لا تفوّت الإدارة الأمريكية أيَّةَ فرصةٍ إلا وتؤكّد فيها التزامَها بأمن (إسرائيل)، ولا تفوّت كذلك فرصةً إلا وتؤكّد فيها حقَّ كيانِ الاحتلالِ الصهيوني المسمّى (إسرائيل) في الدفاعِ عن النفسِ في مواجهة ما تصفُه بـ (الجماعاتِ الإرهابيةِ في قطاعِ غزة)!
وحين هاجم كيانُ الإجرامِ والاحتلالِ الصهيونيُّ الدوحةَ عاصمةَ دولةِ قطر مستهدِفًا قياداتِ حماس، ورغم أن المجرمَ ترامب أعلن عدم رضاه بذلك الهجوم؛ ليس لأنّه استهدف قياداتِ حماس؛ بل لأَنَّ الاستهداف تمّ على الأراضي القطرية، وعدمُ الرضا الترامبيّ ليس سابقًا للهجوم بل لاحقًا له، وهو ما يعني أن عدمَ الرضا ناتجٌ عن إخفاقِ الكيانِ الصهيونيِّ في القضاءِ على قياداتِ حماس وإن كان ذلك على الأراضي القطرية.
ومع أنّ مجرمَ الإدارةِ الأمريكيةِ ترامب حاول تبريرَ جريمةِ الكيانِ الصهيوني في العدوانِ على سيادةِ دولةِ قطر، وأن ذلك لن يتكرّرَ مستقبلًا، إلا أنه أكّد على ما سمّاه حقَّ الكيانِ الصهيوني في ملاحقة قياداتِ حماس (الإرهابيةِ) في أيِّ مكانٍ، معتبرًا القضاءَ على تلك القياداتِ التي وصفها بالإرهابيةِ أنّه هدفٌ نبيلٌ، وتكرّر هذا الموقف على لسانِ المتحدثةِ باسمِ البيتِ الأبيض في ذاتِ اليومِ الذي حدث فيهِ الهجوم على دوحة قطر!
هذا الموقف الواضح المعلَن من جانبِ مجرمِ ترامب وإدارته الإرهابيةِ لم يُقابلْهُ موقفٌ لا معلَنٌ ولا مبهمٌ، لا من جانب قطر ولا من غيرها من الأنظمة الخليجية أو العربية أو الإسلامية بشكلٍ عامٍّ، وكانَ الواجبُ على النظامِ القطري عدم تفويتِ فرصةِ الردِّ على موقفِ مجرمِ ترامب وإدارته الإرهابيةِ، وأن يتضمّن الردُّ بيانًا أن قياداتِ حماس ليستْ إرهابيةً كما يصفها مجرمُ البيتِ الأبيض وكبار مجرمي إدارته، وأن قيادةَ حماس مقاومةٌ شعبيّةٌ للاحتلالِ الصهيوني الإجرامي الغاصب.
والمؤسفُ أن كُلَّ ما ورد بشأن قيادةِ حماس المتواجدة في قطر أنّ استضافتَها في الدوحة كان بناءً على طلبِ وموافقةِ الإدارةِ الأمريكية ومن الكيانِ الصهيوني، وفي ذلك تنصّلٌ واضحٌ من جانبِ قطر عن واجبِ إيواءِ وإسناد أبناءِ الشعبِ الفلسطينيِّ في حالِ انتفاءِ موافقةِ الإدارةِ الأمريكية على الاستضافة!
وقد تكرّر وصفُ قياداتِ حماس بالإرهاب من جانب عددٍ من ممثلي الدول الغربية في مجلس الأمن الدولي أثناء المناقشات التي دارت في الجلسة التي خصّصها المجلس للهجوم الصهيوني على دوحة قطر، وتحدّدت مواقف الدول الغربية من حماس بشكلٍ عامٍّ بأنّه لا يمكنُ أن يكون لها أيُّ دورٍ مستقبليٍّ في غزة!
ولم يكن هناك من ردٍّ مقابلٍ من جانب ممثلي الدول العربية والإسلامية الحاضرين في جلسة مجلس الأمن الدولي، وكأن الجميعَ مُقِرٌّ بأن حماس وقياداتَ حماس كما تصفُها الإدارةُ الأمريكية والكيانُ الصهيوني وبعض الحكومات الغربية (جماعةٌ إرهابيةٌ)، وطالما الأمر كذلك، فإن الصمتَ يعني الإقرارَ بمنطقِ هؤلاء المجرمين والرضا بالقضاء على حماس وقياداتِها شريطةَ ألا يكون ذلك في قطر أو في غيرها من البلدان العربية!
ذلك هو موقفُ الإدارةِ الأمريكيةِ التي قدّمتْ نفسها على مدى ما يقرب من عامين بأنها وسيطٌ محايدٌ إلى جانب قطر ومصر بين حماس والكيان الصهيوني، وأنّها تعمل على ما تسميه وقفَ إطلاق النار في غزة بين الطرفين!
وقد تمكّنتِ الإدارةُ الأمريكيةُ من خلال ما تملكه من إعلامٍ والماكينةِ الإعلاميةِ الناطقةِ بالعربية من تضليلِ الرأي العام بصفتِها التي روَّجت لها كوسيطٍ في النزاع، رغم كلِّ ما قدّمتْه للمنفّذِ المباشرِ للجريمةِ من حمايةٍ ميدانيةٍ ومن وسائلٍ وأدواتٍ لاقترافِ الجريمة، وتمويلٍ ومواقفَ سياسيةٍ داعمةٍ ومساندةٍ ومؤيدةٍ في مختلفِ المحافل الدولية.
كلُّ ذلك جعل من الإدارةِ الأمريكيةِ أكبرَ شريكٍ مساهمٍ في جريمةِ الإبادةِ الجماعيةِ، وتجاوزت نسبةُ مساهمتِها في الجريمةِ نسبةَ مساهمةِ المنفذِ المباشرِ لأفعالِه الإجراميةِ، بوصف المنفّذِ المباشرِ مجرّدَ أداةٍ بيد الإدارةِ الأمريكية، التي تحكّمت هي باتّجاهاتِ الأحداث والوقائع في قطاعِ غزة!
وليس سرًّا أن مجرمَ الإدارةِ الأمريكيةِ ترامب هو من طالب في بدايةِ ولايتِه بإخلاءِ قطاعِ غزةَ من السكان، وتحويلِ القطاعِ إلى منطقةٍ سياحيةٍ ساحرةٍ تنبضُ بالحياة (ريفيرا الشرق) حسبَ وصفِه، والمجرمُ ترامب هو من أعلن استغرابَه من تركِ الحكومةِ الإسرائيليةِ لقطاعِ غزة خلال المدةِ الماضيةِ رغمَ أهميّةِ احتلالِه، وترامبُ هو من هدّدَ غزةَ بفتحِ أبوابِ الجحيم إنْ لم يتمَّ الإفراجُ دفعةً واحدةً عن جميعِ الرهائن، واستسلامُ حماس ومغادرةُ قياداتِها القطاع!
كلّ تلك المواقف الواضحة والمعلنة لم تقابل من جانب أغلب الأنظمة العربية والإسلامية بأي موقفٍ جديٍّ واضح ينتصر لأبناء الشعب الفلسطيني ويسند مقاومتَه، ولم يقتصر الخِذلان على الأنظمة الحاكمة بل شمل أغلبَ شعوبِ الأمةِ الإسلاميةِ عربيةً وغيرَ عربية.
فهل من ردٍّ، وإنْ أتى متأخّرًا، من جانب شعوبِ الأمةِ الإسلاميةِ عربيةً وغيرَ عربيةٍ، على مجرمِ ترامب وإدارته الإجراميةِ وعلى الكيانِ الصهيوني وغيرِها من القوىِ الاستعماريةِ الغربيةِ؟ مضمونُ ذلك الردّ بصراحةٍ ووضوحٍ: أنَّ الأمة كلّها حماسُ، وأنَّ حماس كلُّ الأمةِ، وأنَّ الهدفَ النبيلَ الذي ستسعى شعوبُ الأُمةِ عربيةً وغيرَ عربيةٍ إلى تحقيقِه من اليوم فصاعدًا هو إزالةُ الوجودِ الأمريكيِّ والصهيونيِّ من كلِّ نقطةٍ في جغرافيةِ الأُمة.