في زمنٍ ليس ببعيد، كان العربيُّ يبيعُ ما يملِكُ ليشتريَ بندقيةً، لا ليتفاخرَ بها، بل ليواجهَ بها احتلالًا غاشمًا، ويرسمُ بها طريقَ الحرية.

أما اليوم، فقد بات بعضُهم يساومُ على هذا السلاح نفسه، ويسعى إلى بيعه بدراهم معدودة؛ مِن أجلِ إرضاء عدوٍّ لا يُرضيه شيء سوى الاستسلام الكامل.

كانت "البارودة" في الوجدان العربي رمزًا للمقاومة والشرف، وكان اقتناؤها شرفًا وواجبًا.

لم تكن مُجَـرّد قطعة حديد، بل كانت صرخة في وجه الظلم، وذخيرة تُطلق باسم الأرض والعِرض والحق.

عبر التاريخ، لم يكن السلاح خيارًا ترفيهيًّا، بل ضرورة أمْلَتها نكبات الأُمَّــة وخياناتها المتكرّرة. من دير ياسين إلى صبرا وشاتيلا، ومن جنين إلى غزة، ظلّت البندقية تقاوم الموت، وتُعلن أن صاحبها لا يزال حيًّا، لم ينكسر، ولم يخنع.

اليوم، ومع تغيّر الوجوه، بدأنا نسمعُ نداءاتٍ غريبةً، تدعو إلى "نزعِ السلاح"، و"إلقاء البندقية"؛ بذريعة "السلام" و"التطوّر"!

لكن، عن أي سلام يتحدثون؟ أعن سلامٍ لا يعيد أرضًا، ولا يحرّر أسيرًا، ولا يوقف مستوطنًا؟ أم عن استسلام مغلّف بعبارات براقة تخفي عار الهزيمة؟

من يطالب ببيع البارودة، يبيع معها تاريخًا من دماء الشهداء، وتضحيات المقاومين، وصرخات الأُمهات. يبيع الذاكرة والهُوية، ويتخلى عمّا تبقّى من كرامة أُمَّـة نُهبت في وضح النهار.

سلاح المقاومة ليس أدَاة مساومة، بل أمانة في أعناق الشرفاء.

ولن يكون يومًا في سوق البيع والشراء؛ لأن من حملوه لم يسعوا وراء سلطة ولا مال، بل حملوه ليُبقوا لنا شيئًا من الكرامة في زمن الركوع.

التاريخ سيكتب من وقف حاملًا بارودته في وجه الدبابة، ومن وقف حاملًا قلمه في خدمة المحتلّ.

وستبقى البارودة رمزًا لا يُشترى... ولا يُباع.