ما هي إمكانية قيام كانتون إنفصالي في الجنوب السوري؟
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||شارل أبي نادر / العهد الاخباري
بعد التصريحات العسكرية الروسية الأخيرة حول مخطط يُعمل عليه برعاية أميركية، خيوطه العامة تتلخص بإقامة كيان في الجنوب السوري، مستقل عن دمشق، عاصمته درعا، يشبه المنطقة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية شرق الفرات، ويتم التحضير له من خلال تشكيل قوة مسلحة قوامها اكثر من 12 الف عنصر من “النصرة” و”الجيش الحر”، تُنقل أسلحتها الثقيلة عبر ممر بين الاردن وكيان العدو الاسرائيلي، لا بد من تقديم بعض المعطيات الميدانية والاستراتيجية حول صعوبة تحقق هذا المخطط، والتي يمكن تلخيصها بما يلي:
* ميدانيا
– بعد تحريره أغلب المناطق المحيطة بالعاصمة دمشق، يمكن القول أن الجيش العربي السوري يملك المبادرة الميدانية كاملة في الوسط وامتدادا نحو الجنوب السوري، وأصبح يتوفر لديه امكانيات واضحة، عسكرياً وبشرياً، تؤهله تنفيذ عملية واسعة جنوبا لتحرير كامل تلك الجغرافيا، أو على الأقل، تؤهله لحماية اأماكن سيطرته الحالية ما بين درعا والقنيطرة بشكل متماسك وفعال.
– هذا المخطط المزعوم ليس بجديد، وكان من أهداف المسلحين الجنوبيين الثابتة، وحيث كانوا دائما يفشلون في تحقيقه في أصعب ظروف انتشار الجيش العربي السوري وأضعفها، في الجنوب والجنوب الشرقي، فمن المؤكد انهم سيفشلون اليوم ايضا، بعد تحرير الجيش العربي السوري كامل الحدود الجنوبية والجنوبية الشرقية مع الاردن، بين التنف وبين نقطة التقاء ريف السويداء مع ريف درعا جنوب “ذبين”، وخاصة بعد انتزاعه نقطة ربط مسلحي درعا والقنيطرة مع قاعدة التنف، والتي كانت دائما تشكل الثغرة الأخطر أمنيا وعسكريا على مواقع الدولة السورية جنوبا .
– جاءت ايضا استعادة الجيش العربي السوري وتحريره لمناطق بيت جن المتاخمة للجولان المحتل، لتعطي الأخير نقطة ارتكاز مهمة، تؤمن له قاعدة ضغط واسعة ومؤثرة على مسلحي محافظة القنيطرة، ما بين جباتا الخشب والحميدية ومدينة القنيطرة، وهذه تعتبر ثغرة ميدانية سيستفيد منها الجيش حكما لمواجهة مخطط التوسع المزعوم للمسلحين.
* استراتيجيا
– من الواضح أن الأردن يفهم خطورة سيطرة المسلحين المتعددي الولاءآت والانتماءآت في مواقع حدودية معه، على أمنه وعلى اقتصاده، خاصة في ظل التشنج الأمني غير المتوازن، والحساسية التي تشكلها المخيمات الحدودية بين التنف والركبان وغيرها، وحيث انه خَبِر جدا هشاشة وخطورة سيطرة المسلحين على تلك الحدود وتأثيرها السلبي على تركيبته الداخلية من جهة، وعلى معابره الحدودية مع سوريا من جهة اخرى، من الطبيعي أن يقف بوجه هذا المخطط المؤذي لأمنه القومي، ولعلاقته المستقبلية مع الدولة السورية التي تمضي قدما على طريق استكمال سيطرتها على كامل حدودها المعروفة والمحددة دوليا وقانونيا.
– لناحية كيان العدو الاسرائيلي، من الطبيعي أن يكون داعماً لهذا المخطط الذي يقوّض السيادة السورية، هذا بالمبدأ، ولكن عملياً، أصبح كيان العدو يعرف جيداً أن فكرة خلق كانتون انفصالي حدودي معه في الجنوب السوري، لن يؤمن حمايته بعد الآن من حزب الله ومن الوجود الايراني، كما تدعي دائما، لأن الصواريخ والطائرات الايرانية المسيّرة، والتي هي مصدر الخطر على وحداته في الجولان او في داخل فلسطين المحتلة، لا تحتاج لبقعة قريبة جغرافيا من تلك المواقع، وهذه الصواريخ والطائرات المسيّرة تملك القدرة التقنية والفنية على استهداف المواقع الاسرائيلية، في العمق أو في الجولان المحتل، من مسافات تتجاوز مئات الكيلومترات، ومن مناطق أبعد بكثير من تلك المنطقة الحدودية الجنوبية المنفصلة عن دمشق.
– بعد ما حدث من اشتباك دولي واكب عملية تحرير الغوطة الشرقية، وما رافقها حول موضوع الاتهامات باستعمال الاسلحة الكيماوية ، وصولا الى العدوان الثلاثي الفاشل على سوريا، وثبات روسيا كرأس حربة بمواجهة هذا العدوان، من الطبيعي أن الأخيرة لن تقبل بتقويض السيادة السورية من البوابة الجنوبية، بعد أن ساهمت بفعالية مع الدولة السورية على إجهاض تلك المحاولة من الغوطة الشرقية مؤخرا، ومن عدة مناطق سابقا.
وأخيراً، هل يكون ما تصوّب عليه الدولة الروسية اليوم، عبر الاعلان عن هذا المخطط المرتقب، رسالة مزدوجة ، فيها أولاً تحذير للولايات المتحدة الاميركية بأنها ( أي روسيا) واعية للمخطط الاأميركي الذي يقوم على تحضير مجموعات مسلحة ( تابعة لدول او لفصائل) وزرعها بين الشرق والجنوب السوري قبل تنفيذ الانسحاب الاميركي المرتقب من سوريا، وفيها ثانيا رسالة للجيش العربي السوري، تدعمه من خلالها لتنفيذ عملية هجومية استباقية، ظروفها الميدانية والعسكرية متوفرة، يتمدد الاأخير من خلالها جنوبا، محرراً ما تبقى من أماكن سيطرة المسلحين بين درعا والقنيطرة، وممسكا بكامل حدود الدولة جنوبا، مع الاردن ومع الجولان المحتل؟