أيضاً شكلٌ آخر من أشكال الحرب الناعمة، يستهدف كسر الإرادة والروح المعنوية لدينا، إشعارنا بالضعف والعجز والضعة والحقارة والاستسلام وأننا لا شيء، وتكبير قوى الطاغوت في أنفسنا وأمام أعيننا، حتى ترى في أمريكا، في إسرائيل، في عملاء أمريكا وإسرائيل من كيانات هنا وهناك شيئاً كبيراً عظيماً ومهماً، إما بنظرة الاستقواء، يعني: ترى فيهم أقوياء جدًّا، وأنت ضعيف جدًّا لا شيء، أو الاستعظام: الحضارة، القوة، العظمة، المدري ما هو ذاك... لا، هناك المعيار الأساسي في النظرة التي يربينا عليها الإيمان ويربينا عليها الإسلام في ثقافته، في مبادئه، في أخلاقه، في قيمه، هي نظرة تنطلق من المعايير القيمية والأخلاقية: [وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت * فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا]، الأمم توزن بهذا الميزان: (بميزان الأخلاق والقيم)، الناس يوزنون بميزان الأخلاق والقيم، هذا الميزان الإنساني، هذا الميزان والمعيار الإلهي الذي أرادنا الله أن نزن به الآخرين وأن ننظر إلى الآخرين منه كَنَافذة نطلّ منها على واقع البشرية، القوة، المنعة، العظمة في الشعوب بقدر ما تمتلك، بقدر ما تكون حرة، عزيزة، كريمة، متمسكة بمبادئ وأخلاق وقيم عظيمة.
يسعون إلى كسر الروح المعنوية، إلى إشعارنا بالعجز، بالضعف، بالضعة، وأيضاً باليأس، ويحاولون أن يبثوا فينا روح الهزيمة، هذا شيء يحرصون عليه، حتى في ظل هذا العدوان هناك شغل كبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عبر القنوات الفضائية، حرب نفسية شرسة، حرب إعلامية شرسة، إرجاف، تهويل...وهكذا، سعي لإرهاب الناس، سعي لزرع روح الخوف واليأس والضعف في نفوسهم.
الإيمان هو يعبؤك بالروح المعنوية العالية جدًّا، تشعر بالقوة وأنك مع الله والله معك، وتعتز بقيمك ومبادئك، وتؤمن بموقفك وبعدالة قضيتك، وتكون قوياً جدًّا بهذا، ثم هو يخلصك من كل عوامل الضعف النفسية، ما كان منها ثقافياً، ما كان منها أيضاً نتيجة للواقع السلوكي، كل العوامل المؤثرة سلباً، التي تحطمك، تحطم شعورك، تحطم نفسيتك، يخلصك منها، والكلام عن هذا الجانب يطول ويطول، يعبؤك بشعور العزة، والكرامة، والإباء، والمنعة، والثقة بالله، والاعتماد على الله، والتوكل على الله...الخ.
الحرب الناعمة وإفراغ الهمم
يعملون ضمن هذه الحرب الناعمة- أيضاً- على إماتة روح الاهتمام فيك، أو صرف حالة الاهتمام نحو أشياء تافهة، يعني: لا تبقى مهتماً لشيء، طبعاً هذا يعود إلى موضوع المسؤولية الذي تحدثنا عنه سابقاً، تكون إنساناً مستهتراً في الحياة، ما شيء عندك مهم، [يا أخي يتقاتلوا، يسدوا، يعملوا ايش ما يشتوا ما لي دخل أنا من شيء]، ما عندك اهتمام، تشاهد- مثلاً- أو يحصل في واقعك مآسٍ كبيرة، أحداث رهيبة ما تلتفت إليها، أو يصرف هذا الاهتمام إلى أشياء أخرى، عندك اهتمام كبير، أنت متوتر الأعصاب وتكاد أن تنفجر وعندك اهتمام كبير، لكن بقضية ثانوية، أو بشيء هامشي، أو بشيء جزئي، أو بشيء فرعي، تنسى ما هو أهم، غافل عما هو أكبر، لا تلتفت إليه أصلاً، الحالة التي ذكرها الله عن بني إسرائيل {لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ}[البقرة: من الآية61]، صبروا أن يذبح فرعون أبناءهم وأن يستحي نساءهم، صبروا على القهر والاستعباد والذل، صبروا على كل شيء، لكن المسألة التي قالوا أنهم: لَن يصْبِرواْ عليها قالوا: {لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ}، لا بد من البصل، ولا بد من القثاء، لا بد من الفوم، لا بد من العدس، هذه مسألة لن نسكت عنها أبداً ولن نتنازل عنها بتاتاً!! هذه روحية لدى الكثير من الناس، لن نصبر في مسائل معينة، ثانوية، جزئية، وغفلة كلياً عن القضايا الكبيرة، بارد تجاه القضايا المهمة بارد، ما عنده التفات إليها، لكن حامي وعسر إذا القضية قضية فرعية تافهة، جزئية هنا أو هناك.
هذه من الجوانب التي يركزون عليها وتساعد، في نفس الوقت، هي تساعد على السيطرة على الإنسان، اللعب به، التحكم به إذا كان منصرفاً عن القضايا المهمة، يترك للأعداء أن يتحركوا فيها كما يشاؤون ويريدون؛ فيصلون إلى حيث يريدون أن يصلوا في استعباد هذا الإنسان والسيطرة على هذا الإنسان.
السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي
جمعة رجب 1439هـ