التهديد الذي يتعرض له تراث اليمن : يدمر المدن التاريخية والمواقع الأثرية
بقلم / غاري شو / مجلة ابولو البريطانية
ترجمة: صادق الأرحبي
لقد عانت اليمن، بلد له ثلاثة مواقع أثرية سجلتها اليونيسكو ضمن مواقع التراث العالمي- مدينة زبيد التاريخية ، مدينة صنعاء القديمة ومدينة شبام القديمة المسورة- وهناك عشرة مواقع أخرى مسجلة لدى المنظمة ضمن القائمة المبدئية، عانت إلى حد كبير منذ بداية الحرب التي تقودها السعودية على اليمن في مارس 2015م. بالإضافة إلى الخسائر الهائلة في الأرواح وتعرض المواقع الأثرية الهامة لأضرار بالغة، غالبا ما تكون أضرارا جانية، لكنها أيضا مقصودة بحسب ما جاء في التقارير.
من بين الممالك الأربع الكبرى التي كانت في جنوب الجزيرة العربية اليمن خلال الألفية الأولى قبل الميلاد كانت مملكة السبئيين، التي ازدهرت بفضل قوتهم في التحكم بطرق التجارة البرية والبحرية، وأيضا تجارتهم في البخور والصمغ. في القرن السابع قبل الميلاد، شيد السبئيون سد مارب العظيم- هو الآن ضمن قائمة التراث العالمي المبدئية- لاحتجاز مياه الأمطار وتحويله لري الحقول المحيطة بمارب، رأس مالهم، مغيرين بذلك بيئتها الصحراوية. لقد أعيد بناؤه مرارا وتكرارا على مدى 1000 عام من استخدامه- أولها بواسطة السبئيين أنفسهم وبعد ذلك من قبل غزاتهم الحميريين . في أوجه اُعتبر سد مارب، عندما بلغ ارتفاع جداره الحاجز حوالي 15 متراً وطوله 500 متر، واحداً من أعظم البناءات في العالم القديم. اليوم، تبقى بوابتين فقط لتصريف مياه السد، واحدة منهما تعرضت لأضرار بسبب غارة جوية في مايو 2015م. وفي نفس الوقت تقريبا، تم تدمير متحف ذمار – الذي يحتوي على العديد من النقوش اليمنية القديمة؛ ولحسن الحظ أنه تم ترقيم العديد من النقوش القديمة قبل ذلك وبالتالي لم يتعرض محتواها، على الأقل، للضرر.
كنز آخر من كنوز اليمن القديمة هي براقش، التي يعود تاريخها للقرن الرابع عشر قبل الميلاد، عاصمة المعينيين الذين عاصرت مملكتهم مملكة السبئيين وهي مشهورة اليوم بسبب سور مدينتها المحفوظ جيدا. ومما كان في براقش أن قام المعينيون ببناء معبد الإله “ناكره”، الذي تعرض لضرر بالغ في سبتمبر 2015م إثر غارة جوية سعودية كما ذكرت التقارير. في حين كان قد تم ترميم المعبد عام 2004.
بعد اعتناقها للإسلام في القرن السابع، أصبحت اليمن مركزا هاما للتعليم الإسلامي والهندسة المعمارية، التي ظل الكثير منها لقرون في حالة ممتازة من الحفظ. صنعاء، عاصمة اليمن، كانت قد تعرضت للاحتلال أبان مملكة السبئيين- قبل ما يزيد من 2.500 عام. أنها تشتهر بنقوش مدينتها القديمة التي تعتبر نادرة جدا وهامة، وما تزال تحتفظ بالكثير من تصميمها الأصلي منذ المراحل المبكرة للإسلام. بالرغم من بقاءها محفوظة منذ ما يقرب من ألف عام، إلا أن 103 مساجد وأكثر من 6000 منزل معرضة للتهديد في صنعاء، بالإضافة إلى عدد من الأبراج التقليدية، تم بناؤها من التربة المدكوكة وزخرفتها بأشكال هندسية، التي تم تسويتها بالأرض نتيجة غارات جوية. ولأنه قد تم تسجيلها بعناية قبل الحرب، فان هناك محاولات تجري حاليا لجمع المال من أجل إعادة ترميمها. ويأمل مشروع حفظ آثار اليمن إلى إرسال الأموال والمعدات إلى صنعاء من أجل المساعدة في عملية التحويل الرقمي لمجموعة كبيرة من المخطوطات الفريدة من نوعها التي يعود تاريخها للقرون الوسطى.
مواقع ومدن أخرى، بذات القدر من الشهرة نظرا للفن المعماري التاريخي والتصميم المحفوظ جيدا الذي تتمتع به، هي أيضا عرضة للخطر. قلعة القاهرة في تعز، يعود تاريخها للقرن العاشر وتم ترميمها مؤخرا، تعرض 30% منها لضرر أثناء غارة جوية في يونيو 2015م وفقا لليونيسكو، بينما حدث أكثر من ذلك مؤخرا، منها متحف المدينة الذي ابتلعته ألسنة النيران الناجمة عن قصف جوي لمدينة صعدة القديمة، تأسست في القرن التاسع وتم تسجيلها ضمن قائمة التراث العالمي المبدئية من قبل اليونيسكو، لوحظ أيضا تعرض عدد من مبانيها التاريخية للدمار . صعدة، مثلها مثل صنعاء، تُعد ذات أهمية ثقافية عالمية نظرا للصمود الطويل لهندستها المعمارية التي تعود للقرون الوسطى- بما في ذلك، جدار مدينتها، بواباتها الـ 16، منازلها، قصورها ومساجدها- وأهميتها كمركز مبكر للتعليم الإسلامي.
في يوليو من عام 2015م، تم الإعلان عن خطة عمل طارئة لحماية تراث اليمن من قبل منظمة اليونسكو، وذلك بهدف رفع الوعي، جمع المعلومات وتقديم المساعدة التقنية لخبراء التراث في اليمن. في الشهر نفسه، تم إضافة كل من مدينة صنعاء القديمة ومدينة شبام القديمة من قبل اليونسكو إلى قائمة التراث العالمي المعرض للخطر . ونتيجة التهديد المحتمل على الأخيرة، فإنها معرضة لذلك في هذه الأوقات العصيبة. لقد تم وضع قائمة بالمواقع الأثرية في اليمن، إلى جانب أهميتها المتساوية، وجمعها على أمل وقف حدوث أضرار جانية مستقبلا. بالرغم من هكذا خطوات ايجابية، في ظل حرب شرسة تقودها السعودية ولا تزال مستعرة ولا نهاية لها تلوح في الأفق، سيبقى التراث الثقافي اليمني الثمين تحت التهديد المتواصل.
نقلاً عن صحيفة الثورة اليومية