يتردّدُ في الوقت الراهن، كما تردّد سابقًا، استخدامُ مصطلح "المرتزِقة" من قِبَلِ وسائل الإعلام وعددٍ من شاغلي مناصب السلطة العامة في مختلف مستوياتها في بلادنا، ويُقصَدُ به الإشارةُ إلى بعض أبناء البلد الذين باعوا أنفسهم للشيطان، وجعلوا منها أدوات رخيصة في خدمة الأجنبي لتنفيذ مخطّطاته الإجرامية بحق وطنهم، تحت عناوين مضلِّلة، هدفها النهائي خدمة مشغّليهم لتحقيق ما عجزوا عن تحقيقه بعدوانهم المباشر.

وبسبب فشل عدوان القوى الاستعمارية الغربية وأدواتها في المنطقة في ثني الشعب اليمني عن موقفه المساند لأبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، في مواجهة جريمة الإبادة التي يرتكبها بحقه كيان الإجرام الصهيوني، بشراكة القوى الغربية وبعض الأنظمة العربية الوظيفية، فقد بدأت هذه الأطراف بتحريك أدواتها في الداخل للتأثير سلبيًّا على موقف الشعب اليمني المتميّز.

ونظرًا لأهميّة هذه المرحلة؛ فالواجبُ على وسائل الإعلام ومستويات السلطة العامة أن تُحسن توصيف هذه الأدوات بدقة، وتتجنب وصفهم بـ "المرتزِقة"، فالمصطلح خاص بمن لا تربطهم بالبلد أية رابطة، ولا علاقة لهم بأطراف النزاع في أي بلد.

إن "المرتزِقة" هم أُولئك الذين يشاركون في النزاعات المسلحة في أي مكان من العالم، بدافع الربح فقط، دون انتماء أَو التزام سياسي أَو وطني.

أما الوصف الدقيق لأبناء البلد الذين يتعاونون بأي شكل مع الأجنبي، فهو "الخونة" و"العملاء". لذا لا يُعد استخدام مصطلح "المرتزِقة" دقيقًا عند الحديث عنهم، ولا يُعتبر وصف "حكومة المرتزِقة" صحيحًا إذَا قصد بها حكومة تمثل هؤلاء. فالوصف الأدق: "الخونة والعملاء"، وكذلك حكومتهم: "حكومة الخونة والعملاء". وهذا التوصيف القانوني السليم يُعد تمهيدًا لمحاكمات مستقبلية، وللمطالبة بتسليم الخونة والعملاء المقيمين في بلدان أُخرى.

كما أن وصف أدوات القوى الخارجية من أبناء البلد بالخونة والعملاء، فيه تغليظ لفظاعة جرمهم بحق بلدهم، وفيه زجر بجسامة وشدة العقاب الواجب إنزاله بهم جزاء عمالتهم وخيانتهم. وَإذَا ما تقرّر محاكمتهم مستقبلًا أمام المحاكم الوطنية، فَــإنَّ المحاكم لن تجد نصوصًا في القانون الداخلي تصف أبناء البلد بـ "المرتزِقة"، وقد يفلتون من العقاب. وكذلك الحال بالنسبة لمن هو فارٌّ منهم خارج البلد، ونُسب إليه ارتكاب جرائم حرب أَو جرائم ضد الإنسانية، والمطلوب محاكمته عليها أمام محاكم دولية في حال لم يتم تسليمهم إلى السلطات الوطنية، فَــإنَّ المحاكم الدولية كذلك لن تجد نصوصًا في القانون الدولي تصف أبناء البلد بـ "المرتزِقة"، وسيفلتون من العقاب؛ فلن تتمكّن المحاكم الدولية من محاكمتهم بتهم الخيانة والعمالة؛ باعتبَار ذلك من صميم اختصاص المحاكم الوطنية.

وقد تضمن قانون الجرائم والعقوبات اليمني النص على عدد من العقوبات التي تتناسب مع جرائم الخونة والعملاء، حَيثُ نصّت المادة (125) على أن:

 (يعاقَبُ بالإعدام كُـلُّ من ارتكب فعلًا بقصد المساس باستقلال الجمهورية أَو وَحدتها أَو سلامة أراضيها، ويجوز الحكم بمصادرة كُـلّ أَو بعض أمواله).

ونصّت المادة (126) من ذات القانون على أن:

 (يعاقَبُ بالإعدام كُـلُّ من تعمّد ارتكاب فعل بقصد إضعاف القوات المسلحة بأن:

1- خرّب أَو أتلف أَو عيّب أَو عطّل أحد المواقع أَو القواعد أَو المنشآت العسكرية أَو المصانع أَو البواخر أَو الطائرات أَو طرق المواصلات أَو وسائل النقل أَو المرافق أَو الذخائر أَو المؤن أَو الأدوية أَو غير ذلك مِمَّـا أعدّ للدفاع عن البلاد أَو مِمَّـا يُستعمل في ذلك، أَو أساء صنعها أَو إصلاحها أَو جعلها غير صالحة، ولو مؤقتًا، للانتفاع بها فيما أُعدّت له أَو أن ينشأ عنها ضرر.

2- أذاع أخبارًا أَو بيانات أَو شائعات كاذبة أَو مغرضة أَو عمد إلى دعاية مثيرة، وكان من شأن ذلك كله إلحاق الضرر بالاستعدادات الحربية للدفاع عن البلاد أَو العمليات الحربية للقوات المسلحة، أَو إثارة الفزع بين الناس، أَو إضعاف الروح المعنوية في الشعب.

3- أفشى سِرًّا من أسرار الدفاع عن البلاد.

ويجوز الحكم بمصادرة كُـلّ أَو بعض أمواله).

ونصّت المادة (127) من قانون الجرائم والعقوبات على أن:

 (يعاقَبُ بالإعدام:

1- اليمني الذي يلتحق بأي وجه بالقوات المسلحة لدولة في حالة حرب مع الجمهورية.

2- من سلّم أحدَ أفراد القوات المسلحة إلى العدوّ أَو ساعد أحد أسراه على العودة إلى صفوفه.

3- من أمدّ العدوّ بالجند أَو الأشخاص أَو الأموال أَو كان له مرشدًا.

ويجوز الحكم بمصادرة كُـلّ أَو بعض أمواله).

ونصّت المادة (128) من ذات القانون على أن:

 (يعاقَب ُبالإعدام:

1- كُـلّ من سعى لدى دولة أجنبية أَو أحد ممن يعملون لمصلحتها أَو تخابر معها أَو معه، وكان من شأن ذلك الإضرار بمركز الجمهورية الحربي أَو السياسي أَو الدبلوماسي أَو الاقتصادي.

2- كُـلّ من سلّم دولةً أجنبية أَو أحد ممن يعملون لمصلحتها، بأية صورة وبأية وسيلة، أخبارًا أَو معلومات أَو أشياء أَو مكاتبات أَو وثائق أَو خرائط أَو رسومًا أَو صورًا أَو غير ذلك مِمَّا يكون خاصًّا بالمصالح الحكومية أَو الهيئات العامة أَو المؤسّسات ذات النفع العام، وصدر أمر من الجهة المختصة بحظر نشره أَو إذاعته.

3- كُـلّ من سلّم دولة أجنبية أَو أحد ممن يعملون لمصلحتها، أَو أفشى إليها أَو إليه، بأية وسيلة، سرًا من أسرار الدفاع عن البلاد، أَو توصل بأية طريقة إلى الحصول على سرّ من هذه الأسرار بقصد تسليمه أَو إفشائه لدولة أجنبية أَو لأحد ممن يعملون لمصلحتها، وكذلك كُـلّ من أتلف لمصلحة دولة شيئًا يعتبر من أسرار الدفاع أَو جعله غير صالح لأن يُنتفع به).

أما المرتزِقة، فقد تضمن القانون الدولي الأحكام الخَاصَّة بهم، والتي تخوّل الدول التعامل معهم بقسوة، وتحرِمهم من كافة الحقوق التي يتمتع بها أسرى الحرب من طرفَي النزاع المسلح، حَيثُ تضمنت المادة (47) من البروتوكول الإضافي الملحق باتّفاقية جنيف الرابعة الأحكام الخَاصَّة بالمرتزِقة، بنصّها على أن:

1- لا يجوز للمرتزِق التمتع بوضع المقاتل أَو أسير الحرب.

2- المرتزِق هو أي شخص:

أ) يُجرَى تجنيده خصيصًا، محليًّا أَو في الخارج، ليقاتل في نزاع مسلح.

ب) يشارك فعليًّا ومباشرةً في الأعمال العدائية.

ج) يَحفِّزه أَسَاسًا إلى الاشتراك في الأعمال العدائية الرغبةُ في تحقيق مغنم شخصي، ويُبذَل له فعليًّا، من قبل طرف في النزاع أَو نيابةً عنه، وعدٌ بتعويض مادي يتجاوز بإفراط ما يُوعَد به المقاتلون ذوو الرتب والوظائف المماثلة في القوات المسلحة لذلك الطرف أَو ما يُدفَع لهم.

د) وليس من رعايا طرف في النزاع، ولا متوطنًا بإقليم يسيطر عليه أحد أطراف النزاع.

هـ) ليس عضوًا في القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع.

و) وليس موفدًا في مهمة رسمية من قبل دولة ليست طرفًا في النزاع بوصفه عضوًا في قواتها المسلحة.

إضافة إلى ما ورد في الاتّفاقية الدولية الخَاصَّة بمناهضة تجنيد المرتزِقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم، التي أقرّتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 4 ديسمبر 1989م، والتي لا يتسع المقام هنا لسرد بعض نصوصها التي تميّز المرتزِقة عن غيرهم، وتحدّد ما يتعلق بهم من أحكام تفصيلية.

ومع وضوح ما سبق من أحكام في شأن الخونة والعملاء، تضمنها القانون الوطني، وأحكام في شأن المرتزِقة، تضمنها القانون الدولي، فلا مبرّر للاستمرار في التعاطي مع أدوات القوى الخارجية من أبناء البلد ووصفهم بـ "المرتزِقة"، وضرورة تجنّب الخلط بينهم وبين الخونة والعملاء. الواجب الانتباه لهذا الوصف الدقيق، فهو يمثِّلُ عارًا شنيعًا لن يمحوه الزمن، يلحقهم ويلحق أفراد أسرهم.