أنصارالله يوطدون السِلم الاجتماعي في الريف ويطوون الثأر.

موقع أنصار الله || صحافة محلية || سبأ: أنس القاضي

 

كما لم يحدث في تاريخ دولة الجمهورية اليمنية منذ قيامها في العام 90م شهدت الخمسة الأعوام الماضية اتفاقيات صلح قبلية عديدة رعاها أنصار الله، أنهت قضايا ثأر مقيمة منذ عشرات السنين أودت بحياة آلاف المواطنين وعطلت النشاط الزراعي في كثير من الأراضي.

إن القبيلة اليمنية اليوم بجانب مشاركتها في مواجهة العدوان وانتزاع السيادة الوطنية وفرض علاقة ندية مع دول تحالف العدوان كشرط للسلام المستدام في كل الوطن، فهي إلى جانب ذلك تصنع أسس السلام الاجتماعي في الريف اليمني، وهو شرط التنمية والديمقراطية، وهذا السلام الاجتماعي المرجو بناءه على أنقاض الثأر، قضية خطيرة وحاسسة، لا يستطيع أي طرف دولي وخارجي ولا أي منظمة أممية ولا خطط حكومية بيروقراطية أن تقيمه لم يكن هناك رغبة اجتماعية قَبلية في صناعة هذا السلام الاجتماعي، وهي الرغبة الذي يمدها أنصارالله بالإرادة السياسية ويحولونها إلى سلوك، وفي كل يوم تتعمق الروابط الأخوية في مناطق حكم السلطة الوطنية وتطوى صفحت مُظلمة من صراعات الثأر الجاهلية، فيما على النقيض يعمل تحالف العدوان -كما كانت عليه ممارسة عملائه في السُلطة السابقة- على تعميق المشاكل وخلق الصراعات في المناطق المُحتلة وخاصة المحافظات الجنوبية التي تَشهد عملية استقطاب مناطقية خطيرة تدفع إليها دول العدوان الطامعة بالموانئ السواحل والجزر والثروات النفطية والسمكية والمرجانية.
وستولد الظروف المواتية ليتعمم هذا السلام الاجتماعي ويتحقق على نحو أكمل وبشكل مستديم ويعم سائر اليمن عندما تتوقف الحرب العدوانية على بلادنا وترتفع المعاناة وتنجح مساعي المصالحة الوطنية الداخلية لمداواة بقية الجِراح على قاعدة التوافق والشراكة الوطنية.
                                                            (صلح صوير والجميمة)
تؤسس المصالحات القبلية لعهد جديد مهمة الدولة وأجهزتها ورجالها فيه هو تضميد الجراح ووأد الفتن وحقن الدماء وتوحيد القلوب وصيانة الأرواح والممتلكات، وطوي عهود من الفتن في اثارة الحروب والنِزاعات والمتاجرة بدماء ابناء القبائل وهو ما كان عليه سابقاً كنهج شبه رسمي يحظى بدعم سُلطة الفساد والاستبداد التي كانت ترعى الحروب القبلية، ولذا فلم يكن مستغرباً التفاف القبائل حول السلطة الوطنية في صنعاء وقبلها حول ثورة 21 سبتمبر وأنصار الله، فقد وجدت القبائل مصلحتها في السِلم الاجتماعي والاستقرار والتوجه نحو النشاط الزراعي والتجاري، وهو النهج الذي كرسه أنصار الله منذ انطلاقتهم في صعدة، حيث حُلت قضايا الثأر وحقق المجتمع سلماً داخلياً واستقرارا وأصبحت أقرب إلى التعامل الحضاري مع الدولة ومؤسساتها مما كانت عليه سابقاً كسلطات ودول نافذة تتجاوز سُلطة الدولة وتتحداها.
الصُلح القبلي الأكبر بين حجة وعمران
مؤخراً، رعى عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي- الخميس الماضي- في العاصمة صنعاء صلحا قبليا تاريخياً لإنهاء النزاع بين أبناء مديرية “الجميمة” بمحافظة حجة وأبناء مديرية “صوير” في محافظة عمران وهو النزاع الذي يمتد لأكثر من نصف قرن من الزمان وبهذا الصُلح الشامل يكون قد طويل ملف 30 حرب أهلية بين هذه القُبُل أودت بحياة ما يقارب 150 قتيل وأكثر من 1000 جريح خلال العقود الماضية.
وتكمن أهمية هذا الصلح أنه يقع ديمغرافيا في المنطقة الفاصلة والحد بين قبائل بني عرجلة التي تنتمي لحاشد، وقبائل الجميمة التي تنتمي لقبائل حجور، والصلح بينهما يُفقد تحالف العدوان أهم الأوراق الذي يوظفها في إضعاف اليمن وتأليب ابنائه ضد بعضهم وهي الانقسامات الاجتماعية، ومن شأن هذا الصُلح أن يفتح الطريق لإنهاء الصراعات والحروب القبلية بين ابناء القبائل المنتمية لداعي حجور وحاشد، ويوحد ابناء قبائل حجور وحاشد، وجهودهم نحو العدو الحقيقي لاستقلال وسيادة وتطور الجمهورية اليمنية .
الصلح التاريخي أتى بعد جهود مكثفة ومتواصلة لمحافظي محافظتي حجة وعمران القاضي هلال الصوفي والدكتور فيصل جعمان اللذان عملا على المتابعة والإشراف على تقريب جميع الأطراف عبر لجنة الوساطة وزير الدولة الشيخ نبيه ابو نشطان وأعضاء من اللجنة المشكلة من المحافظتين تنفيذا لتوجيهات قائد الثورة السيد/ عبد الملك الحوثي والقيادة السياسية ممثلة بفخامة رئيس الجمهورية الأخ/ مهدي المشاط.
فلسفة جديدة لمرحلة جديدة
إن هذا الاتفاق وغيره من الاتفاقيات الصلح القبلية مثلت ركيزتها في الوعي الاجتماعي قضية مواجهة العدوان، فهي القضية الأبرز التي على قاعدة اللقاء حولها تمت هذه ألاتفاقيات وعادةً ما كانت تنتهي كل اتفاقية بوقفة قبلية ضد العدوان. جاءت ثورة 21 سبتمبر 2014م وقد نضجت الظروف الموضوعية بين القبائل لقبول الصُلح وإنهاء الثارات فتلمس أنصار الله هذا الرغبة وعززوها في إطار توحيد المجتمع للنشاط الثوري.
الريف الذي كانَ مقصياً طوال الفترة الماضية ومثخناً بالصراعات القبلية وجد في ثورة 21 سبتمبر 2014م فرصة للمشاركة السياسية الجادة والتوحد في قضايا عامة تحل القضايا على أساس المصالح الجماعية لا الفردية والأنانية، وهي اليوم قضايا وطنية عامة مع مجيء العدوان تتجاوز المطلب الاقتصادي والتناقض بين المدينة والريف، إلى التناقض بين اليمن ودول الغزو والاحتلال الأجنبية، إن هذا التحول في الوعي الاجتماعي، هو السَر في تحقق العدد الكبير من الأصلاح القبلية خلال هذه الفترة البسيطة، رغم انه مر على البلاد مراحل مفصلية ولم تحدث فيها هذه التسويات، وأهم هذه المراحل هي اعادة تحقيق الوحدة اليمنية وإشاعة الديمقراطية والتعددية السياسية وتطبيق انظمة الحكم المحلية واسعة الصلاحيات، لكن قضية الثارات لم تحل فيها مما يعني بأن الثورة الشعبية والدعوة لمواجهة العدوان هي أكثر عمقاً وملامسة للاحتياجات الاجتماعية ومصالح ووعي أبناء القبائل من سائر المحطات السابقة وخاصة وان هناك قضايا ثأر تمتد لأكثر من نصف قرن، ومما يساعد عليها حلها بأن السُلطة الحاكمة اليوم والتوجه العام السائد يدفع نحو التآخي والتألف والتكاتف اليمني في مواجهة خطر وجودي، وما يُشير إلى هذه الرؤية الجديدة قاله عضو المجلس السياسي الاعلى محمد علي الحوثي في الصلح بين صوير والجميمة:
” اتفقنا على أن نحافظ جميعا على حدود الجمهورية اليمنية، لذلك نقول لدول العدوان ستفشلون في محاولاتكم جعل القبائل تقتتل على الحدود فيما بينها “.
وأشار الحوثي إلى أن القبيلة لن تكون إلا في صف الدفاع عن الوطن، وإذا كان أبناء القبائل يتقاتلون من أجل حدود قبيلتهم، فإنهم سيقدمون دمائهم ويستشهدون من أجل وطنهم”.
وتابع” ها هي القبائل تتآخى وأبناء المحافظات يتآخون، وستجدونا باستمرار في حل هذه القضايا مع مشايخ اليمن وعقلائه ومسئوليه وأحراره ممن ينبض فيهم الدم والغيرة على وطنهم ويرفضون أن يكونوا جزءاً من معادلة الدمار التي يشنها العدوان على اليمن”.
ومضى قائلا” اليوم نقف بعزة وصلابة إلى جانب الكثير من المشايخ ومسئولي المحافظتين، ومنهم الشيخ نبيه أبو نشطان باعتباره رئيس اللجنة في هذه القضية التي تم الصلح فيها “.
وأضاف “إن حل النزاع يعكس حالة وعي أبناء المديريتين بأن الوطن أغلى وأن التضحية من أجله هو الخيار الوحيد، وأنهم لن يقبلوا إطلاقا أن يكونوا جزءا من العدوان بالاقتتال فيما بينهم، لأن من يتحرك في مثل هذه القضايا في هذا الوقت تحديدا نعتبره يداً من أيدي العدوان الخفية، يحركها العدوان ومن يقف من أجل المصالحة مع إخوانه ويطبق المثل “أنا عدو ابن عمي وعدو من يعاديه “نحن سنتخطى كل الحدود، ونتجاوز التحديات”.
قطار الصُلح لا يتوقف
لم يكن الصلح بين ابناء مديريتي الصوير والجميمة هي الاتفاقية الوحيدة التي استطاعت انهاء مشاكل متراكمة استعصت على الدولة وأجهزة القضاء وأودت بحياة العشرات من أبناء القبائل، فقد أُبرمت عشرات اتفاقيات الصُلح القبلية، التي تأتي في إطار الجهود والمساعي لإصلاح ذات البين التي تتبناها القيادة الثورية والسياسية لتوحيد الصفوف وتعزيز أواصر التعاون والأخوة والوحدة وتركيز جهود الجميع على مواجهة العدوان.
وعلى سبيل المثال من قضايا ثأر كثيرة يتعذر ذكرها في هذه المأدة، ففي مطلع شهر سبتمبر الماضي، رعى عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي صلحا قبليا وحلا تاما ينهي قضايا الثأر بين قبيلتي بني مطر والحيمة الخارجية، وأنهى الصلح ، قضية خلاف وثأر بين قبيلتي بني مطر والحيمة الخارجية دامت 18 عاما وراح ضحيتها أكثر من 40 قتيلا.
                                                     (صلح بني مطر والحيمة)
كما تم في هذا العام – شهر يونيو- صلح قبلي أنهي قضية قتل بين آل مجمل وآل الزرقة في مبين بحجة، دامت 19 عاما، وهو الصلح الذي أشرف عليه وكيلا المحافظة الدكتور طه الحمزي وعلي المتوكل وعضو مجلس النواب محمد مشلي الرضي وشيخ مشايخ المحافظة شايف أبو سالم ونائب رئيس مجلس التلاحم القبلي خالد الجيشي، أعلن أولياء الدم من آل مجمل العفو عن الجاني مجاهد الزرقة وإنهاء ملف القضية.
وأكدت أسرة المجني عليه أن العفو جاء إستجابة لدعوة قائد الثورة بشأن التسامح بين أبناء القبائل وتفويت الفرصة على تحالف العدوان ومرتزقته في النيل من وحدة الصف الداخلي، وتأجيج الثارات بين القبائل.
وفي البيضاء في مارس الماضي، أنهى أبناء وأهالي منطقتي عباس بمديرية الشرية، والمكلة بمديرية رداع بمحافظة البيضاء قطيعة دامت أكثر من 20 عاماً عبر صلح وتسامح تبع ذلك تنظيم وقفة قبلية مسلحة مشتركة بين المنطقتين، في مواجهة العدوان.
                                                                (البيضاء)

إن هذه النماذج الثلاثة من قبائل ومناطق مختلفة وذات دوافع وسنين وضحايا مختلفة ما هي إلا عينة للبحث من عشرات الاتفاقيات التي أنهت -ومازالت تعمل على أن تًنهي- قضايا الثأر ووطدت السلام الاجتماعي في الريف، وقضت على مظاهر التقطعات وغيرها من المظاهر السلبية التي كانت سائدة في الريف اليمني إلى ما قبل ثورة 21 سبتمبر، ومازالت مظاهر كهذه سائدة في المناطق القبلية والمدنية الذي يُسيطر عليها تحالف العدوان، حيث تحدث جرائم القتل والثأر والاغتصابات والسلب والنهب وتعدد السُلطات ومراكز النفوذ، وغيرها من المظاهر السلبية التي هي مظاهر اجتماعية بالإمكان السيطرة عليها ومن ثم تحجيمها والقضاء عليها، إذا ما وجدت سُلطة وطنية وقوى ثورية تَسعى في هذا التوجه تؤلف المجتمع حول قضايا عادلة، وهذا النموذج أثبتته سُلطة المجلس السياسي الأعلى وأنصار الله، كما أثبتته في مرحلة ما تجربة ثورة 14 أكتوبر في دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشَعبية -سابقا، التي قضت على الثأر ووطدت حضور الدولة وسيادة القانون ووحدت أكثر من 22 إمارة وسلطنة في دولة وطنية.

قد يعجبك ايضا