محاضرة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي بعنوان ” غزوة بدر الكبرى ” رمضان 1438هـ
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارض اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وتقبّل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال في هذا الشهر المبارك.
اليوم السابع عشر من شهر رمضان في السنة الثانية للهجرة هو يوم عظيم ويوم تاريخي مجيد، ويوم فاصل في تاريخ الأمة الإسلامية وفي تاريخ البشرية بكلها، يوم من أيام الله، يوم أسماه الله سبحانه وتع إلى في كتابه الكريم بيوم الفرقان، (وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان)، يوم فارق وفاصل واستثنائي، ويوم كان فيما بعده وفيما قبله يوما مميزا، يوما فاصلا بكل ما تعنيه الكلمة، الذكرى المهمة، ذكرى غزوة بدر الكبرى أتت في شهر رمضان، كما أيضا ذكرى أخرى مهمة في التاريخ الإسلامي هي ذكرى فتح مكة كأنت في الثامن من شهر رمضان.
أمتُنا اليوم فيما تواجهه من تحديات وشعوبنا العربية المسلمة وشعوبنا الإسلامية كافة فيما تواجهه من تحديات ومخاطر في أمَسِّ الحاجة من الاستفادة من تاريخها، ومن أهم ما تستفيد به من تاريخها الاستفادة من السيرة النبوية ومن الوقائع المهمة التي كأنت في عهد النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، الأسوة والقدوة الذي قال الله عنه في كتابه الكريم: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذَكَر اللهَ كثيرا)، غزوة بدر الكبرى، ما أهم ما يتعلق بهذه الحادثة من دروس وعبر؟ نحن بالـتأكيد لن ندخل في كل التفاصيل المتعلقة بهذه الواقعة المهمة والحادثة التاريخية المهمة، يهمنا البعض من الدروس، البعض من العبر التي نرى أنفسنا بأمس الحاجة إليها، مع أنه من المهم على المستوى التثقيفي وعلى المستوى التعليمي في أوساط الأمة الإلمام بهذه الحادثة في تفاصيلها، لأن في كل جزئية من تفاصيلها عبرة ودرس، ولكن مقام الحديث في محاضرة أو كلمة، الوقت فيه عادة يكون ضيقا والتركيز فيه عادة على الأهم فالأهم.
ما هي طبيعة هذه المشكلة ومع من؟ كل الذين يقرأون التاريخ الإسلامي ويعرفون بداية الدعوة الإسلامية، الكل يعرف أن من وقف منذ اللحظة الأولى عدوا للرسالة الإسلامية وعدوا للإسلام وعدوا للمسلمين، منذ البداية كان هو قريش، سكان مكة، كانوا ساكنين في مكة المكرمة، وقريش قبيلة كبيرة من كبريات القبائل العربية تندرج فيها قبائل فرعية وبطون متعددة، وتتمتع قريش بمكانة في الواقع العربي ونفوذ على مستوى المنطقة العربية وعلى مستوى بقية القبائل العربية، قريش كانوا هم قوم النبي صلوات الله عليه وعلى آله، وقريش كانوا هم ذرية نبي الله إسماعيل عليه السلام، وتمركزهم في مكة المكرمة حيث توجد الكعبة وحيث توجد مشاعر الحج أعطاهم مكانة واعتبارا في الوسط العربي بكله، وأتاح لهم ظروفا استثنائية من حيث الاستقرار، من حيث الزعامة الاعتبارية في الوسط العربي، من حيث الرخاء الاقتصادي نتيجة أن الله سبحانه وتع إلى أراد لسكان تلك البقعة المحترمة، بقعة الكعبة وبقعة مشاعر الحج أن يعيش أهلها رغد العيش ضمن دعوة نبي الله إبراهيم وحكمة الله سبحانه وتع إلى لما يساعده ذلك، استقرار ولو نسبي تجاه الحج وتجاه الحجاج، الحج كان فريضة متوارثة منذ عهد نبي الله إبراهيم وقائمة في أوساط العرب، مكة تحظى باحترام لدى العرب كافة، مشاعر الحج مشاعر لا زالت متوارثة لدى العرب ويَفِدُون من شتى المناطق في موسم الحج إلى الحج، وكذلك التقديس للكعبة واحترام مكأنتها الدينية حالة قائمة في الوسط العربي توارثها العرب وعبر الأجيال منذ عهد نبي الله إبراهيم وعهد نبي الله إسماعيل عليهما السلام.
قريش من هذا الموقع، من موقعها ومكأنتها المحترمة في الوسط العربي، وبما تمثله من قوة اعتبارية، قوة رمزية قوة عسكرية، رخاء وتمكن اقتصادي، كان لها موقف سلبي من الرسالة الإسلامية بسبب البعض من زعمائها الذين رأوا في الإسلام أنه يهدد مكأنتهم التي تستند إلى ممارسات ظالمة، وتستند إلى سلوكيات ظالمة وخاطئة، وجاهة مصطنعة تعتمد على الثروة المادية وتعتمد على الوجاهة والنفوذ الذي هو مستمد من الممارسات الظالمة، من القمع من التكبر من الغرور، فأن يأتي الإسلام بمبادئه العظيمة بأخلاقه بمنهجيته التي تحرر البشر من كل أشكال الاستغلال والاستعباد، رأى أولئك الزعماء في الإسلام دينا يهدد نفوذهم الذي هو حالة من الاستعباد، هذه مشكلتهم، يعني لم يكن الإسلام خطرا ظالما، ولا خطرا طاغيا، ولا خطرا، ولا حالة سلبية تستفز الآخرين فيتخذون منها موقفا معاديا محقا، لا، هناك الملأ الذين لهم نفوذ هو نفوذ استعبادي واستغلالي ظالم للمستضعفين من حولهم، وله من يناصره وله من يؤيده إما طمعا وإما خوفا، فرأوا في الإسلام حالة تهدد هذا النفوذ هذا الاستغلال هذا الاستعباد، هذه السيطرة الظالمة، وهذه الإمكانات المادية، الثروة المادية التي تُجمع بكل الوسائل المحرمة والظالمة والباطلة، وهناك عوامل دخلت إلى هذا الجانب، لكن يعتبر هذا الموقف جوهريا وأساسيا في المشكلة، فكان موقفهم من الإسلام منذ اللحظة الأولى موقفا معاديا، وتحركوا ضد الإسلام في مكة والنبي صلوات الله عليه وعلى آله ما قبل الهجرة يتحرك في مكة، تحركوا بكل عداء، بالدعاية الإعلامية المعتمدة على الأكاذيب والافتراءات وكذلك بالترهيب، فكانوا يعتقلون المستضعفين الذين ينتمون إلى الإسلام ويقومون بتعذيبهم، وتصل حالة التعذيب في بعض الأحيان إلى القتل مثلما حصل لياسر وزوجته حيث استشهدا تحت التعذيب، وتصل الحالة أيضا من الممارسات هذه في التعذيب والسجن والاضطهاد والمقاطعة والحصار الاقتصادي وكل أشكال الاستهداف تضطر الكثير من المسلمين إلى الهجرة من مكة، فهاجر البعض منهم إلى الحبشة، ومع ذلك استمر النبي صلوات الله عليه وعلى آله وسلم يقيم الحجة عليهم ويتحرك بدعوة الإسلام في أوساط مكة ويستفيد من التواجد في مكة لمجيء العرب إليها من كل البلدان وكل القبائل العربية، يستفيد من هذا الموقع ويستفيد من موسم الحج لإيصال صوت الإسلام إلى أوسع نطاق ممكن، لم يألُ أولئك الزعماء، زعماء بني أمية وأبو جهل ومن إليهم، لم يألوا جهدا في محاربة الإسلام بكل الأشكال ومع طول الفترة وتوسع نطاق الدعوة الإسلامية وانزعاجهم أشد من تنامي الإسلام، ولو أنه كان في المرحلة المكية تناميا محدودا، لكن كان مزعجا بالنسبة لهم، فتحركوا بكل جهد، ووصل الأمر إلى السعي لقتل النبي صلوات الله عليه وعلى آله وتصفيته، تآمروا عليه، ودرسوا ثلاث خيارات، إما السجن والاعتقال للنبي صلوات الله عليه وعلى آله، إما النفي، إما القتل، وأقروا في اجتماعهم المشهور في دار الندوة إجراء القتل، وخيار القتل والتصفية للنبي صلوات الله عليه وعلى آله وسلم، فشلت المهمة التي أسندوها إلى عدد من فرسانهم، اختاروهم من مختلف القبائل والبطون في قريش، وكأنت العملية المشهورة التي فدى الإمام علي عليه السلام رسول الله بنفسه فيها في ليلة المبيت على فراش النبي صلوات الله عليه وعلى آله، ونجاه الله بالطبع، نجى الله الإمام عليا، الرسول صلوات الله عليه وعلى آله تمكن من الهجرة إلى المدينة المنورة واستقبله الأنصار اليمانيون، الأوس والخزرج وأووه ونصروه، وحملوا راية الإسلام معه، ما بعد هجرة النبي صلوات الله عليه وعلى آله من مكة، لم تتوقف قريش عن عدائها للإسلام، في مستوى الممارسات الإجرامية، ممارسات القمع والتعذيب والاضطهاد للمسلمين الذين هم تحت الأسر وتحت الاعتقال في مكة نفسها، وتحت الاستضعاف والقهر، أضف إلى ذلك كل من يمكن أن يشهر إسلامه في مكة سيكون هدفا إما للقتل وإما للاعتقال والتعذيب والاضطهاد إلا القليل النادر الذين لهم حماية لاعتبارات أسرية أو قومية أو نحو ذلك، وهم حالات قليلة، ولكن ليس على هذا المستوى فحسب، قريش كأنت مهتمة وكأنت مستمرة في عدائها للإسلام ما بعد الهجرة للنبي إلى المدينة، وبدأت بتحركها الواسع في المحيط العربي، مستفيدة من علاقاتها ومن نفوذها بين أوساط القبائل، فحرصت على حصار الإسلام وحصار المسلمين في المدينة المنورة، وأن تنشط بين أوساط القبائل العربية حتى تكون بكلها مقاطعة للإسلام ومقاطعة للمسلمين وعاملة على فرض حظر اقتصادي، وهذا ما لم يركز عليه الكثير من المؤرخين، مع أن هذا مذكور في التاريخ مذكور في السيرة كيف نشطوا على فرض حظر اقتصادي، وأن تكون الحركة التجارية للمسلمين من المدينة في الأسفار والتنقل إلى المناطق العربية الأخرى محفوفة بالمخاطر وعُرضة للاستهداف وعرضة للقمع وعرضة للقتل، وهذا في المرحلة الأولى سبب ضائقة للمسلمين في المدينة المنورة ونتج عنه المعاناة، أصبحت مسألة السفر للتجارة إلى أي من المناطق البعيدة في الواقع العربي مغامرة ومخاطرة ويمكن ألا يعود المسلم الذي يسافر في تجارة، إما لشراء بضاعة وإما لبيع بضاعة، وحتى عملية الاستهداف بالقتل مسألة واردة، بدأت قريش أيضا تعد العدة للحرب العسكرية على النبي صلوات الله عليه وعلى آله وبدأت بالتحضير لعملية عسكرية واسعة تستهدف النبي والمسلمين إلى المدينة، وبدأت ضمن خطواتها هذه بالإعداد الاقتصادي، أعدت لقافلة تجارية كأنت من أهم القوافل التجارية ومن أكبرها، لماذا؟ قالوا لتكون هذه القافلة قافلة التموين للعملية العسكرية التي ستتحرك للقضاء على النبي صلوات الله عليه وعلى آله وعلى المسلمين في المدينة، وحرَّك هذه القافلة زعيمُ الشرك والمشركين أبو سفيان بنفسه، هذا يدل على مدى الأهمية الكبيرة لهذه القافلة التجارية، قافلة التموين للعملية العسكرية وانطلقت هذه القافلة التجارية التي هي ذات طابع عسكري ولهدف عسكري، فإذن نحن أمام عدو واضح، عدو حارب الإسلام من يومه الأول، فتن وعذب وحارب إعلاميا وضايق وهجَّر وأخذ الأموال ونهب الممتلكات في مكة، وعمل كل شيء، عدو صريح عدو واضح، عدو متحرك بكل أنشطته العدائية التي قتل فيها وعذب فيها وسجن فيها وتآمر فيها وفعل كل ما يستطيعه فيها وصولا إلى سعيه الجاد والفعلي لقتل النبي صلوات الله عليه وعلى آله، عدو واضح وعدو صريح وعدو مبين، كما يقول الله سبحانه وتع إلى في القرآن عن الشيطان، عدو مبين، حمل راية الشرك، راية الطغيان راية الظلم، راية الطاغوت راية الكفر، راية العدأوة للإسلام والمسلمين ونبي الإسلام، وتحرك مستفيدا من قوته العسكرية من إمكاناته المادية، التي كأنت إمكانيات ضخمة آنذاك وموقعه الاجتماعي الاعتباري الذي حأول أن يستغل فيه تواجده في مكة في بيت الله الحرام، كما يفعل اليوم النظام السعودي الذي يسوق لنفسه ويجعل من سيطرته على مشاعر الحج وعلى الكعبة البيت الحرام وسيلة دعائية، وبدلا من أن يكون صادقا فيما يسمي به نفسه أنه خادم للحرمين الشريفين، هو مستغل للحرمين الشريفين، فهو يمارس من خلال ذلك دعاية إعلامية، مارسها قبله أولئك، فحأولوا أن يجعلوا من هذا من مكأنتهم هذه ومن موقعهم هذا وسيلة دعائية لخداع الكثير من الناس آنذاك، والله قال في كتابه الكريم: (وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون)، قال أيضا: (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر)، فإذن هذا العدو اللدود الذي ابتدأ بالعدأوة في كل أشكالها قتلا وسجنا وتعذيبا واستهدافا دعائيا وحربا اقتصادية من الطبيعي أن يتحرك المسلمون للتصدي لهذا العدو، الله جل شأنه أنزل في كتابه الكريم لما تسمى المرحلة الجديدة في التاريخ الإسلامي، المرحلة العسكرية، مرحلة الجهاد مرحلة التحرك العسكري للتصدي لهذا العدو أنزل قوله سبحانه وتع إلى في كتابه الكريم: (أُذن للذين يُقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز)، أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا، إن الله أراد لعباده المظلومين والمضطهدين والمستهدفين حتى عسكريا بغير حق يمتلكه أعداؤهم في استهدافهم، من موقع المظلومية، الذين يقاتلون بأنهم ظلموا، من موقع المظلومية من موقع المعتدى عليهم بغير حق، أراد الله لهم أن يتحركوا أن يتصدوا لهذا الخطر لهذا الاستهداف، إن الله جل شأنه لا يريد لعباده المظلومين المضطهدين وبالذات عندما يكون الاضطهاد لهم والاستهداف لهم من موقع أنتمائهم للحق، ذنبهم هو أنتماؤهم للحق، ذنبهم هو تحررهم من هيمنة الطاغوت ومن سيطرة المستكبرين، من سيطرة الظالمين، من سيطرة الطغاة والمستكبرين، فيكون هذا ذنب كبير بالنسبة لهم، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، هذه حالة تحرر، تحرر، المستضعفون يتحررون فيها من السيطرة للطغاة للمستكبرين للظالمين للمجرمين، وللمستكبرين بما تعنيه الكلمة الذين يستندون إلى نفوذهم إلى جبروتهم إلى قوتهم المادية، إلى سيطرتهم العسكرية إلى تكبرهم إلى حرصهم على أن يكونوا هم المسيطرين سيطرة تامة على النفوذ الناس، والمصادرين للإرادة وللحرية وللكرامة للناس، أذن لهؤلاء المظلومين باعتبار أنهم مظلومين من موقعهم في المظلومية أُذن لهم من الله أن يقاتلوا، أن يتحركوا بكل ما يستطيعون وبكل الطرق المشروعة للتصدي للأعداء، فهنا يوصف الموقف من المظلومين، المستندين في مظلوميتهم في أنتمائهم للحق وفي تحررهم للطواغيت والمستكبرين والظالمين والمجرمين، ليكون هذا بالنسبة لأولئك سببا في استهدافهم وظلمهم، أُذن لهم من الله أن يقاتلوا، أن يدافعوا عن أنفسهم عن حريتهم عن كرامتهم، أن يدافعوا عن أنتمائهم للحق فلا يقبلوا بأن يُظلموا وأن يُستهدفوا وأن يُقهروا، وأن يتحكم الطاغوت حتى في هويتهم حتى في أنتمائهم وحتى في ثقافتهم وحتى في خياراتهم في هذه الحياة، فأنت أمام شرعية إلهية، أمام إذن من الله رب الناس ملك الناس إله الناس، الملك العظيم، ولذلك النبي صلوات الله عليه وعلى آله ومن معه من المسلمين هم تحركوا بدءا من هذه الشرعية، الشرعية الإلهية، الإذن الإلهي، إذن الله لعباده، المظلومين في مواجهة ظالميهم، إذن الله لعباده المنتمين للحق المتحررين بهذا الأنتماء إلى الحق من هيمنة الظالمين وهيمنة المستكبرين وسيطرة الطاغوت في الدفاع عن أنتمائهم هذا وهويتهم هذه، أذن الله لهم فتحركوا بهذه المشروعية، وهذا ركن أساس في الجهاد في سبيل الله، الإذن الإلهي المشروعية الإلهية، وهي المشروعية الحقة، هي المشروعية الصادقة، هي المشروعية الحقيقية والفعلية، ما عداها كلام في كلام.
كيف تحظى بالإذن الإلهي؟ حينما تكون مظلوما، الظالم إذا اتخذ قرارا بالحرب، المستكبر الطاغي إذا اتخذ قرار بالحرب لا شرعية أبدا لقراره، سواءً حظي بموافقة دولية، سواءً سانده مجلس الأمن، سواءً ساندته الأمن المتحدة، سواءً تجتمع من أجله الجامعة العربية، سواءً اجتمع من أجله طواغيت هذه الأرض، وكل المستكبرين في هذه الأرض وكل المجرمين في هذه الأرض سواءً حمل صفة رئيس، صفة ملك، صفة زعيم، صفة دولة، صفة حكومة، صفة جيش، لا تكتسب الشرعية من الصفة ما تكتسب من الصفة، تسمي نفسك رئيس فيكون لتصرفك شرعية تفعل ما تشاء وتريد لو أردت أن تقتل كل أطفال الدنيا لم يصبح هناك مشكلة، أو ملك أو نظام أو سلطة لا.. الشرعية تعود إلى حقيقة الفعل في دافعه وفي ممارساته، فلذلك لاحظوا كأنت هذه المظلومية للمسلمين للنبي صلوات الله عليه وعلى آله، كأنت مظلوميتهم في أنهم معتدى عليهم وحوربوا منذ اليوم الأول من مسيرة الإسلام وأعتدي عليهم بغير وجه حق بالسجن وبالقتل وبالتهجير ثم بالملاحقة والاستهداف والمضايقات والمؤامرات والمكائد إلى حيث قد هاجروا، كأنت مشروعيتهم التي عبر عنها القرآن “بأنهم ظلموا” لاحظوا معي بأنهم ظلموا” مظلوم يمتلك الشرعية الإلهية هذه الشرعية الحقيقة بأنهم ظلموا وفي أنهم مستهدفون لأنتمائهم للحق وتحررهم من قوى الطاغوت المستكبرة، الظالمة، المجرمة، المبطلة، التي تريد أن تستحوذ عليهم أن تستعبدهم والله لا يأذن لعباده أن يقبلوا بالاستعباد أبدا أبدا، هذه مبادئ كبيرة في الإسلام ما أحوج شعوبنا اليوم إلى أن تتشبث بها أن تتمسك بها كل التمسك لأن السبيل اليوم إلى تحريرنا كشعوب نحن شعوب مظلومة نحن شعوب مقهورة، نحن شعوب التحدي الذي نواجهه من الآخرين ليس تحديا على أمننا واقتصادنا واستقرارنا هذا التحدي هو تحدٍ على حريتنا على كرامتنا، السبيل اليوم إلى أن نمتلك الحرية وأن نصل إلى التحرر كشعوب إسلامية وشعوب عربية مضطهدة لن يكون إلا بهذه المبادئ، لن يكون إلا بهذه القيم، لن يكون إلا بهذه المنهجية، لن يكون إلا من هذا الطريق طريق الرسول صلوات عليه وعلى آله طريق التحرر الحقيقي وإلا إذا كان أبو جهل وكان أبو سفيان وكأنت قوة قريش ومن معها آنذاك تمثل القوة الطاغية المستكبرة قوة الطاغوت الذي يسعى إلى أن يتحكم في الناس وأن يسيطر على الناس السيطرة المطلقة، أن يصادر حريتهم أن يمتلك عليهم حتى عبوديتهم لله فيكون أمره هو الأعلى وتكون كلمته هي الأعلى وتكون إرادته هي الأعلى حتى فوق التوجيه الإلهي، فيكون هو الذي يأخذ مقام الربوبية، مقام الربوبية، نكون له ما يريده فينا فحسب هو الذي نلتزم به وهو الذي نطيعه هذه هي الربوبية عندما يريد أن يستحوذ علينا استحواذا كاملا، يصادر فيه علينا كل إرادة كل موقف كل توجه وأن ما يأمرنا به ويوجهنا به ويريده، لنا فعلينا الإنصياع التام له وإلا واجهنا الكثير من التهم وكنا في دائرة الاستهداف وفي محط الاستهداف بكل أشكاله، فإذًا اليوم أمتنا الإسلامية شعوبنا المستضعفة هي في أمس الحاجة أن تعود من موقعها اليوم وهي تسعى للتحرر وهي تواجه التحديات من هذا الموقع تعود إلى غزوة بدر عودة من يستفيد من هذه المبادئ، من هذه القيم، من هذه المدرسة، عودة من يرى في النبي صلوات الله عليه وآله القائد والقدوة والأسوة هذا أولاً.
ثانيا: النبي صلوات الله عليه وآله وهو يتحرك في هذه المرحلة الجديدة، المواجهة العسكرية من ظروف متواضعة، قلة إمكانات، وقلة عدد، وقلة عدة، في جو محاط بالترهيب من واقع الاستضعاف والقهر، هذا يمثل درسا مهما لنا نحن في أمس الحاجة للاستفادة منه، بالتأكيد في ظروف كهذه من واقع الاستضعاف في مواجهة القوة المتمكنة المستكبرة ذات العدد والعدة القدرة والإمكانات والهيبة والنفوذ والسيطرة الإعلامية تلقى بعض المشاكل ولهذا نتحدث على أساس أننا سنستمر إن شاء الله ضمن سلسلة محاضرات إما ثلاث محاضرات، أو بقدر ما نستطيع أن نلم بأهم ما في الموضوع، اليوم البداية نتحدث عن بداية الموقف الله يقول للنبي صلوات الله عليه وآله: (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون. يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون) الآية من سورة الأنفال. سورة الأنفال وثقت لنا وقعة بدر ولكن ضمن التوثيق القرآني التوثيق العظيم الذي يجعل من الواقعة والحادثة مدرسة غنية كل الغنى بكل ما نحتاجه إليه من معرفة من دروس تربوية عقائدية وكذلك من تعليمات مهمة عن الجهاد في سبيل الله وعن التصدي للمستكبرين والطغاة والظالمين من أعداء الله، فشكلت هذه السورة أو قدمت لنا الواقعة تقديما نستفيد منه في كل المراحل، في كل الظروف، في مواجهة كل التحديات وكل الأعداء وكل المستكبرين وكل قوى الطاغوت، نأتي هنا إلى النص القرآني وما أجمل النص القرآني وما أكبر الفارق بينه وبين صياغة وتقديم المؤرخين وأصحاب السير.
(كما أخرجك ربك من بيتك بالحق) لاحظوا نرى هنا السياق أو الآية من سورة الأنفال بالتأكيد في سياق وقعة بدر، ولذلك نحن لا نرى رأي بعض المفسرين وبعض أصحاب السير أن الآية هنا يقصد بها واقعة احد لا.. المقصود بها بالتأكيد وقعة بدر وهي في سياقها وسورة الأنفال وثقت لنا واقعة بدر “كما أخرجك ربك من بيتك بالحق” النبي صلوات الله عليه وآله من موقعه العظيم في دين الله، رسولا ونبيا من موقع الأسوة والقدوة والتدين، هذا فيه درس مهم جدا، لاحظوا هناك في ساحتنا العربية في ساحاتنا الإسلامية، في واقعنا الشعبي رُسمت صورة نمطية عن الدين والتدين ليست واقعية أبدا حُذفت منها المسئولية العامة، حُذفت منها الاهتمامات العامة، بل صُور الجهاد في سبيل الله والتحرك العسكري والتصدي للأعداء، والتحرر من الأعداء صُور فيه وكأنه لا صلة له من قريب ولا من بعيد بالدين والتدين وكأن التدين هو حالة من الخنوع والاستسلام والخضوع والانعزال عن شئون هذه الحياةن وعن أحداث هذه الحياة، وعن ظروف هذه الحياة، وعن مشاكل هذه الحياة، والصورة النمطية للإنسان المتدين هو ذلك الذي يذهب إلى المسجد ويعود إلى منزله ولا شأن له بأي شيء من أحداث هذه الحياة وظروف هذه الحياة.
هناك اليوم في واقع الأمة فئة واسعة تحمل هذا التصور المغلوط بالتأكيد، وفي ذهنيتها صورة نمطية عن المتدينين هي الصورة التي عليها بعض المتدينين الجهلة في هذا الزمن وقبل هذا الزمن من الذين يحولون الدين رهبانية وانعزالاً عن المسؤوليات العامة وعن الاهتمامات العامة وعن المشاكل الكبرى وعن التحديات والأخطار، دين ليس فيه أي موقف تجاه أي ظالم ولا أي ظلم ولا أي مستكبر ولا أي خطر ولا أي تحد، ينعزل فيه الإنسان، فيذهب إلى المسجد ليؤدي صلواته، له شكل معين، له ملابس معينة، له سيما معينة، يبدو عليها، حالة من البهطلة، حالة من الخنوع، حالة من الإبقاء للرأس نحو الأسفل، حالة معينة وله زي معين وشكل معين، نمط معين! أصبح هو النمط المتدين!
أما ذلك الذي يذهب من المنتمين للإسلام، عنده اهتمام بأمر أمته، عنده التفاته جادة إلى الواقع، عنده إدراك للمخاطر والتحديات والمظالم والأمور الفظيعة والرهيبة التي تشكل تحدياً شاملاً على الأمة بدينها ودنياها، عنده ألم وهم بأمته، هذا سياسي! هذا ما يصلح! هذا لم يعد متديناً كما ينبغي!
وفعلاً نحن في واقع الانتماء الديني أمام أشكال متعددة، وأمام شكل يأخذ هذا التوجه هذا النمط، هذا المسار من التدين، الحالة الانعزالية عن الهم العام وعن المسؤوليات العامة، عن التحديات وعن الأخطار! هذا نمط سلبي، هذا لا يمثل الدين بحقيقته.
النبي هو القدوة في تقديم النموذج الحقيقي للمسلمين وللإسلام، هناك نموذج آخر أيضاً سلبي، في غاية السلبية، هو النموذج الذي يستغل الدين عنواناً ويوظف الدين شكلاً ولكنه بعيد كل البعد عن مبادئ هذا الدين الحقيقية، عن أخلاقيات هذا الدين الحقيقية، عن هذا الدين كمشروع حقيقي للحياة، هذا النموذج نراه أيضاً، مثل ما عليه النموذج الداعشي، هذا نموذج يستغل الدين، ويستغل شكليات من الدين، شعائر وعناوين معينة، ولكنه بعيد عن المبادئ الكبرى لهذا الدين، عن الأخلاقيات البارزة الواضحة العظيمة المهمة لهذا الدين، عن المشروع الفعلي لهذا الدين.
نرى النظام السعودي الذي يلبس عباءة الدين وعباءة الإسلام كحالة استغلالية توظيفية شكلية، ثم يفتضح.. يفتضح، وهذه الفئة هي مفضوحة لأنها مخلة بمبادئ رئيسية في الإسلام وأخلاقيات كبيرة في الإسلام ومسارات واضحة للإسلام، ويمكن إن شاء الله أن نتحدث عن بعض التفاصيل بهذا الشأن.
فإذاً النموذج الاعتزالي الذي يحسب نفسه على الإسلام ثم يتهرب عن المسؤوليات والمواقف في هذا الإسلام، يريد إسلام بدون مواقف! هذا لا يقتدي بالنبي، النبي هو هذا رجل يتحرك حاملاً للمسؤولية، يتحرك للتصدي للأعداء، (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ)، مابش ابقى في بيتك ما لك حاجة، ومن بيتك إلى مسجدك! (أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ) خرَّجه من بيته، يا الله.. اسرح.. ألهم الله.. تحرك.. جاهد.. (أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ).
كل أصحاب مبدأ “من منزلك إلى مسجدك.. ما لك حاجة.. ما لك دخل.. لا تدخل نفسك في مشاكل الناس الآخرين.. صلِّ وصم.. زكّي تصدق.. قم بهذه الشعائر.. واترك لك من هذه المشاكل يا أخي”!! هؤلاء لهم نموذج أو لهم توجه يختلف عما كان عليه الرسول القدوة والأسوة في تقديم الدين وتعاليم الدين.
ثانياً: المتنصلون عن المسؤولية والمتهربون منها، والذين يعفون أنفسهم بكل بساطة، يعطون أنفسهم ترخيصاً! هؤلاء “منكتين” على حسب تعبيرنا المحلي، يعطي نفسه ترخيص! ويعفي نفسه بكل راحة بال من المسؤولية! خلاص.. أنا لا أريد أن أتحمل أي مسؤولية في هذه الحياة! أنا سآخذ من هذا الإسلام صلاته وصيامه وبعض الشعائر فيه، بعض الالتزامات فيه، بالحدود التي اعتادها، وبالمقدار الذي لا يضايقني، ولا أتحمل فيه أي مشاق كبيرة أو أشياء لا تعجبني! لا دخل لي ولا علاقة لي لا بمشاكل لا بأحداث لا بمسؤوليات لا بمواقف!! يريد الراحة لنفسه، لا يريد أن يدخل في مسؤوليات لها شكل معين من المعاناة أو المشاق!!
لا.. يا أخي إذا أنت تنتمي للإسلام، انظر نبي الإسلام بمقامه العظيم بمكانته ومنزلته العالية عن الله لم يعفى من المسؤولية، لم يرخص له أن يبقى في منزله في بيته ويتنصل عن المهام والأحداث ويترهبن، ولربما لو قبل بهذا المسار، مسار الرهبنة أمكن أن يدهن مع الأعداء وأن يُحتوى، وأن يكون كما حال النظام السعودي، حالة دينية ولكن تحت الاحتواء، تصلي.. لا بأس.. لكن وتشتغل لأبو جهل.. تسرح تنفذ أجندته ومؤامراته ومكائده، وبوقاً له، وداعية له، وتُخضع الأمة لمصالحه ومؤامراته.. لا بأس!! حالة احتوائية!!
لكن لا، الإسلام في جوهرة الحقيقي التحرري، بين قوسين، بين معكوفين، بين هلالين “التحرري”. عموماً، (أَخْرَجَكَ رَبُّكَ)، الله، أمر إلهي، أمر من الله، ولم يكن حتى اجتهاداً شخصياً ولا رأياً شخصياً، أنه هكذا الإسلام، دين مواقف، دين حرية، دين كرامة.
لا تنتظر في بيتك، في داخل منزلك، إلى أن يصل العدو إلى منزلك فيدوسك بحذائه، ويخضعك ويهينك ويستهدفك.
هو دين مبادرة، فيه مسارعة، فيه تحرك بإباء وعزم وجد وصدق وروحية عالية وكرامة للتصدي للعدو، هذا الذي يريده الله، هذا الذي يوجه إليه الله سبحانه وتعالى.
(كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ) هذه أيضاً مسألة مهمة للغاية وأساسية في التحرك، أن يكون بالحق.
التحرك ظلماً.. ليس بالحق، التحرك عدواناً جائراً.. ليس بالحق، التحرك في صف الطغاة والمستكبرين.. ليس بالحق.
نحن قلنا في العدوان علينا على بلدنا، هذا عدوان على رأسه أمريكا، أعلى رايه فيه، أعلى رأس فيه مدبّر، أعلى قيادة فيه موجه، هي أمريكا، بالتأكيد لن يكون ما تحتها، لا في مستوى السعودي والإماراتي، ولا في مستوى المنافقين من بلدنا والتشكيلات المنطلقة معهم من بلدنا، لن تكون بالحق.. أبداً، لن تكون أمريكا جهة حق.
هنا الله جهة حق، الله أذن للمظلومين بالحق، أن يتحركوا في مواجهة الظالمين، أذن لعباده المتحررين من قوى الطاغوت والاستكبار أن تتصدى لمن يسعى من قوى الطاغوت لإركاعها والسيطرة عليها والتحكم بها، أذن في التحرك، هذه بالحق، شرعية حقيقية، بالحق، فكان تحركاً معتمدا على الحق ومحقاً بإذن من الله يستند إلى مبادئ، يعتمد على قيم، يتحرك لا ظالماً ولا معتديا ولا باطلا ولا لفرض فرضيات باطلة، فرضيات جائرة، فرضيات مستكبرة، فرضيات استعبادية، لا.. (وإن فريقا من المؤمنين لكارهون. يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون) البعض كانوا من المنتسبين للإسلام كانوا كارهين لهذا التحرك وسجلوا موقفاً اعتراضيا لا حظوا، سجلوا موقفاً اعتراضيا في الإسلام وذهبوا ليجادلوا من ؟ ليجادلوا النبي صلوات الله وعلى آله، هذه مشكله الجبن والخوف خطيرة جداً، تجعلك مستعد تجادل رسول الله يعني لاشك في أن الخيار الذي يحدده النبي بأمر من الله، والقرار الذي أتخذه بأمر من الله سبحانه وتعالى أنه قرار محق وقرار صحيح وموقف سليم، هذا أمر بديهي أمام رسول الله أنت كمسلم تنظر إلى الموقف وتتطلع إلى الموقف الذي فيه رسول الله يتحرك متخذاً بقراره بأمر من الله أنه قرار حق وصحيح بما تعنيه الكلمة وسليم، لكن العامل النفسي خطير جداً العامل النفسي حالة الخوف الشديد، القلق الشديد، الضغط النفسي، الاعتبارات والحسابات الطويلة والعريضة تجعل الإنسان بسبب هذه المخاوف يشك إما في القرار أو حتى لو لم يشك في القرار ورأه قراراً صحيحاً وقد اتضح أنه قرار صحيح يبقى عنده اعتراض عليه ومحاولة للتنصل عنه أوثني القيادة عن اتخاذ هذا القرار وتسجيل موقف (وإن فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعدما تبين) يجادلونك، يجادلون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحق ليسوا مصيبين في موقفهم نقول أنهم يصححون على النبي انحرافه حاشاه، صلوات الله عليه وعلى آله من موقعه معصوما ومحفوظا من الله ومسددا من الله ومؤيداً من الله، ولكن هم يجادلونه فيما هو حق فيما هو عليه من الموقف الحق والقرار الحق بعدما تبين لاحظوا وقد تبين هذا الحق لم تكن المسألة خافية عليهم ومشتبهة عليهم وملتبسة عليهم لا، قد اتضح لهم لكن هكذا تفعل المخاوف الزائدة والحسابات المغلوطة الضاغطة التي تجعل البعض متردداً متذبذبا يرى في القرار قراراً متهورا ومتسرعا ويحاول أن يثني عليه ويردد الحسابات المتعلقة بإمكانات الأعداء وقدراتهم وما يمكن أن يترتب على هذا القرار من حسابات واعتبارات وسيفتح مشكلة كبيرة وسيحصل كذا وهكذا، تحرك النبي صلوات الله عليه وعلى آله كان عليه هذا الاعتراض من بعض المؤمنين، وكان أمامك فئة أخرى أيضا غير فئة المؤمنين والمنتسبين في الإسلام، الفئة الأخرى هذه هي فئة المنافقون، فئة المنافقين والذين في قلوبهم مرض وهي أيضا تسجل لها موقفها عند الأحداث عند المستجدات عند المواقف، لابد أن يظهر ما يعبر عنها في أوساط الساحة، (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم) المنافقون والذين في قلوبهم مرض سجلوا موقفاً مختلفاً موقفاً مسيئاً حتى واعتبروا المؤمنين الذين نهضوا للتحرك بالمسئولية والقيام بالمسئولية والقيام بما عليهم القيام به اعتبروهم مغرورين ومخدوعين، مخدوعين بدينهم بمبادئهم تلك بتوجيهات الله تلك، ومنخدعين وغير واقعيين ولا فاهمين ولا إلى آخره، (ومن يتوكل على الله فان الله عزيزُ حكيم) فالنبي تحرك بالرغم من كل هذه الحالة القائمة في الساحة، فهناك في الساحة منافقون والذين في قلوبهم مرض، يثبطون ويشيعون حالة التذمر، يشككون في الموقف يحاولون أن يوهنوا من العزائم يحاولون أن يرجفوا، أن يخيفوا، أن ينشطوا في الساحة على هذا النحو، وفي المقابل أيضا في البعض من المنتسبين للإيمان من داخل الفئة المؤمنة مترددون في الموقف ويسجلون اعتراضاتهم وينتقدون وعندهم تلك الحسابات الطويلة والعريضة والمخاوف الكثيرة، النبي تحرك بالرغم من كل ذلك، (يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون) يعني حقيقة الأمر هي المخاوف التي ضغطت على نفسياتهم، فدفعتهم لتسجيل ذلك الموقف كأنما يساقون إلى الموت كأن المسألة خلاص ذاهبون إلى الموت ليموتوا، ما عندهم أمل في النصر ما عندهم أمل في أن تكون الأمور لصالحهم (وإذ وعد كم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم. ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون).
نكتفي بهذا المقدار بهذه المحاضرة ونستكمل إن شاء الله في المحاضرة القادمة نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما فيه رضاه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..