تطبيع العلاقات البحرينية – الإسرائيلية.. من السياسة حتى الثقافة

|| صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي

قبل أيام أعلنت البحرين أن وفداً إسرائيلياً سيشارك في اجتماع لجنة التراث العالمي الذي تنظّمه منظمة “اليونسكو” وتستضيفه المنامة خلال الفترة من 24 يونيو/حزيران الحالي إلى 4 يوليو/تموز المقبل.

 

وبرّر مستشار التراث العالمي في هيئة الثقافة والآثار البحرينية “منير بوشناقي” حضور الوفد “الإسرائيلي”، بأن الاجتماع هو شأن دولي، وأن أي “دولة” في الأمم المتحدة لها حق المشاركة فيه.

 

ورغم عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية تربط البحرين بالكيان الإسرائيلي فإن هذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها المنامة بشكل صريح استضافة وفد “إسرائيلي”، فهل تسير البحرين على خطا السعودية باتجاه التطبيع العلني مع كيان الاحتلال بعد عقود من التأرجح على سلالم التقارب السري؟

 

للإجابة على هذا التساؤل لا بدّ من الإشارة إلى أن هرولة البحرين نحو التطبيع مع “إسرائيل” ليست وليدة اليوم، فالبداية ترجع إلى عام 1994 حينما زار “يوسي ساريد” وزير البيئة الإسرائيلي المنامة على رأس وفد كبير، تحت ذريعة المشاركة في مؤتمر يتناول قضايا البيئة.

 

وبعدها بـ 6 سنوات تقريباً أي في عام 2000 عقد في “دافوس” لقاء بين ولي عهد البحرين “سلمان بن حمد آل خليفة” والرئيس الإسرائيلي السابق “شمعون بيريز”، أنتج فيما بعد قرار المنامة بإغلاق مكتب مقاطعة “إسرائيل” في البحرين، لتبدأ بعدها رحلة التطبيع بشكل ودّي وإن لم تخرج للعلن بصورة رسمية.

 

وفي سبتمبر/أيلول 2005 قررت السلطات البحرينية رفع الحظر عن دخول البضائع الإسرائيلية للأسواق البحرينية، وأثار هذا الإجراء جدلاً كبيراً لدى الأوساط الشعبية في البحرين وعموم المنطقة على حد سواء.

 

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2007 عقد وزير الخارجية البحريني “خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة” اجتماعاً مع اللجنة اليهودية الأمريكية في نيويورك أثناء مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

 

وفي 2008 التقى ملك البحرين “حمد بن عيسى آل خليفة” مع “شمعون بيريز” و”تسيبي ليفني” وزيرة الخارجية الإسرائيلية آنذاك، على هامش مؤتمر “الحوار بين الأديان” في نيويورك، فيما أعلن الحاخام “أبراهام كوبر” رئيس مركز “إيلي فيزنتال” الأمريكي أنه التقى بالملك البحريني وسمع منه تأكيدات صريحة بشأن “حق البحرينيين” بزيارة “إسرائيل”.

 

وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي زار وفد من إحدى الجمعيات البحرينية يضم 24 شخصاً كيان الاحتلال، وتزامنت الزيارة مع إعلان الرئيس الأمريكي “دونالد ترمب” القدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى المدينة المحتلة.

 

وفي 10 مايو/أيار الماضي دافع وزير خارجية البحرين “خالد بن أحمد آل خليفة” عمّا أسماه حق “إسرائيل” في الدفاع عن نفسها، في إشارة لوجود قوات محور المقاومة المدعوم من إيران للدفاع عن سوريا.

 

وفي الشهر ذاته كشفت اللجنة الأوليمبية الفلسطينية عن مشاركة متسابقين بحرينيين في ماراثون أُقيم على الأراضي المحتلة، معتبرة إياها سابقة تنطوي على درجة عالية من الخطورة تصل حدّ الخيانة العظمى لنضالات الشعب الفلسطيني وتضحياته.

 

وكان الملك البحريني قد كلّف ولده “ناصر بن حمد آل خليفة” قائد الحرس الملكي ورئيس المجلس الأعلى للرياضة في البحرين بدفع التطبيع مع تل أبيب قدماً في هذا المضمار.

 

كما أرسل “حمد آل خليفة” ولده “ناصر” إلى ما يسمى “متحف التسامح” التابع لمركز “شمعون فيزنتال” اليهودي في لوس أنجلوس، ووقف ناصر وقتها عندما تم عزف النشيد الإسرائيلي “هتكفا” خلال مراسم خاصة أقيمت في تلك المناسبة.

 

وكانت وثائق “ويكليكس” قد كشفت النقاب عن أن الملك البحريني تباهى في لقاء جمعه بالسفير الأمريكي في فبراير/شباط 2005 بالمنامة بأن هناك علاقة عمل قوية تربط المنامة بجهاز المخابرات والمهام الخاصة الإسرائيلي “الموساد”، وأنه يدرس توسيع نطاق العلاقات مع “إسرائيل” إلى مجالات أخرى.

 

وتنبغي الإشارة كذلك إلى أن العائلة الحاكمة في البحرين قد استفادت عبر الاتصالات السرية والعلنية مع الكيان الإسرائيلي من خبرات هذا الكيان في القمع وتغيير الحقائق، وذكرت صحيفة (معاريف) إن الاستخبارات البحرينية استعانت بالموساد لقمع الانتفاضة الشعبية في البحرين نظراً لتجربته في قمع الانتفاضة الفلسطينية.

 

كما تؤكد تقارير صحفية بأن الملك البحريني أصدر أوامره بألّا تستخدم التصريحات الرسمية عبارات مثل العدو والكيان الإسرائيلي عند الإشارة إلى “إسرائيل”.

 

ووصفت صحيفتا (هآرتس) و(يديعوت احرونوت) العلاقة بين الكيان الإسرائيلي والبحرين بالجديّة، وتفيد تقارير الصحيفتين بأن هذه العلاقة لم تعدّ سرّاً خافيّاً على أحد من متابعي السياسة في المنطقة والعالم، خصوصاً بعد أن كشفت حركة الاحتجاجات السلمية للشعب البحريني الكثير من الأوراق بهذا الشأن.

 

صحيفة “هآرتس” أشارت أيضاً إلى وجود علاقات سرية وعلى مستوىً عالٍ بين تل أبيب والمنامة في السنوات الأخيرة، وأن مسؤولين من كلا الطرفين قد التقوا عدّة مرات على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة ومنتدى “دافوس” الاقتصادي.

 

الصحيفة أشارت كذلك إلى أن وزير خارجية البحرين كان له علاقات وطيدة مع رئيسة حزب كاديما “تسيبي ليفني”، وذلك عندما شغلت الأخيرة منصب وزيرة الخارجية في الكيان الإسرائيلي بين عامي 2007 و2009.

 

من جانبهما أشارت صحيفتا (الغارديان) و(الإندبندنت) البريطانيتان في تقريرين منفصلين إلى أن سلطات المنامة وافقت على السماح للخطوط الجوية الإسرائيلية باستخدام مجالات البحرين الجوية، وفتح سفارات ومكاتب تجارية، والسماح بدخول السيّاح الذين يحملون ختم الكيان الإسرائيلي على جوازات سفرهم إلى أراضي البحرين.

 

من خلال قراءة هذه المعطيات وغيرها يمكن القول وبشكل قاطع بأن البحرين كما السعودية قد تخلت عن ولاءاتها فيما يتعلق بالعلاقات مع الكيان الصهيوني في كل المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية وباتت المصالح المشؤومة هي الحاكمة فوق كل الاعتبارات الدينية والأخلاقية والتاريخية.

 

ويواجه التطبيع بين المنامة وتل أبيب رفضاً كبيراً من قبل الشعب البحريني ونخبه السياسية والثقافية المعارضة التي تؤكد بأن موقف العائلة الحاكمة نحو التطبيع مع كيان الاحتلال يتناقض تماماً مع موقف أغلبية الشعب البحريني.

 

وعادة ما ترافق موجة من الغضب والرفض الشعبي في البحرين أي استضافة لوفود “إسرائيلية” من قبل نظام المنامة باعتبار أن هذه الاستضافات تمثل خطوات ومقدمات وقحة يقوم بها هذا النظام للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي الذي لا يدع فرصة إلّا ويستغلّها لجرّ الأنظمة السائرة في ركبه خدمة للمشروع الصهيوأمريكي الرامي إلى تمزيق المنطقة والاستحواذ على مقدراتها والعبث بمصيرها.

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com