حل "حكومة" نتنياهو، حيث قالت هيئة البث في الكيان نقلا عن مقربين من رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو للحريديم: "نمر بمرحلة أمنية حساسة، وقد تحدث تطورات قريبا"، وأكد المقربون من نتنياهو، على أنه يجب عدم المساس باستقرار "الحكومة" في هذه المرحلة.
أما المؤشر الثاني فكان قرار واشنطن تقليص حجم بعثتها الدبلوماسية في العراق بناء على أحدث التحليلات. وكانت وكالة أسوشيتد برس نقلت عن مسؤولين أميركيين قولهم إن وزارة الخارجية الأمريكية تستعد لإصدار أمر بمغادرة جميع العاملين غير الأساسيين من السفارة الأميركية وأفراد عائلاتهم في بغداد والبحرين والكويت.
وقال مسؤول دفاعي أمريكي قبل يومين من العدوان إن القيادة الوسطى تتابع التوتر في الشرق الأوسط، وأكد أن وزير الدفاع بيت هيغسيث صرح بمغادرة طوعية لعائلات العسكريين من أماكن بمنطقة القيادة الوسطى.
في السياق نفسه، كانت هناك تهديدات إسرائيلية سابقة بشن هجمات على المنشآت النووية؛ حيث أكد مصدران إسرائيليان مطلعان منذ أيام؛ حسب موقع اكسيوس، أن "إسرائيل" تستعد لشن هجوم سريع على المنشآت النووية الإيرانية في حال انهارت المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن، وأن النافذة الزمنية المتاحة لتنفيذ ضربة ناجحة ضد منشآت إيران النووية توشك على الإغلاق، ما يستدعي التحرك بسرعة في حال فشل المحادثات. وفق الموقع الامريكي.
وذكر المصدران أن جيش العدو الإسرائيلي بدأ بالفعل مناورات واستعدادات لتنفيذ ضربة محتملة ضد إيران، وأن الجيش الأمريكي مطلع تمامًا على هذه التحضيرات، وأشار أحدهما إلى أن بنيامين نتنياهو عقد اجتماعًا "بالغ الحساسية" مع مجموعة من "الوزراء" وكبار المسؤولين الأمنيين والاستخباريين لبحث مسار المفاوضات النووية.
وعشية العدوان جاء المؤشر الثالث، حيث أصدر مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الخميس قرارا يتهم إيران بعدم الامتثال لالتزاماتها بالضمانات النووية، الأمر الذي قدم غطاء سياسيا للعدوان الحالي على إيران ومنشآتها النووية.
إلا أن كل هذه المؤشرات كانت ترجح أن تنفيذ العدوان إن تم، فسيكون بعد جولة المفاوضات التي كانت مقررة الأحد في مسقط بسلطة عمان، باعتبار إصرار إيران على ضرورة مواصلة التخصيب داخل إيران وعدم التخلي عن حقها فيه، وهو الأمر الذي كانت تنظر إليه واشنطن فشلا في المفاوضات، وأكد ترامب عليه مرارا وأنه غير مقبول.
جاء رد الفعل الإيراني متناسقا مع حجم العدوان وتأثيراته على المراكز القيادية، فكانت الخطوة الأولى بملء الفراغات القيادية، حيث أصدر الإمام الخامنائي قرارات بتعيينات جديدة في قيادة الحرس الثوري والأركان، والقوة الجوفضائية، والمراكز الأخرى المهمة، وفي خطاب متلفز وجّهه إلى الإيرانيين مساء الجمعة قال السيد الخامنائي: "لن يسكت الشعب الإيراني عن دماء شهدائه الأجلّاء، ولن يغضّ الطرف عن انتهاك سماء بلاده. قوّاتنا المسلّحة متأهّبة، ويقف خلفها مسؤولو البلاد وكلّ أبناء الشعب".
وبعد التحية التي وجهها للشعب الإيراني والعزاء والدعاء للشهداء القادة، أشار قائد الثورة الإيرانية إلى رسائل "مختلف التيارات السياسية والشخصيات في البلاد. الجميع يشعرون بضرورة التصدّي الحازم إزاء طبيعة الكيان الصهيوني الخبيثة والإرهابية"، وأكد أنه "لا بدّ من التصرّف بحزم، وإن شاء الله سيكون التصرّف بحزم، ولن نتساهل".
وجزم الإمام الخامنئي بأنّ "الحياة ستغدو مريرة بالنسبة إليهم (الصهاينة) بلا شك"، قائلًا: "لا يتوهّموا أنّهم ضربوا وانتهى الأمر، كلا. هم من بدأوا، وهم من أشعلوا الحرب. نحن لن نسمح لهم بأنْ يفلتوا سالمين من هذه الجريمة الكبرى التي ارتكبوها".
وجدّد الإمام الخامنئي تأكيده أنّ "القوات المسلحة للجمهورية الإسلامية ستوجّه ضربات قاسية لهذا العدوّ الخبيث"، مضيفًا: "الشعب يساندنا، ويساند القوات المسلحة"، ومشددًّا على أنّ "الجمهورية الإسلامية ستتغلّب على الكيان الصهيوني، بإذن الله".
ودعا الإمام الخامنئي "الشعب العزيز" إلى أنْ "يعلم ذلك" وأنْ "يكون واثقًا مطمئنًّا بأنّه لن يكون هناك أيّ تقصير في هذا الشأن".
من جهته توعد الرئيس الإيراني الدكتور مسعود بزشكيان، في رسالة نشرها موقع الرئاسة الإيرانية، توعد "إسرائيل" برد قوي يجعلها “تندم” على العدوان الذي شنته ضد بلاده فجر الجمعة.
ومثل هذه المواقف جاءت من مختلف القيادات في المؤسسات الإيرانية (التشريعية والسياسية والحكومية) كموقف ثابت وموحد.
ساهم العدوان الإسرائيلي بغير قصد في توحيد الشعب الإيراني خلف القيادة للتأكيد على ضرورة الرد على الكيان الإسرائيلي وجريمته المتوحشة، وخرج الملايين من الشعب الإيراني بعد صلاة الجمعة في الميادين والمدن، مؤكدين على حق إيران في الرد الحاسم على العدوان، وجاءت رسائل وبيانات الجهات والفعاليات والتيارات السياسية بضرورة التصدي الحازم للكيان الإجرامي.
وأثناء تصدي الدفاعات الإيرانية كانت التجمعات الحاشدة في طهران تهتف مساندة للقوات الإيرانية ضد العدوان الإسرائيلي، وتتابع بفخر نجاحاتها في التصدي للأهداف المعادية في سماء البلاد، الأمر الذي أفشل أحد أهداف الكيان المجرم، التي عبر عنها نتنياهو وهو يوجه خطابه للشعب الإيراني لمساعدته ضد نفسه.
كانت المفاوضات في جولتها السادسة مفصلية وحاسمة حسب كثير من المراقبين، لا سيما بعد التشدد الواضح في المواقف بين واشنطن وطهران، وكانت سلطنة عمان قد أعلنت عشية العدوان أن الجولة ستكون يوم الأحد في مسقط، لكن ذهاب "إسرائيل" للعدوان سيلقي بظلاله القاتمة على هذه الجولة، ومن الأرجح أن يمنعها، ويلغيها.
من الغريب أن تأتي تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن جولة المفاوضات بتلك الطريقة الساذجة، وأن يتوقع أن تقبل طهران بحضور الجلسة التي كانت مقررة في مسقط الأحد، بينما تتعرض بناها التحتية النووية لحجم كبير من العدوان الإسرائيلي المدعوم من أمريكا، فبطبيعة الحال لا يمكن أن تذهب طهران إلى المفاوضات مع واشنطن تحت ضغط الحرب والعدوان، ولا يحق لواشنطن أن تتوقع حضور إيران في هذه الجولة، وهي التي تزود الكيان بكل الأدوات العسكرية والتقنيات والدعم لتنفيذ مثل هذا الحجم من العدوان.
وبناء على ذلك نقل التلفزيون الإيراني أن إيران لن تشارك في المفاوضات النووية غير المباشرة مع الولايات المتحدة في العاصمة العمانية يوم الأحد.
وفي وقت لاحقٍ السبت أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، في تصريحات نشرتها وكالة إرنا الرسمية تعليقاً على إمكانية المشاركة في الجولة القادمة من المفاوضات غداً الأحد، أن "قرارنا النهائي بشأن هذه المسألة لم يُتخذ بعد"، مشيراً إلى أن بلاده "لا تتصور إطلاقاً أن الكيان الصهيوني أقدم على هذه المغامرة الحربية في المنطقة من دون تنسيق أو ضوء أخضر أميركي واع". وحمّل بقائي الإدارة الأميركية مسؤولية "تبعات ونتائج التصرف المتهور وغير القانوني للكيان الصهيوني"، مضيفاً: "لا يزال قرارنا بشأن المشاركة في مفاوضات الأحد غير محدد حتى الآن".
لم يكن العدوان الصهيوني على المنشآت النووية الإيرانية مجرّد استهداف عسكري، بل كان محاولة لتغيير قواعد اللعبة وفرض إرادة العدو الصهيوني بالقوة على مستقبل البرنامج النووي الإيراني. لكنّ هذا الهجوم الغادر، بما حمله من دمار واستهداف لعلماء ومدنيين، قد يدفع الجمهورية الإسلامية نحو تحوّل استراتيجي غير مسبوق: الانتقال من سياسة "التخصيب السلمي" إلى امتلاك القدرة النووية الرادعة.
لقد التزمت إيران لعقود بمبدأ الاستخدام السلمي للطاقة النووية رغم الحصار والاغتيالات والتهديدات. لكن استهداف العمق العلمي والنووي الإيراني، وقيام "إسرائيل" بتجاوز كل الخطوط الحمراء، قد يُعيد تعريف معادلة الردع. فالرسائل التي تُكتب بالصواريخ، قد لا يُرَدّ عليها إلا بلغة النووي إذا ما اقتضت الضرورة، وخصوصًا إن شعرت إيران بأن هذا هو السبيل الوحيد لردع العدو، ولحماية سيادتها ومكانتها الإقليمية.
وقبل أكثر من شهرين حذّر علي لاريجاني المستشار المقرب للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي من أن "طهران لا تسعى إلى امتلاك سلاح نووي، لكن لن يكون أمامها خيار سوى القيام بذلك" في حال تعرضها لهجوم، لأن الشعب سيطالب به.
وقال لاريجاني في مقابلة مع التلفزيون الرسمي عقب تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشن ضربات على إيران، مخاطبا الولايات المتحدة: "في مرحلة ما، إذا اخترتم القصف بأنفسكم أو عبر إسرائيل، فإنكم ستجبرون إيران على اتخاذ قرار مختلف".
بات واضحًا اليوم أن العدوان قد يفتح الباب لمرحلة جديدة من الاستراتيجية والعقيدة النووية الإيرانية، لا سيما إذا استمر الغرب في التواطؤ، وتجاهل الحق الإيراني في الدفاع عن أمنه القومي بكل الوسائل المتاحة، ففي الجغرافيا السياسية، ليست القنبلة أخطر من منطق "الإفلات من العقاب". وإن كانت إيران مضطرة لصنع القنبلة فقد تكون هي حيلة المضطر، والتي ستركبها إيران عن غير سبق إصرار ولا ترصد.
لم تكن الضربة الصهيونية فجائية في نواياها، لكنها باغتت في توقيتها، فأخطأت الحساب وتجاهلت الحقيقة: إيران لا تُؤخذ على حين غرّة، وأن دماء قادتها لا تذهب هدراً. لقد ارتكب العدو جريمة كبرى، ظنّ أنه سينفذ منها دون عقاب، فجاءه الردّ مدويًا من عمق الأرض، عبر صواريخ قاصمة وطائرات مسيّرة صنعتها الإرادة الإيرانية، فهزّت "تل أبيب"، وشلّت مغتصباتها، وأحالت ليلها نهار رعب تتردد أصداؤه في الملاجئ تحت الأرض حيث اختبأت جرذان صهيون.
اليوم، ومع توحّد الشعب الإيراني خلف قيادته، ومع جهوزية القوات المسلحة، لم تعد المواجهة كما كانت، ولم يعد الكيان الصهيوني هو من يتحكم بتوقيت الحرب وشكلها. الرسالة وصلت، والعدو أدرك معناها: من يبدأ النار في طهران.. سينام تحتها في "تل أبيب".