المقدّمة الأخيرة لصفقة القرن: المال مقابل التنازل
|| عين على الأحداث ||
يبدو أن الطبخة المسمومة التي حضّر مكوناتها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أصبحت على وشك الاستواء، وها نحن اليوم نشهد بداية المقدمة الأخيرة للطبخة الأمريكية والتي سميت “صفقة القرن”، بموجب هذه الصفقة سيتم تصفية القضية الفلسطينية وتحويل فلسطين إلى حلم أو ذكرى يتوارثها الأجيال من آبائهم لتتحول فيما بعد إلى حكاية شعبية يبدؤونها بعبارة “كان يا مكان”، فهل يمكن أن يتحقق حلم أمريكا في القضاء على حلم أبناء فلسطين بالعيش آمنين على تراب بلادهم أم سيتحقق حلم فلسطين بحرق طبخة ترامب، وهل ستكون “المقاومة” هي الحل في إشعال نار هذه الصفقة من جديد وإحراقها بعد أن أوشك ترامب على إخماد النار تحتها ليتلذذ بها مع أصدقائه في تل أبيب، ولكن كيف يمكن إبطال سحر ترامب الأسود؟!.
الأخبار القادمة من خلف المحيط الأطلسي لا تبشّر بالخير، ففي كل مرة نسمع بها بأن مستشار البيت الأبيض جاريد كوشنر قادم إلى الشرق الأوسط ينتابنا شعور بأن هناك قرارات جديدة تقترب من النضوج، فكيف إذا كان المبعوث الأمريكي لعملية السلام في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات قادم مع كوشنر هذا الأسبوع إلى الشرق الأوسط، لبدء جولة يزور فيها الاثنان كلّاً من السعودية ومصر والأردن وقطر و”إسرائيل”.
ماذا يريد كوشنر وغرينبلات؟!
تهميش القضية الفلسطينية وإفراغها من محتواها، هذا هو العنوان الكبير لهذه الجولة، ولكن الأدوات هذه المرة أكثر خبثاً ودهاءً مما نتوقع؛ هذه المرة سيتم “دسّ السم بالعسل” فما هو السم وما هو العسل؟!.
السُم تحدثنا عنه كثيراً ويتمثل بشكل أساسي في بنود “صفقة القرن” والتي تتضمن، إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ولكن على الطريقة الأمريكية، حيث تطرح الصفقة ضمّ القدس كلها لـ”إسرائيل” وهذا ما فعله ترامب فعلاً مطلع العام الحالي حين نقل سفارة بلاده إلى هناك في خطوة جريئة لم يتمكن أحد من أسلافه القيام بها، كما تتضمن الصفقة إسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وضمّ المستوطنات بالضفة إلى دولة الاحتلال، والسماح بحكم ذاتي للفلسطينيين على الأجزاء المتبقية من الضفة، والسماح بكيان فلسطيني على غزة وأجزاء من شمال سيناء المصرية.
أما العسل فيتمثل في استغلال الأوضاع المعيشية الصعبة لأبناء غزة المحاصرين منذ أكثر من عشرة أعوام، والعمل على إدخال بعض الأوكسجين الاقتصادي إلى القطاع الذي يعاني من اختناق اقتصادي كبير، سببه بعض العرب و”إسرائيل” وتجاهل السلطة الفلسطينية، وبالتالي المناخ السياسي هناك جاهز لكي يبدأ كوشنر باستغلال الفرصة، خاصةً أن مصر والسعودية حاضرة للمشروع الجديد ولا نعلم إن كانت الأردن قد أجبرت على القبول أو أنها سترضخ للأمريكي بعد أن لوح لها بعصا المظاهرات وإسقاط النظام.
سيتم استغلال تعشيم الغزاويين لأي تحسين يطرأ على معيشتهم، لهذا وبحسب صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية فإن إدارة دونالد ترامب تحاول إقناع دول الخليج باستثمار مئات الملايين من الدولارات في مشاريع اقتصادية في غزة، في إطار خطة لتهدئة الأوضاع الأمنية وخلق زخم قبل أن يعلن البيت الأبيض عن خطته للتسوية “صفقة القرن”.
بدأت مصر مؤخراً ومنذ حوالي شهر بفتح معبر رفح في خطوة مثّلت مفاجأة للغزيين، الذين اعتادوا على إغلاق شبه تام لنافذتهم الوحيدة إلى العالم منذ عدة سنوات، والأغرب أن مصر لم تعد تعادي حركة حماس على اعتبارها امتداداً لحركة “الإخوان المسلمين”، وحالياً تشهد العلاقة بين النظام المصري وحركة حماس تحسّناً مضطرداً في العلاقات، وهناك تعاون في تبادل المعلومات فيما يتعلق بمكافحة الارهاب، كما أن مصر تتقرب من حماس أكثر فأكثر، فهل يمكن أن يكون ذلك كلّه كُرمةً لعيون “صفقة القرن”؟!.
المشاريع
سينقل كوشنر إلى الدول التي سيلتقي بزعمائها في الشرق مجموعة من المشاريع التي يتأمل هو وإداراته أن تكون كفيلة ببدء تنفيذ ثاني خطوة من خطوات “صفقة القرن” ولكن هذه المرة من البوابة الاقتصادية، حيث سيتم طرح، معالجة قضية إمداد غزة بالطاقة، وبناء مشاريع طاقة شمسية قرب الحدود المصرية عند مدينة العريش، وبناء ميناء في المنطقة الشمالية لغزة، وبناء محطات تحلية للمياه، وإقامة ميناء بحريّ ومطار جويّ في مِنطَقة رفح المِصريّة المُحاذِية له.
احتمالات النجاح
المشاريع التي سيتم طرحها قد تكون خديعة للجميع لامتطاء ظهر القضية الفلسطينية وطعنها من الخلف على أمل أنها محمية من دول عربية، وهنا يكمن ذكاء ترامب، الذي يريد توريط دول عربية فيها لكي ينسحب منها في أي لحظة يجد أن الأمور لا تسير على النحو الذي يريد، وهناك احتمال كبير بألّا يحدث ما يريد لأن أبناء غزة لن يقبلوا بما سيطرح عليهم مقابل تصفية قضيتهم التي دفعوا في سبيل الحفاظ عليها مؤخراً عشرات الشهداء، حتى أنهم يخترعون أساليب للمقاومة لا تخطر على بال أحد وهذا ما يرعب نتنياهو الذي عجز عن استخدام القوة ويعلم أن الوضع في غزة على وشك الانفجار لذلك لا بدّ من تنفيسه بأي مشروع لمصلحة الغزاويين حتى لو كان وهمياً، وربما ما قاله المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة يفي بما يجول في ذهن الفلسطينيين، حيث اعتبر أبو ردينة، أن الحديث عن جولة أمريكية جديدة في دول المنطقة لبحث ما تسمى صفقة القرن سيكون “مضيعة للوقت”، مؤكداً أن “مصيرها سيكون الفشل” إذا استمرت بتجاوز الشرعية الفلسطينية.