اللغز الإسرائيلي – الأمريكي بالسعي لتسوية القضية الفلسطينية

موقع أنصار الله  || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي- دون أدنى شك لا يوجد أحد يؤمن بحقوق الإنسان لا يرغب بعودة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في الأرض والوطن. وخلال العقود الماضية طُرحت مشاريع كثيرة لتسوية القضية الفلسطينية تراوحت بين الدعوة لإجراء استفتاء شعبي بهذا الخصوص، وانسحاب الكيان الإسرائيلي من الأراضي التي احتلها عام 1967، وحل الدولتين.

 

ويبدو أن اقتراح “حل الدولتين” الذي يعني قيام دولتين متجاورتين، الأولى للفلسطينيين والأخرى للكيان الإسرائيلي هو المرجح لدى الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة دونالد ترامب لتسوية القضية الفلسطينية.

 

وما يعزز هذا الاعتقاد هي المباحثات التي أجراها ترامب مع رئيس السلطة الفلسطينية “محمود عباس” ورئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” في البيت الأبيض وأثناء زيارته إلى الأراضي المحتلة، وكذلك اللجنة التي شكّلتها الإدارة الأمريكية لمتابعة مفاوضات التسوية والتي ضمّت “جاريد كوشنر” صهر ترامب وكبير مستشاريه لشؤون الشرق الأوسط، و”جيسون غرينبلات” الممثل الأمريكي الخاص لهذه المفاوضات و”ديفيد فريدمان” سفير واشنطن الجديد لدى الكيان الإسرائيلي.

 

والتساؤل المطروح: ما هي الظروف والمراحل التي هيّأت الأرضية للإدارة الأمريكية لتبني خيار “حل الدولتين” دون غيره، وهل هناك لغز خاص يقف وراء ذلك، أم أن الأمور تجري وفق السياقات الطبيعية التي تتطلبها التسوية في الشرق الأوسط؟

 

للإجابة عن هذه التساؤلات لابدّ من الإشارة إلى المراحل التي طوتها أمريكا لإجراء التسوية وفق رؤيتها وبما يخدم الكيان الإسرائيلي:

 

المرحلة الأولى: توريط المنطقة بالجماعات التكفيرية والإرهابية وفي مقدمتها “داعش” وما نجم عنه من كوارث بشرية ومادية والذي أدى بدوره إلى انحسار الاهتمام بالقضية الفلسطينية من قبل معظم دول المنطقة، وهذا الأمر أتاح الفرصة لواشنطن لتفعيل مشروع التسوية على أساس حل الدولتين، خصوصاً بعد تطبيع العلاقات بين العديد من الدول الإقليمية لاسيّما في مجلس التعاون وفي مقدمتها السعودية مع كيان الاحتلال، وتحويل الصراع باتجاه إيران بدلاً من الدفاع عن الشعب الفلسطيني وتمكينه من استعادة حقوقه المشروعة وعلى رأسها حق العودة.

 

المرحلة الثانية: سعت أمريكا لإشغال العديد من الدول العربية وتركيا بدعم الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق، الأمر الذي اضطر إيران ومحور المقاومة لمواجهة هذا المشروع، ما أدى أيضاً إلى انحسار التوجه إلى القضية الفلسطينية رغم إصرار الجمهورية الإسلامية ومحور المقاومة على ضرورة إعادة مكانة القضية الفلسطينية إلى الواجهة باعتبارها القضية المصيرية الأولى في العالم الإسلامي.

 

المرحلة الثالثة: سعت أمريكا لحرف أنظار العالم وعلى وجه الخصوص العالم العربي عن القضية الفلسطينية من خلال محاولة جرّ الصراع الفلسطيني – الصهيوني إلى صراع بين العرب وإيران وذلك من خلال إثارة النعرات الطائفية والقومية في عموم المنطقة، وهذا الأمر ساهم أيضاً في انحسار التوجه للقضية الفلسطينية.

 

– نجحت واشنطن في إغراء العديد من الدول العربية لتوجيه إعلامها وإمكاناتها السياسية واللوجستية ضد بعضها البعض كما يحصل الآن بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة وقطر من جهة أخرى، وهذا الأمر يصب في نهاية المطاف بصالح مساعي واشنطن لإجراء مفاوضات تسوية في ظل أجواء متأزمة لاتسمح للجامعة العربية باتخاذ موقف موحد تجاه هذا الموضوع.

 

– سعت أمريكا لإقناع الأنظمة العربية المعادية لإيران وفي مقدمتها النظام السعودي بشراء المزيد من الأسلحة من واشنطن وعقد صفقات اقتصادية وأمنية واسعة معها كمقدمة لإجراء مشاريع استراتيجية تأتي في طليعتها تفعيل مفاوضات التسوية لإنهاء القضية الفلسطينية على أساس “حل الدولتين”. وفي هذا السياق صرّح وزير الحرب الإسرائيلي “أفيغدور ليبرمان” مؤخراً بأن معظم الدول العربية باتت تنظر إلى التطبيع مع “إسرائيل” على أنه يمثل الحلّ لمشاكل المنطقة.

 

المرحلة الرابعة: سعت أمريكا لإقناع حلفائها الإقليميين لترتيب الأوضاع فيما بينهم بما يخدم الكيان الإسرائيلي كما حصل في قبول الحكومة المصرية بالتنازل عن جزيرتي “تيران وصنافير” لصالح السعودية، الأمر الذي سيمهد السبيل لقبول الدول العربية السائرة في الفلك الأمريكي بالتنازل عن الأراضي الفلسطينية لصالح كيان الاحتلال خلال مفاوضات التسوية.

 

المرحلة الخامسة: أقنعت واشنطن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بالترويج لما يسمى “التسوية التاريخية” للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي باعتبارها تمثل مكسباً شخصياً لعباس الذي يطمح أن يسجل هذا المكسب باسمه دون غيره. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الدول العربية الحليفة لواشنطن لا تمانع في أن يكون عباس هو عرّاب التسوية لأنها تعتقد أن ذلك سيرجح الكفّة السياسية للسلطة الفلسطينية مقابل الفصائل الفلسطينية المقاومة التي تصر على ضرورة استعادة كافة الأراضي المحتلة ومنع الاستيطان وعودة جميع الفلسطينيين إلى ديارهم دون قيد أو شرط.

 

من خلال هذه المعطيات يتأكد لدى المراقب بأن الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب ليست بصدد إجراء مفاوضات تسوية عادلة، بل هي تسعى لخدمة الكيان الإسرائيلي على حساب الشعب الفلسطيني من خلال الخطوات والإجراءات التي اتخذتها وتتخذها لهذا الغرض وفي طليعتها إشغال المنطقة بالحروب والنزاعات والجماعات الإرهابية وإرغام الأنظمة الحليفة لها بتطبيع العلاقات مع “إسرائيل” لتهيئة أجواء المفاوضات باتجاه التنازل عن الحقوق الفلسطينية مقابل تعهد واشنطن بدعم هذه الأنظمة ضد إيران ومحور المقاومة في عموم المنطقة.

قد يعجبك ايضا