صعدة والحصاد العنقودي
موقع أنصار الله ||مقالات || بقلم / علي الشرفي
صباحاً ومع بزوغ فجر يومٍ من أيام الأسبوع وقف ذاك المزارع على شرفة منزله الترابي وبجانبه جمنة (وعاء القهوه) من البن اليمني الصعدي الأصيل وفنجانين وقليل من الزبيب الذي ادخره من حصاد الأعوام الماضية ، وخلال تمتعه بالمشهد الخلاب لمزرعته المليئة بثمار البرتقال والتفاح والرمان وقليل من العنب شد انتباهه اصفرار لافت في منطقة جغرافية زرعها بشجرة البرتقال في أطراف المزرعة فقام من مقامه مباشرة متمتماً بالقول ( سهل الله برزق اليوم ) ، ودعا ابنه الأصغر وبصوت عالٍ بأن يُلحقه الفطور إلى اطراف المزرعة حيث شجرة البرتقال .
مهرولاً سارع الأب حتى بلغ منتصف الطريق حيث شجرة البرتقال أمام ناظريه ما أكد له نضوج المحصول ، ولكن الفرحة أنسته أن يحمل معه الأوعية التي سيحصد إليها البرتقال ليذهب بها للسوق ويجني نتاج تعبه الذي طال ، فما جاء منه إلا أن عاد مسرعاً ومن طريق مختصره إلى فناء البيت ليأخذ معه سلتين فارغتين ،، وهنا كانت المفاجأة .؟!
أثناء البحث عن السلة الثانية سمع الأب صوت انفجار متوسط ، وكالعادة احنى رأسه طالباً الستر من الله ومرسلاً بعض اللعنات على تحالف العدوان الغاشم ظاناً أن الصوت لغارة جوية بعيدة ، ولكن سرعان ما سمع صوت خافت من جهة المزرعة ينادي ( اباااااااااه…سابق ) ، عندها أحس الأب بالخطر وأن الحادث قريب فأفلت السلة من يده وانطلق مسرعاً تجاه المزرعة يبحث عن الأنين بقوله ( مالك ، وان انت ، جاء فيك شيء ) وهنا كانت الصدمة ،، يدٌ مقطوعة على قارعة الطريق نحو شجرة البرتقال .
لم يكن الأب ليقف عندها كونه تأكد من حدوث مشكلة أكبر ، فأسرع نحو أحدى الأشجار الممتلئة بالثمار ، وعلى مشهد يدمي القلب ظهر الأب ورأى ابنه الاصغر ملطخاً بدمائه ومثخناً بجراحه ، بيد واحدة وعين واحدة أيضاً ومغمى عليه ، وبشعور اختلط فيه الحزن والغضب والسخط أراد الأب أن يرفع ابنه إلى صدره ويخرجه من المكان بهدوء لكنه فوجئ أنه وسط حقل من القنابل العنقودية وليس من البرتقال منها ما استقر في الأرض ومنها ما علق بأشجار البرتقال ، لا يدري كيف تجاوزها حتى بلغ مكان ابنه .
ما كان هناك من خيار آخر للوالد وهو يلف بوجهه يميناً ويساراً إلا أن يغامر ويخرج من المكان رافعاً صوته بقول الله تعالى ( إنا لله وإنا إليه راجعون ، لاحول ولاقوة إلا بالله ) باتجاه سيارته (هايلوكس عراوي م 65) وانطلق نحو المستشفى الجمهوري الوحيد بمدينة صعدة ، وماهي إلا لحظات حتى خرج ذلك الكرسي الذي أدخل ولده عليه ولكن لا يرى فوقه سوى كيس رمادي اللون ، ونحوه انطلق الأب مباشرة ليطمئن على ابنه فقيل له وبصوت منخفض البقية في حياتك أيها الوالد .
إن خمس عشرة مديرية بمحافظة صعدة لتحوي المئات من الأحداث المأساوية التي تدمي القلوب ، كان ولازال العدوان الأمريكي السعودي الصهيوني الغاشم السبب فيها فتحت كل شجرة قنبلة وفي كل بيت مأساة ولكل مواطن حكاية .