إلى التربويين والأكاديميين الذين علمونا حبَ الوطن..
موقع أنصار الله ||مقالات || نوح جلاس
حب الوطن يعتبر أهم عوامل إستقرار وبناء أي موطن في هذا العالم، وهو شعور ينتاب كل من يريد العيش بوطنٍ عزيزٍ له سيادته وأمنه واستقلاله، وهذا الشعور يدفع كل من يتقلده إلى التقديم والتضحية والعطاء والمثابرة والصبر والتحمل، وحب الوطن هو أحد الجوانب التي يحتويها ديننا الحنيف، لأن كل شيء في الحياة لن يستقيم إلا على موطن أو بيئة تلبي كل مايتطلبه.
ولحبِ الوطن ثمار عظيمة يجنيها كل من يعيش عليه، ويزرعها كلُ حرّ يتبنى حب الوطن بكل صدقٍ وإخلاص، ولكن لن تأتي هذه الثمار حتى يدفع جميع أبناءه فاتورتها، وفاتورتها هي التضحية والفداء والجود بالدم والمال والنفس وكل نفيس في هذه الحياة، مع تحمل كل الصعاب والمشقات وجعل كل الموعقات حافز كبير يشجع على الإصرار والتحدي حتى نهاية المشوار.
ولهذا يحرص كل بلد على أن يربي أبناءه على حبِ الوطن، من بداية مرحلة التربية والتعليم وحتى التعليم العالي والدراسات العُلياء.
ونحن كم تلقينا دروساً في حب الوطن من أساتذتنا التربويين الذين كانوا يجعلون نصب أعينهم الأيديولوجية الوطنية؛ أما بالنسبة للأكاديميين فقد أبحروا وبشكل عميق في جانب التعبئة التوعوية لغرس ثقافة حب الوطن؛ والكثير منهم له مؤلفات عِدّة وجعلوا من أيديولوجية حب الوطن قضيتهم الأساسية أكثر من أي شيء، ويصدرون الشعارات البراقة والأهازيج المثيرة للشغف حباً بالوطن؛ حتى صرنا نعتقد أن الإنسان لم يخلق إلا ليحب الوطن ويخدمه ويضحي من أجله وفي وسبيلة.
ولكن في مرحلةٍ من المراحل نكتشف أن أؤلئك الذين عملوا طويلاً وهم يبرمجون عقولنا على حبِ الوطن قد اتضح أن كل أعمالهم كانت أسفاراً ورقية لابِنية لها وتتهشش بمجرد الإصطدام بأحد الزوايا التي كانوا يوظفون كل جهودهم من أجلها؛ وقد تكون أما زاوية المصلحة أو زاوية الإنتماءات الحزبية أو المذهبية أو الفكرية!.
وصرنا نرى البعض منهم قد باع وطنه مقابل المال او مصلحةٍ يسعى لنيلها، وأيدوا قصف وقتل شعبهم وتدمير وطنهم.
ومنهم من جرته النزعة الحزبية إلى تسويس الوطن من داخله وتهشيمه حتى يتمكن الأعداء من اختراقه بكل سهولة!.
مرحلتنا اليوم بمثابة المجهر الذي يكشف كل الشوائب التي يحتويها الوطن، تلك الشوائب التي لم تكن مرئيةً حتى بينها هذا المجهر” المرحلة الراهنة”.
صرنا نرى الأساتذة و الأكاديميين قد تنحوا تماماً عن مسؤوليتهم في المضي قدماً بهذا الوطن الذي لطالما تغنوا به.
الكل يعرف أن التعليم هو المحرك الرئيسي لعجلة الإرتقاء بالأوطان، ولهذا إذا أراد أي طرف الإنقضاض على طرف آخر فإنه يوجه له الضربة الموجعة والتي تتمثل في صنع شلل كلي للمحرك الذي يحركه، ونحن كشعوب وأمم ودول محركنا الأساسي هو التعليم؛ فإذا توقفت عجلت التعليم توقفت مسيرة هذا الوطن.
وفي ظلِ هذا العدوان العالمي على بلدنا فقد كان إيقاف التعليم هو أول خياراتهم كي يسهُل لهم إنهاء المعركة لصالحهم.
وهنا نجد أن كل من يسعى لإيقاف التعليم هو بالفعل أحد جنود العدوان، وإلا لكان قد أصر وتحدى كي يجاهد من إجل استمرار عجلتها.
نعم؛ كل المثقفين والأكاديميين يعرفون مدى خطورة إيقاف التعليم، كل الذين علمونا حب الوطن يدركون أن الوطن سيموت لو تواطئوا وتنصلوا عن مسؤوليتهم هذه.
فأين تلك الإدعائات بحب الوطن والتشدق به؟، ولماذا أيها التربوي وأيها الأكاديمي تنحيت عن مسؤوليتك هذه التي تعرف أنها أساس بناء الوطن الذي كنت تتغزل به؟.
هل انتماءك هو السبب أم ماذا؟، نعم بكل تأكيد هي نزعتك العنصرية التي جعلتك ترى بأن وطنك وأبناءه لاقيمة لهم تجاه حزبك أو طائفتك!.
لاننكر بأن هناك تربويين وأكاديميين شرفاء أحرار ولكن طغت عليهم الأزمة المادية بسبب الحصار الخانق على بلدنا وحالت دون أن يؤدوا واجبهم الوطني، وهم مع ذلك يثابرون ويضحون ويصبرون كي يقوموا بمسؤوليتهم أمام خالقهم وأمام وطنهم.
ولكن الكثير منهم لديه أكثر من مصدر دخل وله القدرة على أداء عمله بكل سهولة، وحتى إن لاقى صعوبة فإنه سيتجاوزها لو كان صادقاً في حبه وولائه لوطنه؛ ولكنه اتخذ عذراً أقبح من ذنب وهو ” قضية الراتب والأزمة المادية”.
اتخذ هذا وهو يعرف من نقل البنك وانقض على موارد الثروات، ويعرف من حاصر البلد ودمره وقتل شعبه والخ… إلا أن دماء العنصرية والحزبية تتدفق في عروقه أكثر من دماء الوطنية والأمانة..
يامن تدعون حب الوطن هنا الوطن يناديكم ويقول لكم لاتوقفوا عجلة مركبتي وتعيقوا جناح تحليقي ” التعليم “.
فلا تقرروا خذلان الوطن بسبب دوافع قد لاتساوي شيئاً أمام إصراركم وإخلاصكم ومصداقيتكم وتضحيتكم وصبركم من أجل ما كنتم تحدثونا عنه وتعلمونا إياه…”حب الوطن”…