موقع أنصار الله ||مقالات ||عبدالله عبدالعزيز الحمران

في غزة، حَيثُ الموت يحاصر الحياة من كُـلّ الجهات، خرجت الطبيبة الفلسطينية آلاء النجار في صباح يومٍ دموي، إلى عملها في مستشفى ناصر بخان يونس، كما اعتادت منذ بدء العدوان الصهيوني الغاشم على القطاع.

كانت كعادتها تداوي الجراح، تمسح دموع الأُمهات، وتحاول أن تنتزع الحياة من بين أنياب الحرب.

لم تكن تدري أن اليوم، ستعود إلى المستشفى ليس كطبيبة، بل كأم ثكلى، وأن صرخة الفقد ستنتزع روحها كما انتُزِعت أرواح أطفالها.

بينما كانت تؤدي واجبها الإنساني، قصفت طائرات العدوّ منزلها.

لم يمهلها الغياب طويلًا؛ إذ تحولت دقائق العمل إلى مأساة تعجز الكلمات عن وصفها.

تسعة من فلذات كبدها ارتقوا دفعةً واحدة: يحيى، ركان، رسلان، جبران، إيف، ريفان، سيدين، لقمان، وسيدرا.

لم ينجُ إلا ابنها آدم، الراقد الآن في العناية المركزة يصارع الموت، بينما يرقد والده مصابًا بجراح خطيرة.

عادت آلاء إلى المستشفى، لا تحمل أدواتها الطبية، بل تحمل قلبًا مفطورًا. دخلت مشرحة الموتى، تبحث بين الأشلاء عن بقايا أجسادهم الصغيرة. نظرت إليهم بعين الأم، لا الطبيبة، ثم همست لهم بصوتٍ منكسر: "موعدنا الجنة يا أمي... موعدنا الجنة". لم تصرخ، بل بكت بصمت، بصوتٍ يسمعه من في قلبه حياة، وإن تواطأ العالم بالصمت.

آلاء اليوم لا تمثل نفسها. إنها وجه أُمَّـة يُذبح أبناؤها على مرأى العالم، بينما يهرول المطبِّعون لمصافحة القَتَلة، ويختبئُ المحياديون خلف ستار الكذب والخذلان. ماذا ستقول لها بيانات الإدانة الباردة؟ كيف تواسيها مؤتمرات العار وصفقات الخيانة؟ أي عزاء يُقدَّم لأمٍّ دفنت أبناءها التسعة في لحظة واحدة، سوى وعد الله: "ولا تحسبنّ الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتًا...".

ليست قصة آلاء مُجَـرّد مأساة شخصية، بل شهادة حية على بشاعة هذا الكيان، وصورة دامغة لعار المطبعين. هي جرح نازف في قلب الأُمَّــة، واختبار لكل من لا يزال يتردّد في تسمية العدوّ باسمه.

فيا من صمّت قلوبكم قبل أفواهكم، ويا من تخليتم عن فلسطين: هل ستهربون من قصة آلاء كما هربتم من صور المجازر؟ أم أن بقية من ضمير ما تزال تحيا في صدوركم؟

ربما لا تسمعون صوت آلاء... لكن الله يسمع. والتاريخ لا ينسى.