في خِطابٍ تاريخي اتسم بالوضوح والبُعد الاستراتيجي، وضع السيدُ القائدُ عبدالملك بدرالدين الحوثي "نصره الله" الأُمَّــةَ أمام مرآة الحقيقة، كاشفًا عن عمق المأساة في غزة، وفضيحة الصمت العربي والإسلامي، وتواطؤ الأنظمة، وتآكل الضمير العالمي أمام وحشية صهيونية غير مسبوقة. لم يكن الخطاب فقط إدانة للعدو الإسرائيلي، بل كان تشخيصًا دقيقًا لجذور الانهيار الأخلاقي والسياسي في المنطقة.
افتتح السيد القائد خطابه بجريمة العصر: استهداف الطفولة في قطاع غزة. حين يُحرم أكثر من 40 ألف رضيع من الحليب، ويواجه 100 ألف طفل خطر الموت جوعًا فَــإنَّنا أمام محرقة بشرية لا تقل فظاعة عن أية جريمة إبادة جماعية في التاريخ الحديث. هذا الاستهداف المتعمد كما أشار السيد لم يعد عارضًا بل جزء من الأهداف العملياتية للاحتلال.
المشهد تجاوز القصف إلى مصائد الجوع الممنهجة التي يديرها كيان العدوّ ببرودة قاتل محترف يخدع العالم بإسقاط المساعدات جوًّا إلى مناطق حمراء يعلم مسبقًا أن الفلسطينيين يُقتلون لمُجَـرّد الوصول إليها. هكذا يتحول الخبز إلى فخ والغذاء إلى أدَاة قمع.
لم يتوقف السيدُ القائدُ عندَ المظلومية بل فضح خدعة الهدنة الإنسانية التي أعلنها العدوّ والتي استُشهد خلالها أكثر من 4000 فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال. العالم يُخدع بمفردات إنسانية يتقن العدوّ توظيفها في دعايته السوداء فيما يُذبح طالبو الطعام عند أبواب المستودعات.
السيدُ القائد عرّى وبيَّن في الخطاب الدور العربي، الأنظمة العربية متفرجة عاجزة بل شريك فعلي في الكارثة والمأساة في غزة. النفط العربي كما قال السيد، هو الذي يُحرّك طائرات العدوّ التي تلقي القنابل الأمريكية على رؤوس الفلسطينيين. الـ22 مليار دولار التي أنفقتها واشنطن على العدوان خرجت من تريليونات عربية والخذلان الرسمي جمّد الموقف الشعبي وأغلق الميادين على الشعوب الراغبة في النصرة.
هذا التواطؤ بلغ حَــدَّ تصنيف المجاهدين بالإرهاب، وفتح الأجواء والمطارات أمام العدوّ، ومنع أي نشاط تضامني مع غزة، حتى في إطار عمل إنساني.
السيد القائد عرّى نفاقَ الغرب الذي يتغنى بالحريات وحقوق الإنسان بينما يقدم السلاح والغطاء السياسي لأبشع مجزرة في العصر الحديث. كيف يمكن لدول كبريطانيا وفرنسا وألمانيا أن تتحدث عن دولة فلسطينية قابلة للحياة وهي تواصل تسليح القاتل وتجويع الضحية؟ الاعترافات الكلامية لا تساوي شيئًا ما دام الدعم العسكري والاقتصادي للعدو قائمًا.
في مقابل خذلان العالم، أكّـد السيد القائد أن المجاهدين في غزة هم من يصنعون التوازن ويحفظون كرامة الأُمَّــة. مقاومة استثنائية بصمود استمر لأكثر من 662 يومًا في وجه الفرق العسكرية، واقتحام للدبابات، وتصنيع محلي للسلاح، وعمليات نوعية عززت الردع وأسقطت هيبة الجيش الإسرائيلي.
هذا الثباتُ هو الذي أفشل العدوانَ ومنع (إسرائيل) من فرض الاستسلام، وهو الذي صفع المفاوضين الأمريكيين والصهاينة حين اشترطوا استسلام المقاومة وتجريدها من السلاح.
أيضًا من بين كُـلّ العواصم العربية، برزت صنعاء كنموذج للوفاء. خروج جماهيري غير مسبوق في ميدان السبعين وأكثر من 1333 ساحة في المحافظات، تجسّد الروح الإيمانية والموقف الثوري. هذا التحَرّك الشعبي المتكامل مع الجاهزية العسكرية والتعبوية يؤكّـد أن اليمن، رغم العدوان والحصار، ما يزال يتصدر المشهد في نصرة فلسطين.
رسائل استراتيجية للأُمَّـة:
السيد القائد لم يكتفِ بالتوصيف بل طرح رؤية شاملة للواقع ومستقبل الصراع:
لا استقرار في المنطقة بوجود العدوّ الصهيوني الشريك الكامل للأمريكي والبريطاني.
لا جدوى من الرهان على الغرب أَو المؤسّسات الدولية.
لا مفر من الجهاد، والأمر بالمعروف، ومقاومة الطغيان.
لا عذر للشعوب المكبلة، فالتاريخ لا يعفي أحدًا من المسؤولية.
ختامًا:
رغم قسوة المشهد، يذكّر السيد بوعد الله الذي لا يخلف وعده. الكيان الإسرائيلي زائل، مهما طال طغيانه، ومصير المتخاذلين ليس النجاة بل الخزي والعقوبة. وما المقاومة في غزة، وصبر أهلها، واستبسال مجاهديها، إلا مشهد من مشاهد الإيمان الحقيقي والتكليف الشرعي، لا مُجَـرّد رد فعل.
خطاب السيد القائد نداء يقظة، ومحطة تقييم كاشفة، وموقفًا يحفظ للأُمَّـة بقية من كرامة في زمن يُراد فيه لكل صوت حر أن يُدفن.