إن ما يتكبده الكيان الإسرائيلي من خسائر مادية ومعنوية، وتداعيات اقتصادية، كنتائج حتمية لعدوانه الهمجي العبثي على الجمهورية الإسلامية في إيران، بات يشكل فصلاً جديداً في سجل هزائمه المتتالية، ويكشف بوضوح نقاط ضعفه المتجذرة في مقابل صلابة محور المقاومة وصموده. هذه الأحداث، بما حملته من تبعات اقتصادية وخسائر غير مسبوقة، تُعيد رسم قواعد الاشتباك في المنطقة، مؤكدة أن زمن الهيمنة الصهيونية قد ولّى، وأن محاولات لف حبل المؤامرات حول رقاب شعوب المنطقة قد تحولت إلى حبل مشنقة يُلف حول رقاب المغتصبين أنفسهم، معجلاً بزوال كيانهم الغاصب.
إلى جانب الخسائر الاقتصادية فقد اعترفت "وزارة الصحة" التابعة للعدو الإسرائيلي ، يوم الجمعة، أن 54 مصابًا وصلوا إلى المستشفيات، ليرتفع إجمالي المصابين جراء الهجمات الإيرانية إلى أكثر من 2,500 شخص منذ بداية التصعيد.
في ذات السياق، أعلن "صندوق التعويضات" التابع للعدو الإسرائيلي، الجمعة، أنه تلقى 30,735 مطالبة تعويض منذ بدء العدوان الإسرائيلي على إيران. وتتعلق المطالبات بتعويضٍ عن أضرار لحقت بالمباني والمركبات والمعدات، نتيجة الهجمات الصاروخية الإيرانية التي استهدفت العمق المحتل خلال الأيام الماضية.
وأوضح الصندوق أن من بين إجمالي المطالبات، هناك 25,040 تتعلق بأضرار في المباني، و2,623 تتعلق بأضرار في المركبات، و3,006 شكاوى تتعلق بخسائر في المعدات والمحتويات. كما أشار إلى إجلاء 3,000 مستوطن من منازلهم يوم الخميس، ما يرفع عدد المُجلين منذ بداية التصعيد إلى 8,190 مستوطناً.
وكانت "مؤسسة التأمين" في الكيان الإسرائيلي قد أعلنت، الخميس، أن عدد من تم إجلاؤهم من منازلهم بلغ 5,000 مستوطن، بعد تعرضها لأضرار مباشرة من القصف الإيراني، مؤكدة تسجيل 22,932 مطالبة تعويض حتى تاريخ أمس.
لم تمضِ أيام قليلة على التصعيد الأخير، حتى بدأت التداعيات الاقتصادية تلوح في الأفق، لتكشف عن حجم الأضرار التي يتكبدها الكيان الإسرائيلي. يعتمد الكيان الإسرائيلي بشكل كبير على الممرات البحرية لنقل معظم وارداته إلى موانئ حيفا وأشدود و"إيلات". وفي ضربة موجعة لاقتصاده، أغلقت مجموعة "بازان" الإسرائيلية مصفاة حيفا النفطية، وهي الأكبر في الكيان، في 16 يونيو 2025 بعد أن تضررت محطة الطاقة التابعة لها في العملية العسكرية النوعية للحرس الثوري الإيراني.
الشركة المسؤولة عن تشغيل محطة ومصافي حيفا، أعلنت الثلاثاء إغلاق جميع مرافق المصفاة والشركات التابعة لها عقب تضررها بالقضف الصاروخي الإيراني، مؤكدة تضرر محطة الطاقة المسؤولة عن جزء من إنتاج البخار والكهرباء بشكل كبير .
موقع "ذا ماركر" الصهيوني أوضح أن الاقتصاد الإسرائيلي يعتمد بشكل كبير على منشآت "بازان" النفطية المستهدفة في حيفا، كونها توفّر 59٪ من ديزل النقل و49٪ من البنزين المستهلك و52٪ من وقود للطائرات
صحيفة "كالكاليست" الصهيونية قالت أنه و بعد تعرّض مصفاة "بازان" لهجوم إيراني وإيقاف منصتي "كاريش وليفياثان" لم يتبقَّ سوى منصة "تمار" والتي لا يمكنها تلبية كامل الاحتياجات من الوقود بمفردها.
مصفاة حيفا تعتبر الشريان الأساسي لإمداد الكيان الصهيوني بالطاقة، بقدرة تكرير سنوية تصل إلى 10 ملايين طن، ويعود تأسيسها إلى عام 1939 إبان فترة الانتداب البريطاني. وتوفّر هذه المنشأة، وفق التقديرات الإسرائيلية، نحو 60 إلى 70% من مجمل الوقود المستخدم في القطاعات الحيوية داخل الكيان: من الصناعة والزراعة، إلى وسائل النقل المدنية والعسكرية. كما يقدَّر أنّ 55% من إجمالي مبيعات المصفاة تذهب إلى السوق الداخلية، وتشمل البنزين، وقود الديزل، وقود الطائرات، والغاز الصناعي. كما تعدّ مصدراً أساسياً لتغذية "الجيش" الإسرائيلي باحتياجاته من الوقود والمواد الكيميائية المستخدمة في الصناعات العسكرية، فضلاً عن كونها مقراً لمحطات تخزين واستيراد النفط الخام، الذي يصل أحياناً من كردستان العراق أو أذربيجان، مروراً بالبحر المتوسط.
تبلغ طاقة المعالجة اليومية في مصفاة حيفا197.000 برميل يومياً وطاقة المعالجة السنوية في مصفاة حيفا 10 ملايين طن من النفط الخام، فيما يبلغ معدّل استخدام المصفاة (2023-2024) نحو 90%
وبناء على هذا الدور المفصلي، فإنّ الاستهداف للمصفاة وتعطيلها، أحدث شللاً في منظومة الطاقة الإسرائيلية، بحسب ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية، مع تأثيرات تطال قطاعات النقل والطيران والإنتاج الصناعي، وصولًا إلى الصناعات الكيميائية المرتبطة بها.
فقد أفادت مصادر في صناعة التأمين، يوم الثلاثاء، 18 يونيو 2025، أن أقساط التأمين ضد مخاطر الحرب على الشحنات المتجهة إلى الكيان الإسرائيلي ارتفعت بما يصل إلى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل أسبوع. ففي الوقت الذي كانت فيه تكلفة الرحلة التي تستغرق سبعة أيام إلى الموانئ الإسرائيلية تبلغ نحو 0.2% من قيمة السفينة، قفزت لتتراوح بين 0.7% و1.0%.
وفي هذا السياق، صرح "ديفيد سميث"، رئيس قسم الملاحة البحرية في شركة "ماكجيل آند بارتنرز للتأمين" لـ "رويترز" بأن "المكالمات الموجهة إلى الكيان تتم على أساس كل حالة على حدة، حيث ترتفع الأسعار إلى ما يصل إلى 1% للمكالمة التي تستغرق سبعة أيام، وذلك حسب نوع الشحنة والملكية والميناء". هذه الزيادة، وإن كانت لا تزال أقل من ذروتها في نوفمبر 2023 (أكثر من 2% بعد عملية "طوفان الأقصى")، إلا أنها تضيف عشرات الآلاف من الدولارات من التكاليف اليومية الإضافية لكل رحلة، مما يثقل كاهل الشركات ويجعل الإبحار إلى موانئ الكيان مغامرة باهظة الثمن.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد أعلنت الشركة الدنماركية "ميرسك"، ثاني أكبر شركة شحن في العالم، يوم الجمعة، 20 يونيو 2025، تعليق دخول سفنها إلى ميناء حيفا مؤقتًا، وتحويل رحلاتها إلى ميناء أشدود. ورغم تصريحات شافي كوهين، الرئيس التنفيذي لشركة ميرسك في الكيان، بأن "ميرسك لم تتوقف عن الوصول إلى الكيان أو العمل فيه"، وأن الأمر "مؤقت"، إلا أن هذه الخطوة تمثل ضربة قاصمة للاقتصاد الصهيوني، وتؤكد مدى تأثره بالتهديدات الإيرانية والهجمات الصاروخية التي تستهدف المنشآت الحيوية في حيفا وتل أبيب، كما أعلن الحرس الثوري الإيراني. إن فرض "ضريبة حرب" على شحنات الحاويات إلى الكيان منذ السابع من أكتوبر 2023، لتغطية الزيادة في أقساط التأمين، يؤكد أن هذه الأعباء الاقتصادية ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة لتصاعد المقاومة وتغير قواعد اللعبة.
لم تكن الخسائر مادية فقط، بل امتدت لتشمل الجانب المعنوي والأمني، في إشارة واضحة إلى تغيير في نوعية المواجهة. فقد أعلن العدو الإسرائيلي عن تعرض الهواتف الجوالة لآلاف من الإسرائيليين للاختراق، مشيرة إلى استقبالهم رسائل تحذيرية من إيران. وذكرت صحيفة "إسرائيل هيوم" العبرية أن "الآلاف من الإسرائيليين يستقبلون منذ يومين رسائل تحذير بالعبرية بأنهم 'قد حفروا قبورهم بأيديهم وأن أبواب الجحيم ستفتح عليهم'". وتضمنت الرسائل أيضاً "تحذيرات الحرس الثوري الإيراني للإسرائيليين بإخلاء المناطق في تل أبيب وآخرها التحذير الصادر بإخلاء مغتصبة نيفه تسيدك".
هذا النوع من الحرب النفسية الرقمية، واختراق شبكات الاتصالات، يمثل بعداً جديداً في المواجهة، ويؤكد قدرة محور المقاومة على الوصول إلى عمق المجتمع الإسرائيلي، وزعزعة شعوره بالأمان. إن مجرد تلقي هذه الرسائل من جهة معادية يثير القلق والذعر، ويدفع المستوطنين إلى التساؤل عن مدى فعالية منظوماتهم الأمنية والاستخباراتية.
في مشهد يعكس الانفصال عن الواقع الأمني المتدهور، ومع تصاعد التهديدات، تشير دراسة أجرتها شركة "ديفرنت" إلى ارتفاع أسعار إيجار الشقق المحمية بنسبة 11% خلال السنوات الثلاث الماضية. إن "الحرب مع إيران تفاقم الحاجة الملحة إلى المغتصبات المحمية، وارتفاع أسعار العقارات فيها هو نتيجة مباشرة لذلك"، كما يوضح الخبراء. فمع وجود أكثر من 1.67 مليون شقة غير محمية في "إسرائيل"، بات الطلب على المنازل المجهزة بنظام أمني يفوق العرض بكثير، مما يدفع الإيجارات إلى الارتفاع.
لقد أظهر مؤشر أسعار المستهلك لشهر مايو 2025، الذي نشره "المكتب المركزي للإحصاء" في كيان العدو، ارتفاعاً جديداً في أسعار الإيجار: 2.7% للمستأجرين الذين جددوا عقودهم، و5.2% للمستأجرين الجدد. ورغم محاولات "المكتب المركزي للإحصاء" في اليكان تقديم صورة "مربكة وغير متكاملة" للسوق، إلا أن بيانات "WeCheck" التي تستند إلى "عشرات الآلاف من المعاملات الحقيقية" تؤكد ارتفاع الإيجارات في مايو بنسبة 2.1% مقارنة بأبريل، وبنسبة 5.3% مقارنة بمايو من العام الماضي. هذا الارتفاع يشير إلى "زيادة حادة في الطلب"، خاصة على "الشقق المجهزة بنظام أمني".
ففي "تل أبيب"-يافا المحتلة، ارتفعت أسعار الإيجار بشكل رئيسي في الأحياء ذات البناء الجديد التي تشمل شققاً مزودة بنظام أمني، مثل "فلورنتين" و"نفيه شانان". والفجوة بين متوسط إيجار الشقة المزودة بنظام أمني والشقة بدون نظام أمني كبيرة بشكل خاص: في عام 2025، يبلغ 9279 "شيكلاً" للشقة المزودة بنظام أمني مقارنة بمتوسط شهري قدره 6309 "شيكلاً" للشقة بدون نظام أمني. هذا التباين يؤكد أن المستوطنين باتوا يبحثون عن الأمان، حتى لو كان ذلك على حساب جيوبهم.
وفي منطقة "غفعتايم" و"رمات جان" في "تل أبيب"، تشهد أسعار الإيجار ارتفاعاً ملحوظاً مع قلة المعروض. وبلغ متوسط إيجار الشقق المحمية في "غفعتايم" 8693 "شيكلاً" شهرياً، وفي "رامات جان" 7749 "شيكلاً" جديداً شهرياً، في مقابل 5896 "شيكلاً" و5229 "شيكلاً للشقق" غير المحمية على التوالي.
الوضع لا يختلف في المناطق الأخرى، ففي "ريشون لتسيون"، ارتفعت الإيجارات بنسبة 20% بشكل عام، وفي "بتاح تكفا" زاد الطلب، وفي الرملة واللد نشهد ارتفاعاً في الإيجارات.
حتى القدس المحتلة، التي تشهد هجرة عكسية ارتفعت فيها أسعار الشقق المكونة من غرفتين بنسبة 7%، وثلاث غرف بنسبة 8%، وأربع غرف بنسبة 8%، وخمس غرف بنسبة 4%. هذه الأرقام تؤكد أن كيان العدو بات مكاناً غير آمن للعيش، وأن جودة الحياة تدهورت بشكل كبير.
في شمال فلسطين المحتلة القريبة من لبنان، عاد غالبية المهجرين إلى مغتصباتهم، مما أدى إلى ارتفاع الإيجارات، ففي حيفا، على سبيل المثال، ارتفعت أسعار الشقق المحمية إلى 5143 "شيكلاً"، في مقابل 3304 "شيك"ل للشقق غير المحمية. وفي "كريات بياليك"، و"كريات شمونة"، تشهد الأسعار ارتفاعاً ملحوظاً، مع طلب متزايد على الشقق الجديدة والمحمية، مما يؤكد أن المستوطنين يبحثون عن "جودة حياة وأمان".
تتصاعد أزمة الإسكان بشكل موازٍ مع ارتفاع وتيرة الهجمات الإيرانية، فبعد الهجوم الصاروخي الإيراني، تم إجلاء حوالي 6000 مغتصب من مغتصباتهم المتضررة. وفي خطوة تعكس حجم الأزمة، تم تمديد تمويل الإقامة الفندقية لمدة أسبوعين بدلاً من 7 أيام، بموجب اتفاقية بين ما يسمى بـ"وزارة المالية ومركز الحكم المحلي وهيئة الضرائب".
يسمح هذا الإجراء لسلطات العدو الصهيوني في المغتصبات بإخلاء المتضررين إلى فنادق، على أن يقوم "صندوق تعويضات ما يسمى مصلحة الضرائب" بتعويض سلطات المغتصبات عن تكاليف الإخلاء. وبعد فترة الإخلاء الأولية، وفي حال تعذر العودة للسكن في المبنى المتضرر، يُمول السكن البديل مباشرة من الصندوق، سواء كان ذلك على شكل سكن فندقي، أو استرداد إيجار، أو منحة شهرية قدرها 4000 "شيكل" لمن يسكن مع أقاربه.
هذا الوضع الاقتصادي المتعمق يُظهر بوضوح أن العدوان العبثي للكيان الإسرائيلي على الجمهورية الإيرانية لم يكن سوى مغامرة خاطئة، انقلبت تداعياتها عليه، وكشفت عن نقاط ضعفه ووهنه.
لقد عملت المواجهة الأخيرة مع إيران على تغيير قواعد الاشتباك في المنطقة بشكل جذري. لم يعد الكيان قادراً على شن هجمات دون رد، بل باتت كل خطوة يخطوها تُقابل بردٍ قاسٍ ومؤلم، كما رأينا في استهداف منشآته الحيوية وارتفاع تكاليف الشحن والتأمين. إن قدرة محور المقاومة على إحداث هذا التغيير الجوهري في معادلة الردع يؤكد صلابته وتفوقه.
ومن ارتفاع أقساط التأمين البحري بثلاثة أضعاف، إلى إغلاق مصفاة حيفا النفطية، مروراً بارتفاع أسعار الإيجارات بنسب تتراوح بين 11% و20% في المغتصبات الرئيسية، وصولاً إلى إجلاء آلاف المستوطنين وتمويل إقامتهم الفندقية،. هذه الخسائر المادية والمعنوية تُمثل نزيفاً حاداً في جسد الكيان، وتُسرع من وتيرة انهياره.
في المقابل، تبرز نقاط قوة محور المقاومة في الصمود والتحدي لمسلسل المؤامرات الصهيونية. إن القدرة على اختراق شبكات الاتصالات، وإرسال رسائل تحذيرية للمستوطنين، وتغيير مسارات الشحن العالمية، هي مؤشرات واضحة على أن هذا المحور يمتلك أدوات القوة والردع التي تُجبر العدو على التراجع. إن فضح فظاعة الروح الإجرامية التي وشم بها جبين العدو، وتلطخت بدماء الأبرياء والأطفال والنساء على مدار سبعة عقود، لا يصنع سوى نقاط الضعف الصهيو-أمريكية.
إن هذه التداعيات الاقتصادية والأمنية ليست سوى بداية النهاية لكيان طالما بنى وجوده على العدوان والاحتلال. فكلما حاول العدو إحكام قبضته، انزلق في مستنقع الخسائر، وكلما حاول فرض إرادته، وجد نفسه أمام محور مقاومة صلب لا يلين، يلف حبل المشنقة حول رقبته، معجلاً بزواله المحتوم.