مقاومون … عُملاء !؟
قد تستغرب عزيزي القارئ وللوهلة الأولى من عنوان هذا المقال متسائلاً كيف مقاومون … وعُملاء !؟ ، إذ أن المقاومة تنبع من الوطنية وحب الوطن ، والعمالة* على العكس تنبع من الخيانة وبيع الوطن ، وتلك مدلولات لا ريب فيها ، “فالمقاوم الوطني” يقابله “العميل الخائن” ، ولا يُمكن أن يكون المقاوم خائناً اطلاقاً .
ومن المعلوم أن احتلال البلدان واستعمارها بالقوة العسكرية سابقاً قد ادت إلى ظهور مشروعين هما مشروع المقاومة ضد المُعتدي المحتل ومشروع العمالة مع المُعتدي المحتل ، وكلاهما نقيض الأخر ولا يُمكن لشخص واحد أن يحمل هذين النقيضين المتناقضين اطلاقاً مثلما لا يُمكن أن يحمل جسم شخص واحد فصيلة الدم (A+)مع فصيلة الدم (O-).
لقد بدأ الحديث عن المقاومة منذ عشرينيات القرن المنصرم في مصر وسوريا والجزائر وغيرها ليصل زخم ذلك الحديث إلى الزمن الذي تلا الاجتياح الاسرائيلي لجنوب لبنان عام 1982م عندما كنا نسمع وقتها عن وجود “مقاومين” يسّطرون اروع الملاحم البطولية ضد المُعتدي المحتل وكانوا بمقاومتهم الشريفة تلك عنواناً لتحرير الاوطان من المحتل الصهيوني ، وفي المقابل كنا نسمع ايضاً عن “عملاء” يعملون مع المُعتدي المحتل ويقاتلون معه ابناء وطنهم ويقدمون له المعلومات الاستخباراتية، إلا أن الأمر اليوم اختلف فبعدما صار لمصطلح “المقاومة” ومكوناتها صدى واسع بين اوساط المجتمعات العربية والاسلامية سارعت قوى الاستكبار الى توظيفه لمصلحتها واستخدامه ضمن الحرب الاعلامية وذلك بوصف ونعت فلوها وحركاتها التي اتخذتها كأداة جديدة لاستعمار الدول واسقاط أنظمتها دون الحاجة للزج بجيوشها في ذلك ، بالمصطلح واعتبارهم فصائل مقاومة فمن سوريا إلى العراق إلى ليبيا وانتهاءًً باليمن التي صاروا يطلقون فيها مصطلح “المقاومة” على فلولهم وادواتهم الاستخباراتية التي تعمل على تنفيذ مشروعهم التأمري في اليمن في محاولة بائسة لتزييف وعي الشعب اليمني والشعوب العربية والاسلامية وقلب الحقائق.
إن مثل هكذا خزعبلات لا يُمكن ان تنطلي على الشعب اليمني الذي اصبح يُدرك جيداً ويعّي اكثر من هم المقاومون الاحرار ، ومن هم العمُلاء الاشرار ، فمن المعروف أن المقاوم من يتصدى للمشاريع والمؤامرات الاجنبية التي تُحاك ضد وطنة ، وليس من يسارع الى تنفيذها على ارض وطنة ويتلقى أوامره من اروقة السفارات وعبر المكالمات والمراسلات الدولية!
ولا يُمكن أن يكون الفرد مقاوماً وهو يتلقى الاموال والاسلحة من الدولة الأجنبية التي تعتدي على وطنة ليُشارك المُعتدي بها في ارتكاب الجرائم الوحشية بحق ابناء وطنه ، كما انه من المستحيل ان يكون الفرد مقاوماً وهو يرفع علم الدولة الاجنبية “المملكة السعودية” التي تعتدي على وطنة وتدمر البُنى التحتية وتهلك الحرث والنسل بل ويدوس بأقدامه العلم الرسمي لوطنه كما فعل عناصر القاعدة في القصر الجمهوري بالمكلا، كما أن المقاوم الفعلي هو من يدُافع عن ابناء وطنه ويدفع عنهم الأذى والقتل وليس من يقتلهم وينفذ فيهم أحكام الاعدام ذبحاً على مرئ ومسمع من الناس بتهمة انهم يرفضون العدوان الاجنبي على بلدهم.
والمقاوم ليس من يصدر بيانات التأييد لقصف وطنه ويقدم لقاصفيه المعتدين الاحداثيات والمعلومات الاستخباراتية اللازمة للمواقع التي يجب استهدافها، والمقاوم ليس الذي ينهب البنوك والمتاحف والاثار ويعيث في وطنة فساداً مقابل حفنه من الاموال الاجنبية التي اتضح فيما بعد انها مزورة! ، فالجزاء من جنس العمل ، والاموال المزورة جزاء العمالة وثمن الخيانة للوطن.
وهنا يحق لنا أن نتساءل من هم المقاومون ، ومن هم العملاء؟ ونحن نشاهد بحدقات اعيننا ونسمع بأذاننا عن جيش ولجان شعبية يسطّرون اروع الملاحم البطولية في الدفاع عن الوطن وسيادته الوطنية ، وعن عملاء خلعوا ثوب الوطنية واصبحوا عراة ، ومنهم من غادر البلاد وسارع للارتماء بأحضان ال سعود يقبلون رؤوس جراحاهم في مستشفيات الرياض ويطالبون بالاستمرار في القصف وارتكاب المجازر الوحشية بحق ابناء وطنهم شيوخاً ونساءً وأطفال ، ومواصلة تدمير وطنهم.
*العمالة هنا لا تُشير الى القوى العاملة وانما الى العمل لصالح الأجنبي المحتل والتآمر ضد الوطن