موقع أنصار الله . تقرير
مثّلت ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر منعطفاً عظيماً، وولادة جديدة للأمة على أسس مختلفة عن كل ما سبقها من انتفاضات وحركات. لقد جاءت كتيار هادر يحمل بين جنباته خصوصيات وميزات لم تجتمع في ثورة أخرى، فكانت – بحق – الاستثناء الوحيد في زمن الانتكاسات والانكسارات.
فبينما أُجهضت ثورات الربيع العربي تحت سطوة التدخلات الأجنبية ومؤامرات القوى المضادة، وظلّت بلدانها تدور في فلك الفوضى والتبعية، شقّت ثورة 21 سبتمبر طريقها بعزيمة فولاذية، فلم تستطع المؤامرات ولا الحروب العاتية – التي شنّتها أقوى دول العالم – أن تنال من صمودها. لقد أثبتت أنها ليست موجة غضب عابرة، ولا ثورة نخبة تبحث عن سلطة، بل هي ثورة شعبية أصيلة، انطلقت من رؤية قرآنية.
خصوصيتها الأبرز أنها ثورة قرآنية، استقت من معين الكتاب العزيز قيمها وخطها ومشروعها، يقودها رجل جعل القرآن مرجعيته الأولى والأخيرة، فبدا أثر الهدي القرآني واضحاً في كل قرار وتوجّه. إنها ثورة تعيد للقرآن موقعه الطبيعي كدستور حياة، وتجعل منه بوصلة أمة ومصدر ضمانة، لتغدو ثورة قيمية أخلاقية بقدر ما هي سياسية واجتماعية.
لم تبنِ الثورة أحلامها في الهواء، ولم تستنسخ تجارب الآخرين، بل وضعت لنفسها أهدافاً منبثقة من الرؤية القرآنية ولهذا كانت خطواتها واقعية قابلة للتحقق، متدرجة بحكمة، ومتحركة وفق سنن الله في التغيير.
ما يميزها أنها لم تكن ثورة طائفة أو طبقة أو حزب، بل انخرط فيها الفلاح والعامل، الغني والفقير، الأكاديمي والأمي، الرجل والمرأة، المدني والجندي. لقد كانت صورة مكتملة للشعب اليمني بكل مكوناته، ومن هنا اكتسبت أصالتها وعمقها الشعبي. لقد كانت لوحة مكتملة للشعب اليمني الموحد تحت راية واحدة. وهذا الالتحام الجماهيري جعلها عصية على الانكسار، وحصّنها من أن تتحول إلى مشروع نخبوي أو مطامع شخصية. لقد كانت بحق ثورة الأمة كلها.
لم يكن هدفها إسقاط منظومة فساد وعمالة مكتملة وحسب، بل كانت تحمل مشروعاً حضارياً نهضوياً واسعاً، مشروع "يد تبني ويد تحمي" الذي بشّر به الشهيد صالح الصماد. مشروع يضع اليمن على سكة البناء في الاقتصاد والثقافة والتعليم والإدارة والعسكرة، ويصوغ هوية حضارية مستقلة تنبع من أصالة هذا الشعب وتاريخه القرآني.
وفي زمن صار التدخل الخارجي هو القاعدة لأي تغيير، جاءت هذه الثورة استثناءً نادراً. تحركت بجهد ذاتي وتمويل شعبي، وحمت نفسها بنفسها من دون وصاية ولا حماية أجنبية. وها هي، على الرغم من حروب عالمية – بالرغم من قصر عمرها- استمرت وبقوة، وما زالت واقفة، بل ومحرزة انتصارات مذهلة.
تفردت الثورة بوجود قيادة واحدة واضحة، ممثلة بالسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، الذي لمس فيه الشعب قائداً صادقاً، يجمع بين البصيرة القرآنية والشجاعة الجهادية. خلفه شعب وصفه النبي بأنه "شعب الحكمة والإيمان"، وأثبت في ميادين الصمود أنه شعب معجز، قادر على مواجهة أعتى قوى الأرض.
التقت مهارة القيادة القرآنية مع عظمة الشعب اليمني، فشكلا ثنائياً نادراً في التاريخ، أنتج ثورة ثابتة الأركان، متماسكة البنيان، عصية على التشظي.
ويعني بالضرورة أنها ثورة قيمية ذات ضمير وطني إسلامي عربي أخلاقي ملتزم، وهذه القيم والأخلاق هي ضمانات استمرارها، وضمانات الحفاظ على مكتسباتها، وهي التي تجعل الشعب يوقن أنها ستنجز جميع أهدافها، انطلاقا من سنن الله القرآنية، فعندما تتحرك الثورة في بناء الواقع الداخلي على مختلف الأصعدة، فكريا، وثقافيا، وتربويا، ونفسيا، واجتماعيا، واقتصاديا، وعسكريا، وإداريا، وفي نفس الوقت، تتحرك بقوة كبيرة وجبارة لمواجهة أشرس الخصوم، وأكثرهم مكرا وطغيانا ومالا وقوة وسلاحا، فإن هذا يعني أنها ثورة تحمل ضمانات استمرارها وبقائها وقوتها وديمومتها داخلها، وهذا ما لم نجده في كثير من الثورات.
لم تحصر الثورة نفسها في حدود القطر اليمني، بل حملت هموم الأمة، وجعلت قضية فلسطين في قلب أولوياتها. ولهذا غدت اليمن اليوم رقماً صعباً في معادلة الصراع مع العدو الصهيوني، ومصدراً لإزعاج قوى الاستكبار التي لم تعهد أن ترى بلداً محاصراً ومعتدى عليه يخرج بمسيرات مليونية نصرة لغزة أو يضرب موانئ العدو بالصواريخ والمسيّرات.
هذا الشمول الحضاري هو ما أقلق القوى الكبرى؛ فثورة لا تسعى فقط لتغيير رأس السلطة بل لتغيير بنية المجتمع على أسس قرآنية، لا بد أن تثير قلق المستكبرين وتجعلهم يحشدون كل قواهم لإجهاضها.
على خلاف كثير من الثورات التي تأكل أبناءها، حافظت ثورة 21 سبتمبر على نقائها الداخلي، فلم تنزلق إلى تصفيات دموية، بل فتحت باب العفو والتسامح، من دون أن تتساهل مع الخونة. إنها ثورة "رحماء بينهم، أشداء على أعدائهم".
ورغم محاولات الأعداء، ظلت الثورة عصيّة على الاختراق، بفضل مرجعيتها الفكرية وتضحيات أبنائها ووعي جمهورها. لقد بنت لنفسها حصانة ذاتية تصونها من الانحراف، وتجعلها قادرة على فرز المخلص من الخائن.
أعظم شهادة لنجاح الثورة أنها أقلقت واشنطن و"تل أبيب"، وأفرحت المستضعفين في كل مكان. إنها ثورة رفعت رأس اليمني عالياً، ومنحته شعوراً بالعزة والكرامة. ولعل هذا الإنجاز الروحي والمعنوي وحده كافٍ ليؤكد أن ما لم يتحقق من الأهداف، فهو آتٍ لا محالة.
ومع ذلك، لم تهمل الثورة احتياجات الداخل. حققت توازناً نادراً بين البعد الوطني والبعد القومي الإسلامي، فلم تنس الوطن ولم تتخلّ عن قضايا الأمة.
ثورة 21 سبتمبر ليست محطة عابرة في التاريخ اليمني، بل هي حدث مفصلي أعاد صياغة علاقة اليمن بذاته وبأمته وبالعالم. إنها ثورة قرآنية أصيلة، واقعية الأهداف، جامعة الشعب، محصنة من الاختراق، متجذرة في وجدان الأمة، وماضية نحو بناء مشروع حضاري شامل. ولأنها أزعجت المستكبرين وأسعدت المستضعفين، فهي جديرة بالبقاء والانتصار، مهما طال ليل العدوان.
ومن مميزاتها أنها ثورة فاعلة ومُنْجِزة وذات تأثير كبير، وأنها أحدثت وتحدث تغييرا كبيرا في الوعي والمفاهيم بالتزامن مع التغيير في الواقع والاتجاهات، وأن كثيرا من أهدافها إما قد تحقق، أو في طريقه للتحقق، أو منعت منه عوامل خارجة عن إرادة الثورة وقيادتها، ولكن الوعي والحالة الروحية والنفسية مستعدة لإنجاز هذه الأهداف وتحقيقها فور ارتفاع الموانع الخارجية منها.
خلال السنوات الـ11 الماضية اتضحت ملاحم الثورة الشعبية 21 سبتمبر، على المستوى الداخلي المحلي وباتت الدولة اليمنية تمتلك حرية القرار في اتخاذ كل ما يلزم في بناء يمن قوي عسكريا واقتصادياً وسياسياً محافظا على هويته الإيمانية، وهو ما تمثل في كل مواقفه محلياً ودولياً.
فعلى مستوى الداخلي، انطلق اليمن بتماسك شعبي موحد الجبهة الداخلية خلف قيادة مؤمنة ربانية ومنهج قرآني عظيم، برسم ملامح الحياة الجديدة لليمن، وبدأ باستعادة هويته الإيمانية وترسيخها عبر مواقفه الداخلية في مواجهة العدوان والحصار واستطاع بفضل الله من تحقيق انتصار تاريخي على قوى العدوان، وإعادة بناء مؤسسات الدولة في بناء جيش قوي يمتلك ترسانة من الأسلحة المتطورة لحماية شعبه ووطنه، وإعادة بناء مؤسسات الدولة شيئاً فشيئاً وصولاً بالتغيرات الجذرية.
أما على الصعيد الخارجي فقد كانت مواقف اليمن ثابتة تجاه كافة القضايا العربية والإسلامية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي سطر اليمن خلالها أروع صور الدعم والإسناد للشعب الفلسطيني على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية وصولاً بالموقف العسكري في البر والبحر والجو حيث تمكن اليمن من إذلال الاستكبار الأمريكي الإسرائيلي وجعل اليمن محط إكبار أحرار العالم.