موقع أنصار الله . تقارير
في زمنٍ تتصارع فيه الإرادات وتُختبر فيه الحقائق، يقف اليمن بكل شموخ - رغم ما يعانيه – ليعيد صياغة المعادلات في الصراع مع العدو الصهيوني. صواريخ تعبر السماء ومسيرات تشق طريقها نحو الهدف؛ حتى غدت شهادة حيّة على أن الإرادة حين تشتد تُعجز أعتى الترسانات، وأن الشعوب حين تنهض تصوغ ملامح التاريخ من جديد.
لقد وجد العدو الإسرائيلي نفسه أمام جبهة لم يحسب لها حسابًا، جبهة لا تُرهقها الغارات ولا تُرهبها التهديدات، جبهة تصنع من صلابة الأرض ومن صمود الناس حصنًا لا يُخترق. ومع كل صاروخ يخرج من جبال اليمن ومع كل مسيرة تحلق في أجواء فلسطين المحتلة، يتكشف زيف “الدفاعات الجوية”، وينهار رهان "تل أبيب" على حماية واشنطن، ويتحوّل ميناء "إيلات" ومطارها وساحلها السياحي إلى بوابات مغلقة على عزلة خانقة.
هكذا بدا المشهد: عدو مثقل بالخسائر والخيبات، ويمن يرسّخ حضوره لاعبًا استراتيجيًا لا يُمكن تجاوزه، يمضي على قلب رجل واحد، يساند غزة ويعيد للأمة ثقتها بأن النصر لا يوزّع من مكاتب العواصم الكبرى، بل يُصنع على الأرض حين ينهض شعبٌ أبيّ لا يعرف المستحيل.
لم تفلح الدفاعات الجوية المتطورة في حماية الكيان، ولا استطاعت واشنطن أن تبقى في ساحة المواجهة بعدما انكشفت حدود قوتها في البحر الأحمر، فانسحبت تاركةً حليفها أمام واقع مرير. في المقابل، بقيت الجبهة الداخلية اليمنية حصناً منيعاً، متماسكةً بروح شعب لا ينكسر ويخوض معركة النصرة لغزة بكل يقينٍ أن الدم العربي لا يُقاس بالموازين الاقتصادية، بل بالكرامة والسيادة والإيمان بعدالة القضية.
هكذا تحولت الضربات اليمنية إلى أكثر من مجرد صواريخ ومسيّرات؛ إنها إعلانٌ بأن العدو بلا خيارات، وأن حصار اليمن لطرق التجارة والملاحة لا يضيّق على العدو الإسرائيلي وحده، بل يفضح ضعف منظومته واهتزاز صورته أمام نفسه وأمام العالم.
لم يعد أثر العمليات العسكرية اليمنية يقتصر على الجانب العسكري، بل تحول إلى حصار اقتصادي خانق. ميناء "إيلات" – البوابة الجنوبية للكيان الإسرائيلي – خرج عن الخدمة منذ نوفمبر 2023 وهو ما أدى إلى تعطيل حركة التجارة وتكبيد الاقتصاد الإسرائيلي خسائر بمليارات الدولارات.
صحيفة "كالكاليست" العبرية وصفت الأضرار الاقتصادية بأنها أكبر من المتوقع، حيث تعطلت شركات طيران كبرى، وارتفعت تكاليف النقل البحري، فيما كشفت يديعوت أحرونوت أن نصف المصدّرين ألغوا صفقاتهم و76% تكبدوا خسائر مباشرة بسبب الحصار اليمني.
القناة العبرية الـ12 ذكرت في تقرير لها قبل أيام أن "الهجمات الإسرائيلية المتكررة لم تنجح في إيقاف العمليات اليمنية أو تقليص أثرها الاقتصادي والمعنوي". ووفق التقرير، "استعانت "إسرائيل" بسفن حربية لتنفيذ ضربات صاروخية بعيدة المدى على الأراضي اليمنية في أكثر من مناسبة، غير أن النتائج جاءت محدودة". فالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية الصادرة من اليمن ما تزال تطلق بوتيرة أسبوعية تقريبًا، وما يصل منها إلى أهدافه يكفي – بحسب وصف القناة – لإظهار صنعاء في صورة المنتصر.
وأشار التقرير إلى أن الهجمات اليمنية طالت أهدافاً استراتيجية مثل مطار "رامون" دون إنذار مسبق، وأدت إلى تعطيل حركة التجارة في البحر الأحمر وإغلاق ميناء "إيلات" فعلياً، وهو ما اعتبرته القناة تأثيراً يفوق الضرر المباشر، ليصل إلى مستويات اقتصادية ومعنوية وأيديولوجية.
وختمت القناة العبرية بأن "إسرائيل" وجدت نفسها في معركة استنزاف غير واضحة المعالم، من غير المعروف كيف أو متى يمكن أن تنتهي، في ظل شكوك حول وجود أي خيار حاسم لتغيير المشهد الحالي.
"رئيس بلدية" "إيلات"، "إيلي لانكري"، صرّح بأن المدينة تواجه تحديات أمنية واقتصادية بسبب العمليات العسكرية التي تنفذها القوات المسلحة اليمنية حيث علق على استهداف الفندق في "إيلات" الخميس الماضي بالقول: “خلال الحرب، واجهت "إيلات" تحدياً أمنياً واقتصادياً، منذ بداية إطلاق صواريخ اليمنيين عليها، وقد استوعبت أكثر من 60 ألف نازح”. وأضاف إنه “لما يقارب ستة أشهر، كانت المدينة على حافة الانهيار الاقتصادي بسبب اعتمادها على السياحة”.
جاء إعلان القوات المسلحة اليمنية حظر الملاحة على العدو الإسرائيلي في البحر الأحمر كالصاعقة على الكيان الصهيوني نظرا للأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر لخطوط التجارة الإسرائيلية ، الأمر الذي جعل العدو يستنفر كل أوراقه لإنهاء هذا المأزق، واستدعى العدو المجتمع الدولي لتشكيل تحالف عالمي لحماية سفنه، ووجد العدو استجابة سريعة حيث تم تشكيل تحالف أمريكي بريطاني وتحالف آخر أوروبي، وعلى الفور امتلأت المنطقة بالقطع الحربية الغربية بمختلف أنواعها وتشكيلاتها العسكرية، لكن سرعان ما انهارت تلك التحالفات ومنيت بانتكاسات كبرى اضطر معها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لاستجداء صنعاء لإيقاف استهداف سفنه بعد إصابة ما يزيد عن 70 سفينة تجارية أمريكية وتنفيذ ما يزيد عن 75 عملية اشتباك مع حاملات السفن والقطع الحربية الأمريكية، ناهيك عن استخدام اليمن أسلحة بحرية شكلت تهديدا مباشرا للأسطول الأمريكي. لينتهي الأمر عند التسليم بسيادة اليمن على البحر الأحمر مع استمراره في حظر الملاحة الإسرائيلية.
نائب "رئيس حكومة" العدو الإسرائيلي الأسبق ” حاييم رامون -חיים רמון ” قال إن أخطر ضربة وجهتها القوات المسلحة اليمنية لـ"إسرائيل" هي إغلاق ميناء "إيلات"، لما لها من تأثير اقتصادي واستراتيجي كبير".
وفي تدوينة على منصة “إكس” كتب "رامون" الذي عمل سابقاً كنائب لـ"رئيس الوزراء" الصهيوني ورأس عدة وزارات: “إلى جانب نيران الصواريخ والطائرات المسيرة، فإن أخطر ضربة استراتيجية وجهها الحوثيون لإسرائيل هي تدمير البوابة الجنوبية لإسرائيل: ميناء إيلات”. وأضاف: “منذ نوفمبر 2023، توقف ميناء "إيلات" عن العمل فعلياً بسبب تهديد صنعاء للسفن التي تعبر البحر الأحمر في طريقها إلى "إسرائيل"، وتُعدّ هذه ضربة استراتيجية خطيرة لـ"إسرائيل"، وتُلحق ضرراً اقتصادياً كبيراً ومستمراً بالاقتصاد الإسرائيلي”.
أما صحيفة “كالكاليست” العبرية فكشفت في تقرير لها أن “إسرائيل” تواجه مأزقًا كبيرًا في حملتها العسكرية ضد اليمنيين، إذ لم تتمكن من ردعهم رغم الغارات المكثفة على الموانئ والمطارات والقيادات الحكومية في اليمن، خاصة بعد فشل كل الاعتداءات الأمريكية السابقة.
وأضافت الصحيفة أن "الهجمات اليمنية، على الرغم من محدوديتها إلا أنها تسببت بأضرار اقتصادية كبيرة لـ”إسرائيل”، معتبرة أن هذه "الخسائر تفوق التوقعات الأولية". وأشارت إلى أن نجاح "اليمنيين في استهداف “مطار بن غوريون” مثّل ضربة قاسية لحركة الطيران الدولية، وألحق أضرارًا جسيمة بقطاع النقل الجوي"، مؤكدة أن "التهديد اليمني ما زال قائمًا بشكل حرفي ومباشر”.
وبحسب الصحيفة، فإن “فشل المحاولات الأمريكية السابقة في ردع اليمنيين يزيد من صعوبة الموقف الإسرائيلي، ويجعل الحكومة في "تل أبيب" أمام معضلة حقيقية في كيفية التعامل مع هذا التحدي المستمر.”
إزاء عجزها عن مواجهة القدرات العسكرية اليمنية، لجأ العدو الإسرائيلي إلى استهداف مدنيين وصحفيين ووزراء في صنعاء، في محاولة بائسة لإظهار القوة. لكن تقارير دولية – منها موقع "دروب سايت" – أكدت أن هذا السلوك يعكس إفلاسًا استراتيجيًا، وأن اليمنيين ما زالوا قادرين على مواصلة عملياتهم بمرونة لامركزية تحصن قدراتهم الأساسية من أي استهداف.
موقع “دروب سايت” الأمريكي أوضح في تقريره أن العدوان الصهيوني على البنية التحتية المدنية، واستهداف الوزراء والصحفيين، جاءت في ظل عجز الكيان عن ضرب القدرات العسكرية الحقيقية للقوات المسلحة اليمنية، فالأهداف العسكرية اليمنية الأساسية موزعة في مواقع محصنة وبعيدة عن المدن والمناطق السكنية، مما يجعل استهدافها أمرًا صعبًا، مبيناً أن هذا التكتيك اليمني في اللامركزية هو نتيجة لسنوات من القتال ضد تحالف العدوان والاحتلال السعودي الإماراتي، مما جعل القوات المسلحة اليمنية تمتلك مرونة كبيرة في مواجهة الضربات الجوية.
وذكر الموقع الأمريكي أن الكيان يواجه صعوبة بالغة في التعامل مع القوات المسلحة اليمنية بسبب الطبيعة اللامركزية لعملياتها، مشيراً إلى أن اليمنيين لا يستخدمون مستودعات وقود مركزية أو مصانع صواريخ كبيرة، بل يعتمدون على شاحنات ومواقع تجميع متفرقة، مبيناً أن الأهداف المهمة ليست بالضرورة القيادات العسكرية، بل الخبراء التقنيون الذين يمتلكون المعرفة في تجميع الصواريخ الباليستية ومضادات السفن، وهو ما يجعل استهدافهم تحديًا إضافيًا للعدو الصهيوني.
وتؤكد المعطيات أن ما يعيشه كيان العدو من انهيار اقتصادي متسارع، لم يكن نتيجة عدوانه على غزة فقط، بل أيضاً ثمرة مباشرة للحصار اليمني الخانق والعمليات النوعية التي تنفذها القوات المسلحة اليمنية بالصواريخ والمسيّرات على المطارات والمنشآت الحيوية الصهيونية، إضافة إلى الحصار البحري المفروض على موانئ العدو في البحر الأحمر وباب المندب والبحر العربي وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط، وهو ما جعل العدو يعيش عزلة خانقة وتراجعاً غير مسبوق في مكانته التجارية والاقتصادية.
وكشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الصهيونية عن صورة قاتمة تُظهر حجم الانهيار الذي يعيشه الكيان بفعل الحصار اليمني البحري، والضربات الصاروخية والمسيّرة التي تستهدف مطاراته ومنشآته الحيوية، إضافة إلى العزلة الدولية المتنامية، حيث أظهرت نتائج مسح اقتصادي أولي أن نصف المصدّرين التابعين لكيان العدو قد ألغوا صفقات تجارية خلال الأشهر الماضية، فيما أكد 76% من المصدرين والمستوردين أنهم تكبدوا خسائر مباشرة بسبب الحرب وتداعياتها.
وبحسب الصحيفة، فإن 84% من الصناعيين أبلغوا عن إلغاءات لعقود وصفقات من الاتحاد الأوروبي، بينما بلغت نسبة الإلغاءات القادمة من الولايات المتحدة 31%، في حين رفض 54% من العملاء الجدد التعامل مع كيان العدو، كما واجه 22% من المستوردين إلغاء طلبيات قائمة.
وأشارت الصحيفة إلى أن التدهور لم يقتصر على الأسواق التقليدية التي أبدت مقاطعة واضحة للكيان، بل وصل حتى إلى الدول التي تُعتبر صديقة، إذ طلبت جهات رسمية فيها إلغاء الاجتماعات التجارية وعدم نشر أي صور أو توثيقات للقاءاتها مع ممثلي كيان العدو.
ونقلت الصحيفة عن "رئيس اتحاد الصناعيين" قوله: "أُصبنا بالذهول من طلب بعض الشركاء مسح جميع الصور وعدم الإعلان عن اللقاء، ففي الماضي كنا نستقبل بترحاب كبير وتُوقّع عقود ممتازة، أما الآن فنشعر بالعزلة والانكماش".
وأكد اتحاد الصناعيين أن العلامة التجارية الصهيونية تضررت بشكل بالغ، وباتت عاجزة عن النفاذ إلى أسواق جديدة، بل وأصبحت مهددة بفقدان حصتها حتى في الأسواق التي كانت تُظهر تعاطفاً معها.
كما حذّر اقتصاديون في وكالة موديز من فقدان "الحكومة" الصهيونية السيطرة على الميزانية وارتفاع العجز والديون، في ظل تفاقم الأزمة المالية والتجارية.
الوقائع والاعترافات العبرية والدولية تضع الكيان الإسرائيلي في زاوية العجز: لا دفاعاتها الجوية المتطورة أفلحت، ولا واشنطن استطاعت إنقاذها، ولا اقتصادها احتمل كلفة المواجهة. أمام هذه الحقيقة، يظهر اليمن كقوة صاعدة تمتلك أدوات الردع البحري والجوي، وتفرض على العدو معادلات جديدة لم تكن في حساباته.
إن اليمن اليوم يشارك في معركة الأمة، كسر شوكة العدو، وأثبت أن الرهان على إيقافه مجرد وهم.