منذ اندلاع معركة "طوفان الأقصى" لم يكن اليمن مُجَـرّد متابع للأحداث، بل كان حاضرًا بقلبه وروحه وموقفه، حاضرًا بمبدئه وإيمانه قبل حضوره السياسي والإعلامي.

خرج صوتُ اليمن وإرادته كواحد من أنقى الأصوات في الأُمَّــة، صوت لم تُحدّده المصالح الضيقة ولا الحسابات العابرة، بل انطلق من يقين راسخ بأن نصرة المظلومين واجب ديني وأخلاقي وإنساني قبل أن يكون خيارًا سياسيًّا.

لذلك كان موقفُ الشعب اليمني وقيادتِه موقفًا صادقًا واضحًا لا لبس فيه، ينسجمُ مع قيم القرآن وروح الإسلام التي تجعل من الدفاع عن المظلومين شرفًا ومن مناصرة الحق فريضة، ولم يكن مستغربًا بعد ذلك أن تشهد المقاومة الفلسطينية واللبنانية بدور اليمن، وأن تصف أنصار الله بـ “إخوان الصدق”، فهذه الشهادة لم تولد من مجاملة سياسية ولا من عبارات إعلامية، بل خرجت من قلب الميدان، حَيثُ تتكلم الدماء والتضحيات، وحيث تُختبر المواقف ولا مكان للزيف أَو الادِّعاء.

إن القرآن الكريم عندما يصف المؤمنين يصفهم بالثبات والصدق والوفاء، يقول سبحانه: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾.

هذه الآية العظيمة لا تتحدث عن شعارات تُرفع ولا خطابات تُقال، بل تتحدث عن رجال يختبر الله صدقهم في ميادين الابتلاء، فيثبتون ولا يتراجعون، ويضحون ولا يبدلون، وهذا المعنى اليوم يتمثل بوضوح في موقف الشعب اليمني وقيادته التي وضعت فلسطين في قلب المعركة، وربطت مصير الأُمَّــة بمصيرها؛ إيمانًا بأن القضية الفلسطينية ليست قضية جغرافيا ولا حدود، بل قضية حق وعدل وكرامة وهُـوية إيمانية، وأن من يتخلى عنها يتخلى عن أقدس معاني الانتماء للإسلام والأمة.

وفي المقابل يحذّرنا القرآن الكريم من المنافقين الذين يظهرون غير ما يبطنون، ويزعجهم الحق وتؤلمهم مواقف العزة والشجاعة.

يقول تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا﴾.

هؤلاء هم الذين يعادون كُـلّ موقف حر، ويشكّكون في كُـلّ خطوة مقاومة، ويسعون لتثبيط الشعوب عن نصرة فلسطين؛ لذلك فإنَّ غضبَ المنافقين والعملاء من شهادة المقاومة لليمن وأحراره ليس أمرًا مفاجئًا، بل هو أمرٌ طبيعي يكشفُ حقيقتَهم، ويضعُهم أمامَ الشعوب التي أصبحت أكثرَ وعيًا وقدرة على التمييز بين من يقفُ مع الحق ومن يقف في صف الباطل.

أما العدوُّ الصهيوني ومن دعمه وسار في ركبه، فقد كشف القرآنُ طبيعتَه العدوانيةَ وعداوتَه لأهل الإيمان، قال تعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾.

وهذه العداوة ليست عداوةَ قوم أَو دم، بل عداوة مشروع قائم على الاحتلال والقهر واغتصاب الحقوق؛ ولذلك فإن مواجهته ليست خيارًا سياسيًّا، بل مسؤولية أخلاقية وإنسانية وإيمانية، ومن الطبيعي أن يُغضِبَه كُـلّ صوت حر وكل موقف صادق وكل دعم حقيقي يصل إلى الشعب الفلسطيني.

إن شهادة المقاومة الفلسطينية واللبنانية لليمن قيادة وشعبًا ليست مُجَـرّد كلمة ثناء عابرة، بل هي وثيقة تاريخية تؤكّـد أن الأُمَّــة لا تزال بخير، وأن فيها شعوبًا وقيادات حرة لا تزال مرتبطة بروح القرآن وقيم العدالة، تؤمن بأن التضامن بين الأحرار هو طريق العزة والنصر.

هذه الشهادة تزيد اليمن فخرًا لكنها في الوقت ذاته تزيده مسؤولية؛ لأَنَّ طريق الحق ليس سهلًا، وطريق الكرامة يحتاج إلى صبر وثبات وإيمان بأن وعد الله حق، وأن النصر لمن ينصر الحق مهما طال الزمن.

قال تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.

اليوم يقف اليمن شامخًا بموقفه، بقيادته المؤمنة الشجاعة المتمثلة في السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله، وبشعبه الصابر الثابت الذي لم تُرهقه سنوات الحرب ولا الحصار عن التمسك بموقفه الأخلاقي والإيماني تجاه فلسطين.

فهذا الموقف ليس تعاطفًا عابرًا، بل هو جزءٌ من الهُـوية الإيمانية ووعي حضاري يدركُ أن الأُمَّــةَ التي تتخلَّى عن فلسطين تفقد بُوصلتَها وقيمَها وتاريخَها، بينما الأُمَّــة التي تتمسك بفلسطينَ تتمسك بكرامتها ووجودها ومستقبلها.

ولذلك فإن غضبَ الصهاينة ومَن تماهى معهم من المنافقين والمطبعين أمرٌ طبيعي، بل هو دليل إضافي على صحة هذا الموقف؛ لأَنَّ الحق يزعج أهل الباطل، ولأن الكرامة تؤلم من اعتادوا الخضوع والارتهان.

سيبقى اليمن رمزًا للصبر والثبات والصدق، وستظل هذه الشهادة وسام شرف على صدر كُـلّ يمني وعربي ومسلم حر، وستظل الحقيقة واضحة: هناك أحرارٌ يقفون مع الحق مهما كانت التضحيات، وهناك منافقون يقفون مع الظلم مهما تغيّرت الشعارات، أما وعد الله للمؤمنين فثابت لا يتغير: ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.