يحاول العدوُّ أن يجعلَ من عملية «طوفان الأقصى» عنوانًا للفشل والهزيمة، وسوءِ التدبير والتخطيط، وانتكاسة ما يسمى بالمحور، وأن ذلك َمُجَـرّد ورطة وفخٍّ وقعت فيه «حماس» وأوقعت معها كُـلَّ أحرار الأُمَّــة، وأن نتائجَ (الـ7) من أُكتوبر كانت لصالح كَيانِ الاحتلال الخبيث، بينما جلبت الويلَ والخرابَ والدمارَ على هذه الأُمَّــة وفي مقدمتها "حماس".

يروِّجُ العدوُّ لهذه النظرية -ومن خلفه مأجوروه، وفريقٌ كبيرٌ من قادة الفكر والسياسة والإعلام، وبعض أقلام حسيني النوايا فاقدي الوعي والبصيرة-؛ بهَدفِ ضرب روح الجهاد والمقاومة، ولتحطيم المعنويات، وزراعة اليأس والعجز والإحباط في أي عمل جهادي وثوري قادم، وزعزعة الثقة ونزعها في حركات الجهاد والمقاومة، ولتعزيز روح الهزيمة والخضوع والاستسلام في أبناء أمتنا والأجيال القادمة.

هذه النظرية خطيرة جِـدًّا، وجزء من مخطّط الحرب والعدوان الناعم، وشبهة كبيرة يجب التصدي لها وتفنيدها وتبيين زيفها وحقيقتها وأهدافها.

لقد وقع المسلمون يوم «أُحُد» في مثل هذه النظرية، واستشعروا -حينها- المأزِقَ والورطة، وشعروا بالندمِ والخيبة، واتهموا رسولَ الله في قيادته وحكمته، وحُسن تدبيره وتخطيطه، وقد ردَّ عليهم القرآن الكريم في ذلك، وبين الأسباب الحقيقية لحصول ما حصل، فقال سبحانه وتعالى: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران:165-166)... إلخ الآيات المباركة.

ومعنى هذا أن أيةَ نتائج كارثية تحصل لا ترجعُ لسببِ الجهاد أَو القيادة أبدًا، وإنما سببها هو الناس أنفسهم، فالمتخاذلون والمنظِّرون هم سببُ كُـلّ مصيبة وفتنة وكارثة وبلية تحصل، ولو وقف المسلمون -ولو 5 % منهم- بصدق وجِدٍّ وإخلاص، وقاموا بمسؤوليتهم، وأدوا واجبهم في هذه المعركة لما حصل شيءٌ من هذا أبدًا، ولكانت النتائج كلها لصالحهم.

أما الجهاد في سبيل الله فما هو إلا خير للأُمَّـة في كُـلّ شؤونها، ونتائج 'طوفان الأقصى' ستصُبُّ حتمًا في صالح الأُمَّــة المسؤولة المجاهدة، والعبرة في النتائج بالخواتيم ومستقبل الأيّام، لا بالقتل والتدمير والتهجير، فالإجرام عمرُه إجرام، ولا يسمى نصرًا في كُـلّ الأعراف والمقاييس.

وعلى العكس من هذا تمامًا، فلو تأخّر 'طوفان الأقصى' -وقد تأخَّر- ولكن لو تأخَّر أكثرَ لكانت النتائجُ أدهى وأطمَّ وأخطرَ وأعظمَ على كُـلّ هذه الأُمَّــة، وعلى مستقبل أجيالها، وحتى على أبنائها الذين لم يولدوا بعد.

أما المجاهدون الأحرار فعليهم أن لا ييأسوا ولا يحبطوا ولا يستسلموا مهما كانت النتائج، ومهما استمر أَمَدُ الحرب، وأن لا يضعفوا، ولا يهنوا ولا يحزنوا أبدًا، وكما قال عز وجل: "وَلَا تَهِنُواْ فِي ابتغاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا" (النساء:104).