الرسائل الداخلية والخارجية لانتصار حزب الله في المعركة الانتخابية

موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي

صدرت النتائج الرسمية للانتخابات اللبنانية يوم أمس، معلنة بدء مرحلة سياسية جديدة بحصول حزب الله وحلفائه على الأغلبية في المجلس النيابي (67 مقعداً من أصل 128) وتلقي السعودية وحلفائها صفعة قوية بخسارتهم الأكثرية التي كانوا يتمتعون بها سابقاً، حيث مُني رئيس الحكومة سعد الحريري (الحليف الأبرز للسعودية) بالهزيمة الكبرى في تاريخه بخسارة أكثر من ثلث مقاعده النيابية، منهية احتكار تياره الأزرق للتمثيل السني في لبنان، العلامة الفارقة في هذه النتائج كانت أيضاً الخسارة التي مُنيت بها قوى الرابع عشر من آذار، من الجنوب إلى الجبل والشمال وبيروت والبقاع، بالرغم من الدعم والتمويل الذي تتلقاه من الخارج ولاسيما عن طريق العائلة الحاكمة في السعودية التي كانت ترى فيها الأمل نحو استعادة نفوذها مرة أخرى في مواجهة حزب الله.

 

وشكّلت الانتخابات اللبنانية الهادئة في محيط مشتعل انتصاراً كبيراً لجميع أبناء الشعب اللبناني، وترسيخاً لدعائم الديموقراطيّة في هذا البلد الصغير على مساحته الكبيرة في تأثيره، هذا الانتصار الذي حققته المقاومة وحلفاؤها يوم أمس حمل في طياته رسائل كثيرة على الصعيدين الخارجي والداخلي وهي على الشكل التالي:

 

على الصعيد الداخلي:

 

أولاً: استطاع القانون النسبي أن يعطي كلّ حزب أو مجموعة سياسية مقاعد داخل المجلس النيابي توازي قوته الانتخابية، محققاً العدالة بين جميع الأطراف في التمثيل، وساهم هذا القانون بتغيير توزّع الأوزان في المجلس النيابي بإتاحة المجال أمام قوة مجتمعية صغيرة لتمثيل نفسها في المجلس النيابي، وهذا ينسحب على الأقليات التي تضيع أصواتها تحت قواعد تؤمنها القوانين الأخرى، كقانون الستين وهذا يخرج لبنان من الثنائيات والتكتلات التقليدية التي ظهرت بعد الطائف وحتى يومنا هذا والتي أظهرت أن عداءها ومناكفاتها العنادية التعطيلية جعل عملها إذا ما عملت، غير منتج طوال عقود من استلامها الحكم.

 

ثانياً: لم تفلح المليارات السعوديّة الإمارتية في ثني بيئة حزب الله عن مواقفها الراسخة تجاه سياسات الحزب في الداخل والخارج، لا بل فشلت في جذب البيئة التي كانت محسوبة عليها سابقاً، عبر نسبة مشاركة متدنيّة جداً في بيروت، وكانت صادمة في نتائجها حيث حصد مرشح حزب الله عن المقعد الشيعي أصواتاً أكثر من الرئيس الحريري في بيئته السنية، كما أن التيارات الإسلامية المتورطة في الحراك السياسي الناشط في لبنان والمنطقة منذ عقد تعرّضت لهزيمة قاسية، حيث لم تستطع التيارات السلفية في الشمال وبيروت والبقاع وصيدا، أن تحصل على نسبة من الأصوات تكفي لنيلها مقعداً واحداً في البرلمان اللبناني، وفي مقابل فإن النسب فاقت الستين بالمئة في البيئة المنافسة كبعلبك والجنوب التي حصد فيها التحالف الوطني (تحالف حزب الله وحركة أمل) العلامة الكاملة وهذا ما يظهر التأييد الشعبي للمقاومة في حربها على الإرهاب وفي مشاريعها الداخلية والخارجية.

 

على الصعيد الخارجي:

 

وبعيداً عن الرسائل الداخليّة التي حملها الانتصار الكبير لحزب الله وحلفائه في هذه الانتخابات، لن تقتصر تبعات الانتصار السياسي على الحضور النيابي “المقاوم” في المجلس اللبناني فحسب، بل ستُرخي هذه النتائج ظلالها على المشهدين الإقليمي والدولي.

 

أولاً: حاولت كلٌّ من السعودية وأمريكا زعزعة مكانة تَحالُف قِوى المُقاومة داخل لبنان، عبر ضَخّ مِليارات الدُّولارات في هذا الصَّدد وفرض العقوبات الاقتصادية على مؤيدين للمقاومة في الخارج، إضافة إلى التهديدات المتكرّرة للعدو الصهيوني للبنان بشنّ حرب مهولة على لبنان بسبب حزب الله في سبيل إضعاف تَمثيلِه السياسي في البَرلمان اللُّبناني ولكن جُهودهم هَذهِ تَحطَّمَت على صَخرة الوَعي اللُّبناني، حيث التف اللبنانيون حول مقاومتهم مؤمنين بها غِطاءً سِياسياً لمِحوَر المُقاوَمة وهذا ما أكده الأمين العام لحزب الله يوم أمس خلال خطاب متلفز حيث وصف النتائج أنها “انتصار سياسي ومعنوي كبير لخيار المقاومة الذي يحمي سيادة البلد”، معتبراً أن “تركيب المجلس النيابي الجديد يشكّل ضمانة وقوة كبيرة لحماية هذا الخيار الاستراتيجي ولحماية المعادلة الذهبية، الجيش والشعب والمقاومة”.

 

ثانياً: أظهرت نتائج الانتخابات النيابية أيضاً فشل المحاولات الأمريكية والسعودية في تشويه صورة حزب الله الخارجية، وهذا ما قالته الباحثة حنين غدار في مقالها على صفحة معهد واشنطن تحت عنوان: “حزب الله” سيكون الفائز الأكبر في الانتخابات اللبنانية، وطالبت حنين في نهاية مقالها المجتمع الدولي باستمرار مساعيه من أجل تقويض المقاومة في لبنان حيث قالت “لتقويض حزب الله بشكل أكبر، يتعين على المسؤولين الغربيين فضح الفساد الداخلي للحزب – وهو الأمر الذي يشكو منه الشيعة اللبنانيون بالفعل، فلا يجب السماح لـ “حزب الله” بتصوير نفسه على أنه يحارب الفساد بينما هو ضالع في الوقت نفسه بأعمال الفساد، ومن المرجّح أن يؤدي نشر المعلومات الاستخبارية عن الكسب غير المشروع الذي يقوم به حزب الله وأنشطته الإجرامية إلى تقويض مصداقيته، وبالفعل، تستهدف العديد من الدول الغربية تمويلات حزب الله» لأنه منظمة إرهابية، ويجب ألّا تخفف من مثل هذه الضغوط لمجرد فوز الحزب بأغلبية برلمانية”.

 

ختاماً، هو انتصار جديد تحققه المقاومة أمام المشروع السعودي الإسرائيلي الأمريكي في المنطقة، فبعد انتصاراتها في الميادين العسكرية، ها هي اليوم تحقق انتصارها السياسي ليتكامل مشروعها الذي أصبح عصيّاً على الخرق والكسر، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو حول الخطوة المقبلة لأمريكا وحلفائها والتي بنظر البعض لن تكفّ عن ضرب رأسها بالحائط، بل ستستمر بتكرار معزوفاتها ضد المقاومة ودعم الأطراف المعادية لها في الداخل لأنها لن تجد استراتيجية جديدة غير تشويه صورة المقاومة داخلياً وخارجياً.

قد يعجبك ايضا