لم يعد العدوّ بحاجةٍ إلى جيوش تجتاح المدن، ولا إلى طائرات تحوم فوق السماء كي يهزم الشعوب.. يكفيه أن يتقن لعبة الوعي، وأن يعرف من أين تُؤكل الشعوب، ومن أين تُستنزف إرادتها.. وهنا تبرز أخطر ورقتين في يد مشاريع الهيمنة الحديثة: المرأة والمال.

ليس لأنهما ضعيفان، بل لأن تأثيرهما عميق ومباشر، ولأن من يعرف كيف يعبث بهما يستطيع أن يفتح أبواب المجتمعات من الداخل بلا معركة.

المرأة، في جوهرها، ليست هدفًا للاستغلال بل عمود الحياة وبُوصلة القيم؛ ولهذا السبب بالذات جرى استهدافها.

أدركت غُرَفُ الحرب الناعمة أن تفكيك الأسرة يبدأ من تشويش دور المرأة، وأن ضرب المجتمع يمرّ من خلال ضرب أُمهاته وبناته.

فبدأت الحملات الإعلامية، والمنظمات الخارجية، والمشاريع "التنويرية" المموّلة، تقدّم خطابًا ناعمًا لكنه شديد الخبث: خطاب يحوّل المرأة إلى ساحة صراع بدلًا عن أن تكون صانعة وعي.

ولكن الأخطر من استهداف المرأة هو استعمالها كسلاح:

كأدَاة تجنيد، وكواجهة اختراق، وكممر لصناعة العلاقات المشبوهة، وكوسيلة لإيقاع الخصوم وتليين القيادات، وكطُعم يجيد العدوّ استخدامه في غرف التجسس والعمل النفسي.

وهذا ليس خيالًا.

فالتاريخ، القديم والحديث، مليءٌ بقصص أجهزة مخابرات استخدمت الجمال والعواطف والاحتياج العاطفي لاصطياد رجال دولة، وكم من اختراق سياسي بدأ من نظرة، ومن محادثة، ومن علاقة صنعتها أجهزة محترفة تعرف جيِّدًا أن بعض الأبواب لا تُفتح بالقوة بل بالفتنة.

ثم يأتي المال، السلاح الأكثر فتكًا حين يكون موجَّهًا نحو بيئة تعاني حرمانًا أَو ظرفًا اقتصاديًّا قاسيًا.

المال قادر على صنع ولاءات، وعلى شراء الصمت، وعلى ترويض الضمائر.

والأخطر أنه قادر على نسخ مجتمع كامل وفق مقاسات المموِّل.

وهكذا تتحول المنح الإنسانية إلى مفاتيح سياسية، والمساعدات إلى خيوط تتحكم بالقرار المحلي، والمشاريع الوهمية إلى قنوات تمرّر النفوذ العدائي تحت لافتة الدعم والتنمية.

والعدوّ، في حقيقته، لا يستخدم المال؛ مِن أجلِ الخير، ولا يستخدم المرأة؛ مِن أجلِ تمكينها؛ هو يستخدمهما؛ مِن أجلِ شيء واحد: الهيمنة.

هيمنة على الوعي، على القرار، على الثقافة، على الأخلاق، على الطريقة التي يرى بها الناس أنفسهم وواقعهم.

لكن الحقيقة الكبرى التي يتجاهلها العدوّ هي أن الشعوب التي تعي خطورة هذه الأدوات هي شعوب غير قابلة للكسر.

المرأة الواعية تتحول من هدف إلى حصن، والإنسان الشريف الذي يعرف أن قوته في كرامته يرفض أن يكون سلعة في مزاد السياسة.

والمجتمع الذي يمتلك بُوصلة قيم واضحة لن ينجرفَ وراء الإغراء مهما لمع الذهب ومهما تلونت الشعارات.

في نهاية المطاف، ليست المعركة مع المرأة ولا مع المال، بل مع من يريد تحويلهما إلى أدوات لإخضاع الأُمَّــة.

ومهما تغيّرت أساليب الحرب، سيظل الوعي الأصيل هو السلاح الذي لا يمكن للعدو أن يشتريه ولا أن يخترقه.

هكذا تنتصر الشعوب:

ليس عندما تتفوق بالسلاح، بل عندما تعرف قيمة نفسها.. وقيمة من يحاول شراءها.