القرآن المنهل الصافي لاكتساب التقوى

 

يقول الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- في كتابه الكريم: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ {آلم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 1]، البرنامج الذي يعود إليه المتقون، والمرجع الثقافي والفكري الذي ينطلقون من خلاله في هذه الحياة، في أعمالهم، في مواقفهم، في التزاماتهم، في ولاءاتهم، برنامج حياتهم يأخذونه من أين؟ هل من المفكِّر الفلاني، هناك رؤى في الدنيا، هناك نُظُم حياة في الدنيا، هناك الكثير من أبناء البشر يعتمدون في مسيرة حياتهم، في اتجاهاتهم بكلها على رؤية لفيلسوف معين، أو مفكِّر معين، كل اتجاهات الناس في هذه الحياة لها مدارسها، لها مفكِّروها، لها المفلسفون لها، ينطلقون من خلالها معتمدين لها في هذه الحياة.

المتقون اعتمادهم بالأساس هو على كتاب الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- يمثِّل القرآن الكريم المرجعية والوثيقة الأساسية التي يعتمدون عليها بشكلٍ رئيسي، وبهذا تتحقق التقوى، لا يمكن أن تتحقق التقوى إلا بهذا، فالله يقول: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}، (ذَلِكَ الْكِتَابُ): هذه إشارة إلى علو شأن القرآن, في المعاني والبيان والبديع تستخدم الإشارة للبعيد أحيانًا، (ذَلِكَ)، وبهذا الأسلوب، {ذَلِكَ الْكِتَابُ}، الإشارة إلى القرآن الكريم في علو شأنه من جوانب متعددة، أولًا: أنه كتاب الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- فله هذه العظمة وهذه الأهمية وهذه القيمة، لكونه كتاب هداية، كتاب عظيم، أنه من الله، كلماته، هديه، ضمَّنه من علمه، ضمَّنه توجيهاته الرحيمة والحكيمة والهادية والنافعة والمفيدة، وضمَّنه أيضًا الحقائق التي لا ريب فيها، ولا شك فيها، ولا ريب أبدًا، ولا قلق أبدًا، ولا شك نهائيًا في أن القرآن كتاب الله بحروفه ومضمونه، كلماته -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- وفي أنه ضمَّن هذا الكتاب من علمه، من حكمته، وجعله أيضًا تجليًا لرحمته فيما ضمَّنه وفيما فيه.

فالقرآن ننظر إليه هذه النظرة: أنه كتاب الله، من علمه، من حكمته، من رحمته، من هديه، من نوره، وفي نفس الوقت أن الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- جعله على مستوًى عظيم جدًّا في الحكمة، في الإتقان، في الإبداع، في الحق، فهو كتاب حق {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: من الآية42]، هذه قيمة كبيرة للقرآن.

في الدنيا هذه كم كتب، كم رؤى، كم مدارس، كم مشاريع قدِّمت للبشرية لتعتمد عليها في حياتها، لتتمسك بها، في مواقفها، في نظامها في الحياة، في شؤونها في الحياة، كم فيها من الباطل، كم فيها من الأخطاء، كم فيها من الجهل، كم فيها من الحسابات الخاطئة والاعتبارات الخاطئة والأفكار الخاطئة؟! أما القرآن فهو حقٌ محضٌ خالصٌ لا يشوبه الباطل بأي نسبة معينة، لا بنسبة (1 %)، ولا (5 %)، ولا (10 %)، ولا (20 %)، كثيرٌ جدًّا في هذه الدنيا من الكتب والرؤى والدراسات والأفكار والأبحاث قد تصل نسبة الباطل في بعضها إلى (90 %)، أو (100 %)، أو (50 %)، أو (30 %)، أو (40 %)، مخلط يعني، نسبة ضئيلة من الحق أو الحقيقة، ونسبة كثيرة جدًّا من الباطل، من الأخطاء، من الأمور التي لا أساس لها، لا تعتبر حقًا بأي اعتبار من الاعتبارات، لا من حيث مطابقتها للواقع والحقيقة، ولا من حيث سلامتها من كل أشكال الظلم، أو الفساد، أو غير ذلك…

فالقرآن الكريم هو الحق المحض، حَقٌ كما قال الله عنه {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ}، بأي شكلٍ من الأشكال، وهو الحكمة؛ لأن توجيهاته، تعليماته، الأوامر التي فيه من الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- التوجيهات التي فيه من الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- مع كونها حق، هي حكمة، كلٌ منها فيما يرتبط به من زمن، من ظروف، من أعمال، من مواقف، مما تستدعيه الظروف والمراحل، يتطابق ويتناسب، بحيث يكون هو أفضل ما ينبغي أن يعتمده الإنسان أو يعتمد عليه، أفضل ما ينبغي أن يعتمد عليه الإنسان، إما من حيث أنه- مثلًا– يناسب هذا الإنسان، أو يمثِّل حلًا لهذا الإنسان، مع كونه حقاً؛ لأن القرآن الكريم توجيهاته هادية، تلامس ظروف هذا الإنسان، وواقع هذا الإنسان، ومتطلبات حياة هذا الإنسان، فهو أحسن ما يُعتمد عليه، في المواقف يكون هو أحسن موقف، في الأعمال أحسن عمل، في التصرفات أحسن تصرف، بكل الاعتبارات: اعتبار الخير لهذا الإنسان، اعتبار الحل لهذا الإنسان، وكل الاعتبارات التي يمكن أن يتطرق إليها الإنسان بأي شكلٍ من الأشكال.

هذه مسألة مهمة جدًّا، القرآن الكريم له عظمة وقيمة أنه من الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- ومن إبداعه، من علمه، من حكمته، برحمته، وهو أرحم الراحمين، والذي-  بحكم رحمته لنا- يريد ما فيه الخير لنا، ما فيه السعادة لنا، ما فيه الفوز، ما فيه السمو لنا، ما فيه الكرامة لنا، ما فيه العزة لنا، ما فيه كل الاعتبارات المهمة والعظيمة والمفيدة والنافعة والمشرِّفة لهذا الإنسان، موجودة في هذا الكتاب، في تعليماته، في هديه، فيما فيه من المعارف، فيما فيه أيضًا من الحقائق الواسعة التي يستفيد الإنسان وينتفع من معرفته بها، ثم تتحقق له الوقاية.

القرآن الكريم بعظمته، بأهميته، بقيمته، باعتباره الحق الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ}، وباعتباره صلة وصل مع الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- صلة بالله، وصل مع الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- لا ينفصل عن الله في تقديره، الأخذ به يساعد على أن تحظى بمعونة إلهية، أن تحظى برعاية إلهية، بتأييد إلهي، بتوفيق إلهي، بهداية إلهية، فالتعامل مع القرآن لا يأتي كحالة منفصلة عن الله، كتاب نعكف عليه هناك، ونرى أن تعليماته تعليمات هناك منفصلة لا تربطنا بالله. بل على العكس؛ هي تربطنا بالله، الأخذ بها يترتب عليه تدخّل إلهي في شؤون حياتنا، بالرعاية، بالهداية، بالرحمة، بالتوفيق، بالمعونة، بالدفع فيما يدفع الله عنا، وفيما يعطينا، فيما يهيئه لنا، فيما يقدِّم لنا من عطاءات نفسية ومعنوية وروحية ومادية وبكل الأشكال، فهذا يعطي قيمة عظيمة جدًّا جدًّا جدًّا للقرآن الكريم، أنه في أصله فيما تضمنه: هدى، خير، حكمة، رحمة، حق، حقائق…الخ. وفي أنه يمثِّل صلة بالله، الأخذ به يتيح لك هذه الرعاية الإلهية الواسعة: {يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ} [المائدة: من الآية16]، تحظى بالبركة من الله {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [ص: من الآية29]، مبارك، البركة هذه مسألة مهمة بالنسبة للإنسان، أن يحظى من الله برعاية وبركات في كل شؤون حياته: البركة في النفس، بركة في الفهم، البركة في الجوانب النفسية في الحياة بكلها.

{لاَ رَيْبَ فِيهِ}، لاَ رَيْبَ فِيهِ أبدًا، لا ريب في أنه من الله، ولا ريب في أيٍ من حقائقه، كلها حقائق مؤكَّدة، موثوقة، متطابقة مع الواقع، لا التباس في ذلك، ولا نقص أبدًا في أي حقيقة من حقائقه، القرآن تامٌ في عدله، تامٌ في صدقه، تامٌ في حقيقته.

الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
للعنة على اليهود
النصر للإسلام

 السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي

من المحاضرة الحادية عشر من سلسلة محاضرات رمضان 1439 هـ

قد يعجبك ايضا