فلسطين المحتلة: بوصلة اليمنيين الأولى
|| تقارير || أمين النهمي
تحيي الأمة العربية والإسلامية يوم القدس العالمي في آخر جمعة من شهر رمضان من كل عام، وذلك بعد أن أصبحت قضية القدس مجرد خطاب إعلامي مستهلك، ودغدغة لعواطف المسلمين فقط، تعمد الإمام الخميني رحمة الله عليه بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران في عام 1979م ، دعوة كافة المسلمين إلى إحياء هذا اليوم والذي أختار أن يكون الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك من كل عام ، وأن يعلنوا فيه عن تضامنهم في الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني المسلم ومواجهة كيان العدو الإسرائيلي الغاصب
يوم مواجهة المستضعفين مع المستكبرين
يوم القدس العالمي آخر كل جمعة من شهر رمضان الشريف، دعا فيه الإمام الخميني رضوان الله عليه، جميع مسلمي العالم إلى الخروج في هذا اليوم لأحياء القضية المركزية التي يجتمع على أحقيتها ومظلوميتها للخروج في مسيرات تضامنية مع أبناء القدس لكي يعرف العالم أن القدس هي قضية المسلمين جميعاً.
الهدف والأهمية
لم يعّد مستغرباً التعتيم على احياء يوم القدس العالمي مع ما يمثله هذا اليوم من أهمية كبيرة، فيوم القدس العالمي هو تصحيح لبوصلة الصحوة الاسلامية، التي جهدت الدول الغربية طوال السنوات الماضية، لحرفها عن مسارها، وخلق والترويج لنوع جديد من “الاسلام”، يكفر عموم المسلمين، ويرتكب المجازر في الناس الأبرياء، ويقوم بالعمليات الانتحارية التي تقتل فقط المسلمين، فيما الصهاينة والكافرين في مأمن منها، فتصبح الجماهير الاسلامية بين نموذجين أحدهما يكفر والآخر يطبع، بل ويجمع بين الأمرين.
ويأتي الهدف من إحياء يوم القدس العالمي في توحيد وتذكير المسلمين والعالم بقضية فلسطين، وأن القدس قضية المسلمين جميعا؛ كما أن مشاركة الشعب اليمني في مسيرة يوم القدس العالمي لها طابعها ومكانتها وتأثيرها على مستوى العالم كونها تأتي واليمن يمر بعدوان ظالم دخل عامه الرابع من قوى الإستكبار الصهيونية العالمية أمريكا وإسرائيل وأدواتها العربية.
وهناك أهمية كبيرة في إحياء هذه المناسبة السنوية كي تتجذر لدى عقول الصغار والكبار لأنها قضية متآمر عليها من اليهود ومن بعض المسلمين فلابد من التمسك بإحياء مناسبة يوم القدس العالمي حتى يتم تحرير كل شبر مستعمر من قبل اليهود.
وتزايدت أهمية احياء مناسبة القدس العالمي وتزايدت الحاجة الملحة للأمة اليها مع المستجدات والمتطورات المتلاحقة لمواجهة السعي الحثيث والمستمر لأبعاد الامة عن الاهتمام بقضيتها المركزية كما إن يوم القدس العالمي هو حدث سنوي يعارض احتلال إسرائيل للقدس، ويتم حشد وإقامة المظاهرات المناهضة للصهيونية في هذا اليوم في بعض الدول العربية والإسلامية في مختلف أنحاء العالم.
اليمن أصبح اليوم جزءاً اساسياً في استعادة هوية الأمة
من الواضح أن اليمن أصبح اليوم جزءاً اساسياً في استعادة هوية الأمة واعادة رسم مستقبلها، وأصبح بإمكان كل مواطن يمني مهما كانت بساطته ومكانته، المساهمة في نصرة قضايا الأمة في اطار مشروع عملي يراكم الانجازات ويسهم في تحمل جزء كبير من العبئ الذي يثقل كاهل القوى الشريفة في الأمة.. كما يخفف من الهجمة الشرسة التي تتعرض لها حركات المقاومة في فلسطين ولبنان وسوريا.
لقد ظلت القدس المحتلة والقضية الفلسطينية في المرحلة السابقة في اليمن مقتصرة على جمعيات خيرية وصناديق لجمع التبرعات لفلسطين لا أقل ولا أكثر، أما كمسيرات وتظاهرات تضامنية فلم تكن سوى على هامش بسيط بسبب توجه الدولة وموقفها من القضية الفلسطينية المشابه لموقف معظم الانظمة.. الفارق اليوم كبير جدا، فالمشاركة الشعبية والسياسية الكبيرة جداً في يوم القدس العالمي هو تعبير أن القضية الفلسطينية تعني له الكثير كشعب عربي مؤمن بأن احتلال فلسطين واقتطاع جزء من الخارطة العربية امتهان للكرامة العربية، يؤكد التحول الكبير على المستوى السياسي، وتوجه الدولة وموقفها من القضية الفلسطينية، ومن الصعب أن يجد الشعب اليمني نفسه ضمن محور يسعى للتطبيع مع كيان العدو الاسرائيلي أو حتى السكوت عن هذا المحور، فضلا عن الدفاع عنه أو التماهي والقتال تحت رايته، ما يجعل السعودية اكثر عدوانية وانتقاما من هذا الشعب، فهي قد أنفقت مليارات الدولارات في مراكز تعليم ومساجد وتيارات دينية ومجاميع سلفية، وصولا إلى بناء مشيخات وساهمت في إيصالهم إلى اهم مراكز الدولة.
حالة شعبية ثابتة لدى أبناء الشعب اليمني
يوم القدس هو تجسيد لبوصلة الحق وتمييز الحق من الباطل في زمن غارق في الفتن المذهبية والتضليل الاعلامي، هو البرهان على عدالة قضايا الشعوب التي لم تمنعها آلامها، من الدفاع عن قضية المسلمين الأولى، وهو ما بدا جلياً في المسيرات التي عمت شوارع اليمن الجريح في يوم القدس العالمي، والتي رفعت شعار “رغم العدوان فلسطين قضيتنا الأولى”.
باتت القضية الفلسطينية حالة شعبية ثابتة لدى أبناء الشعب اليمني، وشهدت اهتماما متزايدا عز نظيره في أي بلد عربي مسلم؛ وذلك من خلال الانشطة المتعددة لشعب الإيمان والحكمة، والحضارة والتاريخ، بدءاً بيوم القدس العالمي، ومرورا بسلسلة الفعاليات والندوات المختلفة المدافعة عن الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وانتهاء بالتظاهرات والمسيرات الجماهيرية الحاشدة، وحملة التبرعات لصالح الشعب الفلسطيني؛ رغم ما يمر به الشعب اليمني من ظروف وأوضاع صعبة واستثنائية جراء استمرار العدوان الأمريكي السعودي وما يفرضه من حصار منذ ما يقارب ثلاث سنوات.
وليس حدثاً عابراً أن ترى الجموع الغفيرة من الصائمين، يخرجون في اليمن في مسيرات حاشدة يوم اخر جمعة في شهر رمضان المبارك، إحياءً ليوم القدس العالمي على الرغم من شدة حر الصيف، وازيز طائرات الموت الذي لا يتوقف، والجرائم والمجازر الوحشية التي ترتكبها لاسيما تلك التي ترتكبها في التجمعات الشعبية، ولا يمكن أن يمّر المرء مرور الكرام على مشهد الجماهير المحتشدة من الرجال والنساء، وقد امتلأت الشوارع بهم في العاصمة صنعاء، والمحافظات الاخرى، وهي ترفع شعارات القدس، ودعم القضية الفلسطينية والبراءة من قوى الاستكبار أمريكا وإسرائيل، وتصّدح حناجرهم الصائمة وشفاههم الذابلة بشعار: الله أكبر ،الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام ، كتعبير لهم عن الاستنكار الشديد ورفض احتلال القدس الشريف ودعوة لتحريرها من الظلم والاستبداد ودنس الصهاينة.
موقف ثابت
أصبح يوم القدس العالمي في اليمن مناسبة ثورية تشهد زخم شعبي كبيرة جداً تفضح وتحرج كل عملاء دول الاستكبار، لاسيما بعد العدوان الأمريكي السعودي على اليمن، والفضائح التي كشفها هذه العدوان في مواقف بعض الدول العربية وعلاقاتها المباشرة بالعدو الإسرائيلي وكشفت حجم التآمر الصهيوأمريكي على اليمن .
وفي الوقت الذي غابت القضية الفلسطينية عن الشارع العربي؛ وإعلامه المهترئ غيابا متعمدا، ظلت القضية الفلسطينية حاضرة بقوة في وجدان الشعب اليمني؛ كقضية مركزية، وموقف مبدئي وثابت لا يمكن التراجع عنه قيد أنملة، بل تشكل القضية الفلسطينية بوصلة لليمنيين، ومنطلق أساس ورئيس لحل مشكلات الأمة العربية والإسلامية.
وليس خفياً عن أن دوافع العدوان السعودي الأمريكي الذي دخل عامه الرابع؛ هو معاقبة الشعب اليمني لإصراره على نصرة القضية الفلسطينية، ويمكن تأكيد ذلك بسهولة من خلال مشاركة العدو الإسرائيلي والأمريكي في هذا العدوان؛ وعلى العكس تماماً، لم ينجح العدوان في تحقيق هدفه؛ بل تزايدت حالة السخط الشعبي اليمني على العدو الإسرائيلي، وأدى لاقتناع الكثير من اليمنيين بصوابية التمسك بالقضية الفلسطينية كقضية العرب والمسلمين الأساسية.
شعبٌ أُسست ثورتُه من أولِ يومٍ على التقوى وقضيةِ فلسطين، حاضرٌ لنصرتِها في كلِّ حين، وفيما أغلبُ العالمِ العربيِّ والإسلاميِّ في غفوةٍ تتطلبُ صيحةً كبرى لإيقاظِه، تميّزت العاصمةُ صنعاءُ من باقي العواصمِ بمسيرةٍ قُدسية تساندُ القدسَ في محنتِها، وتنصرُ غزةَ في معركتِها، ومن صنعاءَ ومن وسطِ شعبٍ يتصدّى للعدوانِ ويتحدى الحصارَ متطلعًا إلى تحريرِ القبلةِ الأولى خوطبَ أدعياءُ الشرعيةِ وشركاءُ العاصفةِ السعوديةِ أن يكونوا رجالًا منصفين.. ويشكلوا تحالفًا مماثلًا وينطلقوا إلى تحريرِ أرضٍ احتلها الصهاينة ليستعيدوا شرعيةً مفقودةً منذُ زمن ٍإن كانوا بحقٍّ طلابَ شرعيةٍ، وأن يقاتلوا هناك لإعادتِها إلى الحضنِ العربي، ليكسبوا زعامةً ظنوها في اليمنِ فأخطأوها، وطلبوها في غيرِ مكانِها، أما أن يديروا ظهورَهم عن القضيةِ المركزية، ويلتحقوا بمشروعِ الصهيونيةِ فقد سقطوا إذن في وحلِ الخيانةِ التاريخية، وصاروا كإسرائيلَ كلاهما عدوّ.
“الموت لأمريكا ولإسرائيل”
العاصمة صنعاء، شهدت الأيام الماضية، مسيرة جماهيرية حاشدة تحت شعار ” تموت أمريكا وإسرائيل وتحيا القدس ” تضامناً مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة ورفضا لتصفيتها، وتنديدا بالجرائم الاسرائيلية التي ترتكب على حدود قطاع غزة بحق الفلسطينيين المدنيين العزل، حيث رفعت الاعلام الفلسطينية وأحرقت الأعلام الامريكية والإسرائيلية .. مؤكدين أن القدس قضية اليمن الأولى ووقوف الشعب اليمني مع الشعب الفلسطيني ورفضه لتهويد القدس وقرارات الإدارة الأمريكية بنقل السفارة الأمريكية إليها، وتأكيداً على عروبية القدس وفلسطين.
وردد المشاركون في المسيرة الهتافات المنددة بالمواقف الأمريكية والأنظمة العميلة إزاء القضية الفلسطينية، وأكدت الحشود الجماهيرية موقف الشعب اليمني الرافض والمناهض للصهاينة والمشروع الأمريكي، وأن القضية الفلسطينية حاضرة في وجدان أبناء الشعب اليمني برغم العدوان الجائر الذي يتعرض له اليمن منذ أربعة أعوام من قبل أمريكا وإسرائيل وأعوانهم في المنطقة”.
وحمل المشاركون في المسيرة الأنظمة العربية المنبطحة ومشيخات الخليج المسؤولية الكاملة فيما يحدث من انتهاكات وجرائم بحق الشعب الفلسطيني وتجريف للأرض والمقدسات من قبل العدو الصهيوني ومن خلفه أمريكا.
ودعت الجماهير كافة أبناء الأمة الإسلامية للقيام بواجبهم تجاه قضيتهم الأولى والتحرك الجاد في سبيل الانتصار للشعب الفلسطيني المظلوم وللمقدسات الإسلامية التي يسعى العدو الصهيوني لتهويدها وطمس هويتها الإسلامية.
السلاح صوب العدو
مواقف الوفاء المتواصلة للشعب اليمني، تتلاقى مع الجهود العسكرية التي تقدمها القيادة اليمنية في الجيش واللجان الشعبية عبر تخريج دورات عسكرية تحت اسم فلسطين والقدس، ما يؤكد أن القدرات اليمنية في مختلف المجالات هي في خدمة القضية الفلسطينية، وإن السلاح هدفه الأساس هو التوجه صوب العدو الصهيوني للأمة، وما العدوان السعودي الأمريكي الإماراتي على اليمن سوى أحد الأساليب لإلهاء الشعب اليمني الحر عن قضية فلسطين وعن العدو الذي اغتصب أرضها، حيث يسعى مسوخ الخليج ومن ورائهم الأمريكان والصهاينة إلى تركيع الشعب اليمني، وإخضاعه، واخراجه من الحضور الفاعل مع القضايا العربية والاسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، لكن هيهات لهم ذلك ما بقي في عروقنا دماء، فالشعب اليمني مهما زادت جراحه لا ينشغل عن قضايا الأمة؛ ولن يتخلى عن فلسطين مهما بلغت التضحيات.
نصر الله يُشيد بالشعب اليمني
سيد المقاومة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، تحدث عن الشعب اليمني في ذكرى يوم القدس العالمي في شهر رمضان الماضي، حيث قال “هذا الشعب لم يترك القضية الفلسطينية رغم كل شيء.. مئات الآلاف من كل الشرائح وتحت المخاطر بالقصف والقتل يتظاهروا.. يكفي هذا المشهد لنؤكد الفشل الأمريكي الإسرائيلي السعودي في اليمن وإن الشعب اليمني يؤكد أنه لم ولن يتخلى عن فلسطين والقضية الفلسطينية”.
لمن التعويل اليوم:
أن الكثير من الأنظمة وفي مقدمتها النظام السعودي اتجهت بعد أن مكنت الكيان الصهيوني من السيطرة على أرض فلسطين لإزالة أي حجر عثرة قد تشكل تهديدا للكيان الصهيوني ولو بعد حين، ووصل الأمر بالأنظمة العربية إلى أن يتآمروا على حركات المقاومة التي بدأت تهدد الكيان الصهيوني وشكلت نواة حقيقية لتحرير فلسطين، فساهمت في قمعها وحصارها أكثر وأسوأ مما قام به الصهاينة.
بات التعويل اليوم على دول محور المقاومة، وشعوبها الحرة في اليمن وسوريا ولبنان والعراق؛ في الانتصار للشعب العربي الفلسطيني لاستعادة حقوقه ومقدساته، واقتلاع السرطان الخبيث من جسدها الطاهر.