موقع أنصار الله . تقرير | وديع العبسي

 

كشفت الموجة الجديدة من البلطجة الصهيونية عن حقائق مثيرة للجماعة الصهيونية، سواء داخل الكيان الصهيوني أو داخل مركز القرار في أمريكا، تتصدرها أن مقومات قيام الكيان المحتل تتسرّب رغم اشتغال أكثر من مائة عام على هذا الهدف، ابتداء من المؤتمرات التي وضعت مخططات الاحتلال والتمدد، ومخططات السيطرة على الأنظمة العربية وسلب ثرواتها لتغذية الكائن المستحدث في خارطة المنطقة.

مدّ الطارئ الإسرائيلي يده للتعدي على الجمهورية الإسلامية في تصور موهوم بأن ذلك سيكفيه كل محور المقاومة، فارتدّ السحر على الساحر، وجاءت النتيجة ساحقة حين انتفض الإيراني في رد صاعق شهدت معه وليّة أمر الكيان (أمريكا) بأن الصنيعة الاستعمارية "إسرائيل" لن تقوى على تحمل أكثر من (22) هجمة إيرانية لم يكن في حسابات الأعداء شكلها وحجمها.

في الأثناء هناك أثر استراتيجي آخر، بدأ يترسخ كواقع لا يمكن إنكاره، وهو الأثر الذي سيسرّع من تلاشي العدو وخروجه من الجسد العربي، فمع ضربات جيش الجمهورية الإسلامية التي أصابت أهم قدرات العدو وأثبتت كذبة العقيدة الأمنية الصهيونية، كان أكثر الغاصبين يتحينون الفرصة للفرار من الكيان، خصوصا مع اشتداد تضييق إمكانية ذلك من قبل سلطات العدو التي حاولت منع حدوث مشهد النزوح والفرار.

أوهام وحسابات خاطئة

انحسرت الثقة وتكاد تنعدم لدى الغاصبين بقادة الكيان، الذي خذلهم قبلاً بتوفير الأمن في المستوطنات، حيث لا تغيب عنها العمليات البطولية لرجال المقاومة الفلسطينية، وخذلهم حين حدث ذاك الاختراق الأمني الفادح الذي كشفت عنه العملية البطولية "طوفان الأقصى"، ثم خذلهم بعجزه عن استعادة أسراه من أيدي المقاومة في غزة، ثم خذلهم بحساباته الوهمية حين اتخذ قرار العدوان على الجمهورية الإسلامية بحجة تدمير قدرتها على تصنيع السلاح النووي، وما تبع ذلك من رد فعل إيراني بشكل عالي الغيرة والحميّة على انتهاك السيادة الوطنية، لينتهي الوضع إلى وضع كارثي للكيان ومستوطنيه، وليأتي قرار هؤلاء المستوطنين بالهروب متماشيا مع فشل القيادة الصهيونية طوال تاريخ الاحتلال في تأسيس كيان قادر على ترسيخ نظام، وتأمين جمهوره.

على وقع الموجات الإيرانية، فر المستوطنون الغاصبون من واقع تعتريه كل مظاهر فشل الإدارة، حتى في حساب تداعيات الاعتداء على الآخرين، أو بحسابات خاطئة، فكل شيء توقف داخل هذا الكيان، وعشرات الآلاف من الغاصبين فقدوا أعمالهم.. توقفت الحركة التجارية، فلا صادرات ولا واردات ولا حركة تصنيع، وارتفعت أسعار المعيشة، آلاف الغاصبين مشردين ويسكنون في الفنادق، وأكثر من 40 ألف طالبوا سلطات الاحتلال بتعويضهم بعد أن تهدمت منازلهم بسبب هجمات الجمهورية الإسلامية، تعطلت المدارس والجامعات، وتوقف نشاط المراكز البحثية.

صحيح أن النتنياهو وجوقة المتطرفين معه لم يحسبوا حساب مثل هذه التداعيات عندما ذهبوا للمغامرة وارتكاب هذا الجُرم المشهود، والمتمثل في الاعتداء على دولة مستقلة وقوة إقليمية لها وزنها ولها شأنها على مستوى العالم، إنما المهم استيعابه من هذه الجزئية، هو غرور العدو وتوهمه بقدراته إلى درجة لم يتوقع معها أن يأتي الرد الإيراني بهذا الشكل غير المسبوق وغير المحسوب، وهذه المسألة تحديدا تشير إلى غباء الكيان، الذي عجز عن توقع ما ستقود إليه عربدته.

عجز مشهود أمام سلاح المقاومة

في غزة لا يزال نموذج الانهزام قائما، فالقادة الصهاينة لم ينجحوا طيلة (77) عاما من الاحتلال في توفير المناخ الآمن القابل للحياة لغاصبيه، ولم ينجحوا في تأمين قوة دفاعية كافية بالحد الأدنى لأن تردع أي هجمات ضد كيانهم غير الشرعي. فطوال عشرين شهرا عجز عن استعادة أسراه في منطقة قطاع غزة الصغيرة، لا بالقوة ولا بالدبلوماسية، وخلال عشرين شهرا تَجَرّع وجَرّع مستوطنيه آلام تناثُر أشلاء الصهاينة في كمائن المقاومة، وخلال عشرين شهرا لم يفلح في أن يُسكت صوت سلاح المقاومة رغم كل أشكال الإجرام التي مارسها من قصف وقتل جماعي بالصواريخ والقنابل، وبالتجويع والتعطيش.

مع كل هذه الحقائق، وصل الغاصبون إلى القناعة بأن كيانهم قد استهلك كل قدراته وأحرق كل أوراقه، ولم يعد يجيد إلا الأساليب الدنيئة لإخضاع المقاومين الفلسطينيين لإرادته بالقتل والتجويع للنساء والأطفال والمسنين والمدنيين العزل.

كشفت الهجمات الإيرانية عن اشكالية وجودية يعيشها الكيان، وهي غياب الشعور بالانتماء في نفوس المستوطنين الغاصبين، ففي أحلك الظروف التي يتعرض لها كيانهم كالذي يعيشه اليوم من الضربات الإيرانية واستمرار الضربات اليمنية، مع حلقات التنكيل المستمر الذي تجرّعه إياه المقاومة الفلسطينية، ترى اهتمامهم ينصب إما بالمطالبة بتعويضات نتيجة تهدم منازلهم وسياراتهم أو توقف أعمالهم، وإما الفرار، بلا أدني اعتبار للجنسية التي يحملونها.

البلطجة لا تُنمّي ولاء لدى الغاصبين

هي خسائر استراتيجية لا يمكن تعويضها، تتجاوز الجوانب المادية، ولا يمكن لأمريكا وباقي دول الاستعمار فعل شيء معها، فتربية وإنماء حس الولاء والانتماء في نفوس المجتمع أمر لا تحققه هجمات عدوانية على دول أخرى، أو الحديث عن التفرد بقرار المنطقة، أو إبراز تأثير الإرهاب الصهيوني على دول العالم لجهة دفع هذه الدول لخطب وِدّه، ما يعني أن كل محاولات تكريس الشعور بالانتماء إلى الكيان ستكون في مهب لحظة سماع صافرات الإنذار، إذ إن الغاصبين حينها لن يجدوا حرجا في اتخاذ قرار الفرار، ولن يجدوا ما يرغمهم أصلا على الاستمرار في أرض مغتصبة ومنطقة تختلف عنهم.

في تقرير سابق لم يكن الكيان حينه يتعرض لضربات، أظهر استطلاع رأي "إسرائيلي" أجراه معهد “ميدغام” للاستطلاعات، أن نحو ثلث الغاصبين يرغبون بالهجرة من "البلاد" لو تمكنوا من ذلك. يقول مدير عام مشروع “رحلة إسرائيلية” التابع لـ"وزارتي" التربية و"الجيش" بـ"حكومة" الاحتلال "أوري كوهين"، “حقيقة أن عددًا كبيرًا كهذا يقولون إنهم سيغادرون "إسرائيل" لو تمكنوا من ذلك، تدل على أن الكثير في "إسرائيل" لا يشعرون بالانتماء، وهذا معطى مقلق ويحتم علينا جميعًا مواجهة هذه القضية الصعبة”.. ويضيف أن “معطيات الاستطلاع تدل على وجود مشكلة بالشعور بالهوية، والارتباط والانتماء، ما ينذر بشرخ واضح بين الصهاينة كلّهم”