السعودية من ” أكبر دولة مصدره للنفط في العالم ” الى أكبر عجز في تاريخ ميزانيتها !
اعداد / أحمد يحيى الديلمي
أعلنت المملكة السعودية موازنتها العامة لعام 2015 بنفقات قياسية متوقعة تسجيل عجزاً مالياً ” للمرة الأولى ” بقيمة 145 مليار ريـال سعودي (38.61 مليار دولار) نتيجة لتراجع أسعار النفط، وهو ما يجعل المملكة أكبر مصدر للنفط في العالم تسجل عجزا في الموازنة للمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية في 2009 بقيمة 145 مليار ريـال ما يعادل 38.61 مليار دولار (الدولار= 3.755 ريـال سعودي).
والسؤال المطروح الان : ما الذي حدث ؟ هل من المعقول أن نرى المملكة السعودية ” أكبر مصدر للنفط في العالم” تواجه أكبر عجز في تاريخ ميزانيتها وانها تتجه نحو الإفلاس؟ وماهي الاسباب الحقيقة وراء ذلك ؟
من غير المقبول الحديث بأن انخفاض اسعار النفط العالمي يُعّد السبب الرئيس وراء العجز المالي في موازنة المملكة السعودية ، فثمة اسباب اخرى تفسر حدوث ذلك العجز ، فعلى الرغم من الطفرات النفطية التي وفرت للمملكة السعودية تريليونات الدولارات خلال السنوات الخمسين الماضية ، فإنّ هدف تنويع مصادر دخل الاقتصاد السعودي ما يزال بعيد المنال في ضل غياب سياسية اقتصادية ناجعة للمملكة ، لاسيما وان عائدات النفط تشكل الجزء الاكبر من إيرادات المملكة والتي تقدر بنحو 90% من إيراداتها ، وكلما استمرت أسعار النفط بالتدهور ستنكشف أكثر فأكثر عورات السياسات الاقتصادية السعودية التي تركز على الإنفاق الكبير للتسلح ، وتمويل الجماعات التكفيرية في عدة بلدان ، والانفاق الهائل على الحروب في اليمن وسوريا وغيرها من الدول وما يترتب عليها من تقديم مساعدات وتعويضات والتي تقدر بمليارات الدولارات للعديد من الدول لقاء مشاركتها في تلك الحروب أو التغاضي عن الجرائم التي ترتكبها بحق تلك الشعوب .
يُبرر النظام السعودي بأن العجز جاء نتيجة انخفاض اسعار النفط ويتجاهل استمراره في الإنفاق الضخم على التسليح والصفقات المشبوهة لشراء مختلف الاسلحة التي يعقدها امراء ال سعود ، في حين يستمر وبوتيرة عالية في استنزاف اموال المملكة في الانفاق السخي واللامحدود لإذكاء نار الحروب والفوضى والصراعات المسلحة في العديد من الدول العربية ، سوريا والعراق ..الخ ، بالإضافة الى عدوانها العسكري على اليمن الذي يترتب علية انفاق مليارات الدولارات ما بين نفقات الضربات الجوية والعمليات البرية وصفقات استجار المرتزقة للقتال ومساعدات للدول وشراء ولاءات أنظمنها ، وصفقات شراء المواقف الدولية ومنظمات الامم المتحدة.
الإنفاق الضخم على التسليح
من المعلوم أن المملكة السعودية زادت من حجم إنفاقها العسكري بشكل مضطرد حتى وصل خلال العام الماضي 2014م إلى أكثر من 81 مليار دولار ليشكل ثالث أكبر ميزانية عسكرية في العالم بعد ميزانيتي الولايات المتحدة الأمريكية والصين على صعيد شراء الأسلحة خلال العام الماضي 2014 ، بالإضافة الى انفاق مليارات الدولارات في صفقات مشبوهة لشراء اسلحة في العام 2015 بالتزامن مع شن عدوانها على اليمن.
تم تداول بعض المعلومات عن صفقات الأسلحة السعودية والتي منها شراء اسلحه أميركية الصنع بقيمه 150 مليار دولار مع مصاريف تدريب وصيانه وقطع غيار لمدة خمس سنوات ، وشراء طائرات من فرنسا بقيمه 36 مليار”طائرات رافائيل” كما تكفل السعوديين بدفع مبلغ 26 مليار دولار لشراء طائرات “رافئيل الفرنسيه” هديه لمصر ، بالإضافة الى ابرام صفقه سياسيه مع روسيا 30 مليار ، والرشاوي التي دفعتها المملكة لشراء مواقف الدول لمنحها شرعيه العدوان على اليمن.
نفقات عدوانها على اليمن
في ضل التعتيم السعودي على خسائرها بعدوانها على اليمن لا يستطيع أحد حتى الساعة تقديم أرقام دقيقة عن تكلفة العدوان السعودي على اليمن ، غير أن التقديرات الأولية المبنية على تكاليف حروب أخرى مشابهة ترجّح بأن التكلفة بلغت أَكثر من 50 مليار دولار منها على سبيل المثال ـ لا الحصر ـ تكاليف تشغيل 175 طائرة مقاتلة وتزويدها بالذخائر ، حيث أن تكاليف استخدام مثل هذا العدد من الطائرات تقدّر بما لا يقل عن 175 مليون دولار شهرياً.
مجلة فوريان بوليسي الأمريكية كشفت عن تكاليف العدوان السعودي على اليمن ، حيث جاء في تقرير لها بأن تكاليف بارجتين حربيتين تتبعهما ست فرقاطات تم استئجارها من قبل السعودية تبلغ 300 مليون دولار يومياً، فضلاً عن تكاليف الجنود التي على متنها الذي يصل عددهم 6000 جندي بعدتهم وعتادهم و 450 طائرة بطياريها ومدافعها وصواريخها بعيدة المدى، وهذا يعني أن اجمالي تكاليف البارجتين مع توابعها بلغت 54 مليار دولار خلال الأشهر الست الماضية من بدء العدوان.
كما بلغت نفقات استخدام قمرين صناعيين عسكريين في اليوم الواحد تبلغ 48 مليون دولار وهذا يعني بالشهر الواحد تصل الى مليار و440 مليون دولار ما يعني أنها بلغت ثمانية مليار و640 مليون دولار في الشهور الست الماضية من بدء العدوان.
العوامل التي جعلت السعودية على حافة الإفلاس
إن الإنفاق الضخم على التسليح ، وتكلفة العُـدوان الباهظة على الـيَـمَـن والتي بلغت أَكثر من 50 مليار دولار تقريباً ، وكذا البذخ والفساد الذي يمارسُه أمراء آل سعود ، بالتزامن انخفاض أسعار النفط عالمياً مثّلت أهم العوامل التي جعلت السعودية على حافة الإفلاس وتواجه أكبر عجز في تاريخ ميزانيتها بلغ عشرات المليارات في الميزانية خلال الربع الأول من العام الحالي ، مقارنة بماضي المملكة التي كانت دَائماً ما تسجل فائضاً مالياً كبيراً.
ويتوقع صندوق النقد الدولي قيام السعودية بإنفاق جميع احتياطاتها المالية خلال السنوات الـ 5 القادمة ، وذلك في ظل هبوط أسعار النفط بأكثر من النصف منذ منتصف العام الماضي ، إضَــافَة إلى تكلفة العدوان التي تقودها السعودية على الـيَـمَـن والتي بلغت أَكثر من 50 مليار دولار، كما أن الآثار الجانبية التي ترتبت على العُـدْوَان على الـيَـمَـن والتي دفعت نظام آل سعود للإنفاق بشكل كبير على دُوَل التحالف المشاركة في العُـدْوَان وشراء الأسلحة من فرنسا وأمريكا وألمانيا وروسيا والتي كلفتها عشرات المليارات.
وأشار صندوق النقد الدولي في تقريره المتعلق بالشرق الأوسط نشر يوم 23 أكتوبر2015 ، إلى أن عجز الميزانية لدى أكبر اقتصاد في المنطقة من المتوقع أن يبلغ في العام الحالي 21.6% من حجم الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، و19.4% في العام القادم
وتذهب تقارير لمنظمات دولية الى القول بما يعزز ذلك ، حيث ترى مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات الأمريكية أن العجز في الموازنة السعودية نتيجة العدوان على اليمن “وانخفاض اسعار النفط وارتفاع معدلات البطالة وتراجع احتياطيات النقد الاجنبي يثير قلق الاسواق العالمية، ويسهم في هروب رؤوس الاموال من البلاد.
وتزداد التوقعات بتراجع معدلات النمو في السعودية صاحبة أكبر اقتصاد عربي ، حيث يتوقع عدد من المحليين من خلال مسح أجرته وكالة رويتر للأنباء تراجع نمو الاقتصاد السعودي من 3.6% خلال العام 2014 إلى 2.6 % خلال العام 2015.
تمويل العجز المتزايد في الميزانية
لمواجهة العجز في الميزانية أعلنت السلطات السعودية حالةَ التقشف وتقليص البعثات الدراسية للطلاب السعوديين وتقليص مستحقاتهم المالية، وشمل ذلك تقليص البدلات التي يحصل عليها الأستاذة الجامعيون رغم أنها مجتمعة لا تمثل حلاً لسد العجز المالي ولا تمثل إلا نسبة بسيطة مما تنفقه السعودية على الأسلحة والدول العظمى وعلى العدوان التي تقوده على الـيَـمَـن بشكل مباشر، وتموّلها في سوريا والعراق وليبيا وعلى الجيوش التي استأجرتها من السودان وغيرها.
ومع استمرار انخفاض أسعار النفط إلى أكثر من النصف ، وبدلاً من القيام بالإصلاحات الاقتصادية الضرورية تلجأ المملكة السعودية بشكل متزايد إلى إصدار المزيد من السندات الحكومية لتمويل العجز المتزايد في ميزانيتها ، كما تستمر بسحب المزيد من المليارات من صندوقها السيادي الاحتياطي الذي تشكلت أمواله من فوائض الطفرات النفطية.
صحيفة الغارديان البريطانية ذكرت أن المملكة السعودية أصدرت خلال المدة المنصرمة من العام 2015 سندات بقيمة حوالي 27 مليار دولار لتمويل العجز المتزايد في ميزانيتها. وكان آخر هذه الإصدارات يوم الثلاثاء في 11 أغسطس 2015م بقيمة 5.3 مليار دولار.
غير أن الحكومة السعودية لا تكتفي فقط بإصدار السندات، بل أنها تلجأ لتمويل العجز بسحب عشرات المليارات من صندوق الاحتياطات المالية السيادية الذي قُدرت قيمته بحوالي 732 مليار دولار أواخر العام 2014 ، غير أن هذه الاحتياطات تراجعت إلى 673 مليارا في أغسطس 2015 ، وفي حال استمرار تراجع الإيرادات النفطية إلى أكثر من سنتين فإن المملكة ستواجه مشكلة مالية كبيرة بسبب الزيادة الكبيرة في الإنفاق الحكومي الذي ارتفع سنويا بنسبة 17 إلى 18 بالمائة سنويا خلال السنوات العشر الماضية.
والجدير بالذكر أن بيانات مؤسسة النقد العربي “التي تلعب دور البنك المركزي” تفيد بأن الحكومة السعودية سحبت ما يزيد على 25 مليار دولار من أرصدتها الاحتياطية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2015م ، ويرى مراقبون أن هذه الأموال صرفت لزيادة الإنفاق العسكري والتحضير للعدوان إضافة إلى تقديم المساعدات للدول المشاركة فيه وهي مصر والمغرب والأردن والسودان ، حيث تتلقى مصر القسم الأكبر من المساعدات الخليجية التي يتم تقديمها من أجل الحرب ، فخلال مؤتمر شرم الشيخ في مارس 2015 تعهدت السعودية والكويت والإمارات بتقديم 12.5 مليار دولار للقاهرة على شكل مساعدات واستثمارات وودائع في البنك المركزي المصري ، أما المساعدات المقدمة إلى الأردن والمغرب والسودان فتقدر بحوالي 5.5 مليار دولار .
إن استمرار تراجع أسعار النفط من جهة، والوتيرة الحالية السريعة لاستهلاك أموال صندوق الاحتياطات المالية من جهة أخرى سيقود خلال أعوام قليلة لاستهلاك هذه الاحتياطات ، وفي حال حصل ذلك سيصعب على السعودية بيع المزيد من السندات الحكومية والاقتراض من الأسواق الدولية لتجد المملكة السعودية انها امام عجز مالي غير مسبوق وانها اتجهت نحو الإفلاس بسياساتها الاجرامية وقتل الشعوب وتدمير الاوطان ..
سنوات عجاف قادمة بانتظار الاقتصاد السعودي
ثمة عدة عوامل تمنع زيادة أسعار النفط ، حيث تذهب تقديرات عديدة إلى أنّ أسعار النفط لن تتحسن بسرعة هذه المرة كما حصل خلال العقود الثلاثة الماضية ، ويعود هذا الأمر لأسباب عدة في مقدمتها التخمة الحالية في السوق النفطية بسبب رفض السعودية ومعها دول خليجية أخرى تخفيض كمية الإنتاج خلال قمة منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك الأخيرة”.
ويزيد من حدة التخمة استمرار الركود العالمي على وقع الأزمة المالية العالمية ، يضاف إلى ذلك أنّ الاتفاق النووي الإيراني سيُفسح المجال أمام إيران لزيادة إنتاجها النفطي وصادراتها منه إلى أكثر من الضعف بحلول عام 2017 ، كما أنّ العراق في طريقه لإنتاج 4 ملايين برميل يوميا ما يعني ضخ المزيد من الصادرات في الأسواق العالمية ، ومع تحسن تقنيات إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية ستكون الأخيرة قادرة على ضخ المزيد من النفط للاستهلاك المحلي والتصدير.
كل هذه العوامل تنبئ بسنوات عجاف قادمة بانتظار الاقتصاد السعودي الذي يعتمد في إيراداته على النفط الخام كونه يشكل مع مشتقاته أكثر من 90 بالمائة من الصادرات السعودية.