قبل 2014.. السفير الأمريكي (حاكم) في العلن!
|| صحافة ||
كان السفير الأمريكي قبل ثورة 21 سبتمبر هو الحاكم الفعلي للبلاد . فكان يتحكم بكل تفاصيل العملية السياسية وينشط في كل الجوانب السياسية والعسكرية والاقتصادية وحتى السياسة الخارجية وغيرها من الجوانب الهامة دون مراعاة لقواعد العمل الدبلوماسي فكان يتحرك في كل مفاصل الدولة وتقسيماتها الهرمية فيقابل من يشاء من رئيس الدولة وحتى أبسط قائد عسكري أو مدير عام في بنية مؤسسات الدولة الأساسية.
حول ذلك بيّن قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي تدخلات السفير الأمريكي مفصلاً تلك التدخلات التي صادرت القرار الوطني وحوّلت اليمن إلى ساحة للخضوع والهيمنة الأمريكية الإسرائيلية قبل العام 2014م.
وأورد السيد القائد توضيحات كثيرة بهذا الخصوص في الذكرى السادسة لثورة 21 من سبتمبر ونتابع إضاءات من حديثه في هذا الإطار.الثورة / محمد دماج
يقول السيد القائد: الأمريكيون وضعوا أنظارَهم على هذا البلد، حاله حال بقية بلدان وشعوب أمتنا الإسلامية، من واقع وبدافع عدائي واستعماري، وطمع، وهناك دوافع كثيرة تدفعهم -وهي بالتأكيد غير مشروعة- للتركيز على اليمن، في مقدمتها: الموقع الاستراتيجي الجغرافي لهذا البلد، والثروة الوطنية الهائلة، التي لا زالت موجودةً في باطن الأرض وفي ظاهرها لم تستثمر بعد، ولم يستفد منها هذا الشعب بعد، وكذلك التركيز على الإنسان اليمني فيما يمثله من أهميّة؛ لأَنَّهم يعرفون أنَّ هذا الشعب إذَا كان في وضعيةٍ متحرّرة، فهو شعبٌ يملك المؤهلات لأَنْ يكونَ له دورٌ إيجابي وكبير بحساب هُــوِيَّته الإيمانية، ودوره التاريخي على مستوى واقع الأُمَّــة ككل، وأن يكون عضواً في الأُمَّــة الإسلامية فاعلاً ومميزاً، وذا دورٍ مهم، فهم يحسبون كُـلَّ هذه الحسابات، وهم استراتيجيون في نظرتهم وتركيزهم، فركّزوا على هذا البلد ضمن البلدان التي ركَّزوا عليها بشكلٍ رئيسي في استهدافهم للأُمَّـة الإسلامية في كُـلّ بلدانها وفي كُـلّ شعوبها، وتدخَّلوا في شؤون هذا البلد، واستفادوا من السياسات الخاطئة التي اعتمدت عليها السلطة في تلك المراحل، والتي اتَّجهت نحو التناغم معهم، والتماهي معهم، والتواطؤ معهم، والاسترضاء لهم، في مقابل الحفاظ على المناصب والمصالح الشخصية والفئوية، وَأَيْـضاً بحسابات خاطئة، إن كان أحدٌ آنذاك يتصورُ أنه يعتمدُ الأُسلُـوبَ الصحيح، والسياسة الصحيحة في التعامل مع هذا التهديد وهذا الخطر، فهو أَيْـضاً كان خاطئاً في ذلك، فتدخَّلوا في شؤون هذا البلد، ومن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر زادت تدخلاتهم بشكل كبير، صنفوا اليمن؛ باعتبَاره من المناطق المستهدفة بالنسبة لهم تحت عنوان الإرهاب، وتحَرّكوا بنشاط كبير، وتدخلات واسعة، وازدادت وتيرة هذه التدخلات لتدفع بالسلطة آنذاك إلى الدخول في حرب أهلية لاستهداف الأحرار من أبناء هذا الشعب في عددٍ من المناطق، ثم اتجه الأمريكيون للتدخل في كُـلّ شؤون هذا البلد بشكل كبير، فتدخلوا في كُـلّ المجالات: على المستوى السياسي، على المستوى الاقتصادي، على المستوى الفكري والثقافي والتعليمي، وكان تدخلاتهم في الملف الاقتصادي أَيْـضاً تدخلات خطيرة، وأصبح السفير الأمريكي آنذاك يتدخل على المستوى الرسمي في كُـلّ المؤسّسات والوزرات، فهو يتدخل في القضاء، ويلتقي بالجانب القضائي، ويتدخل بفرض سياسات وإملاءات وتوجّـهات، يتدخل في المؤسّسة العسكرية، ويلتقي بالضباط والقادة العسكريين، ويعمل على صياغة برنامج معين -بالتأكيد- ينسجم مع السياسات الأمريكية، ويحقّق الأهداف الأمريكية، ثم على مستوى الأجهزة الأمنية، ثم على مستوى المجال السياسي مع السلطة والأحزاب… وهكذا فتح السفير الأمريكي آنذاك برنامجاً في كُـلّ مجالات وشؤون هذا الشعب، من النوافذ الرسمية في كُـلّ مؤسّسات الدولة ووزاراتها، ثم أكثر من ذلك: اتجه إلى الاختراق للحالة الشعبيّة، وبدأ بتنسيق علاقات مباشرة مع بعض الشخصيات الاجتماعية، وبعض المشايخ، وبعض الوجاهات، وحاول أن يعزز له ارتباطات مع بعض المناطق.
وأضاف السيد القائد: وأصبح يتجه أَيْـضاً إلى وجهة أُخرى: هي المجتمع المدني؛ ليتغلغل من هذه النافذة، وعلى العموم لم يبق السفير الأمريكي آنذاك في صنعاء نافذة من النوافذ التي يتسلل من خلالها للتدخل في كُـلّ شؤون هذا الشعب إلا وتسلل منها ودخل منها، ويكفي مراجعة للأرشيف الإعلامي آنذاك، على مستوى القنوات الفضائية بما فيها الرسمية، والصحف آنذاك بما فيها الرسمية، وسيجد الإنسان كُـلّ الشواهد الدامغة التي تثبت هذا الكلام الذي قلناه، فأصبح يتدخل في كُـلّ شؤون هذا البلد بما يخدم السياسات الأمريكية الاستعمارية العدائية، لم يكن تدخله إيجابياً، ولا لمصلحة الشعب اليمني، ولم تكن النتائج التي تنتج عن تدخلاته وإملاءاته، والسياسات التي يفرضها، والأنشطة التي ينفذها، لم تكن نتائج إيجابية، ولم يكن لها أية ثمرة طيبة أَو إيجابية في واقع هذا الشعب، وكنا نرى -بكل وضوح- كيف يتدهور الوضع في كُـلّ المجالات: على المستوى الأخلاقي والقيمي والمبدئي والثقافي والفكري، وعلى المستوى الاقتصادي والسياسي والأمني والعسكري، وعلى مستوى بنية الدولة التي كان ينخر فيها كالسوس، وكانت تتخلخل أكثر فأكثر حتى أوشكت على الانهيار التام، وبنظرة وتأمل واضح فالمسار الذي كان يدفع به الأمريكي من خلال سفيره يدفعه به الوضع في البلد هو مسار يتجه بهذا البلد نحو الانهيار التام وأوشك، بل ووصل إلى حافة الهاوية، لولا هذه الثورة الشعبيّة التي تداركت الأمور، وفرملت عند حافة الهاوية، وأعادت الاعتبار لهذا الشعب.
وتابع بالقول: السلطة آنذاك اتجهت اتّجاهاً خاطئاً، وكثيرٌ من القوى السياسية اتجهت اتّجاهاً خاطئاً نتيجةً للأطماع والمكاسب الشخصية والفئوية الضيقة المحسوبة بحساب المصلحة الشخصية أَو المصلحة الحزبية، وَأَيْـضاً النظرة إلى أمريكا، والانبهار بأمريكا، والاستسلام أمام أمريكا، البعض كانوا يظنون أنه ليس بالإمْكَان الصمود في مواجهة الاستهداف الأمريكي، وأن الحل هو التماهي والتواطؤ مع الأمريكي، والتناغم مع سياساته، أَو التجنُّد معه، وهو استغل هذا التوجّـه، وأُولئك لم يكونوا يؤمنون بالشعب اليمني بقدر ما يمتلك من طاقات وقدرات وقيم ومبادئ تؤهله للصمود أمام هذا الاستهداف، والحفاظ على حريته واستقلاله وصون كرامته بالاعتماد على الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَـى-، وبالاستناد إلى تلك المبادئ والقيم والتاريخ المشرف، فغياب هذه النظرة إلى الشعب (النظرة الإيجابية والمبدئية والمهمة)، والدوافع التي أشرنا إليها من: خنوع لأمريكا وانبهار، وهزيمة نفسية، وأطماع ومكاسبَ حزبية، فئوية، شخصية… إلخ. ساهمت في أن ينجحَ السفيرُ الأمريكي، والشواهدُ كثيرة، وكثيرٌ منها أَيْـضاً يمكنُ أن يظهرَ في المستقبل أكثرَ فأكثر.
وعن تدخلات السفير الأمريكي في الجانب الاقتصادي بيّن السيد القائد بالقول: كانت الأزمة الاقتصادية تشتد وتشتد بشكل غريب جِـدًّا، الثروات النفطية التي كانت تحت سيطرة الدولة في كُـلّ هذا البلد، لم يعد لها أي أثر إيجابي لمعالجة المشكلة الاقتصادية، وكأننا بلد بلا نفط، ولا ثروة نفطية، ولا ثروة غازية، كُـلّ الإيرادات التي كانت تجمعها الدولة لم يعد لها أي أثر إيجابي يخدم هذا البلد، وينتفع به الشعب، كانت معاناة الشعب على المستوى الاقتصادي تزداد يوماً فيوماً، جرعة بعد جرعة، سياسات اقتصادية تدميرية، وضع بائس جِـدًّا، الموارد الاقتصادية بكلها على مستوى: الضرائب، والجمارك، وكلما يجمع من إيرادات لا أثر له أبداً في حَـلّ المشكلة الاقتصادية لهذا البلد آنذاك.
مع ذلك كانت القروض من الخارج مستمرة، وما يأتي تحت عنوان هبات يأتي أَيْـضاً، ولكن من دون أن يكون مجدياً، أَو على الأقل يخفف من مستوى المعاناة الاقتصادية، فالأزمة خانقة جِـدًّا، الحصول على البترول آنذاك أصبح صعباً، مع أنَّ البلد ليس في حرب، مع أنَّ الثروة النفطية تحت سيطرة الدولة، مع أنه لا حصار على دخول المشتقات النفطية إلى البلد، لم يكن البلد لا تحت حرب، ولا في حصار خارجي، بل إنَّ البلد آنذاك في مرحلة يزعم الخارج أنه يساند السلطة التي كانت قائمةً بأمر هذا الشعب آنذاك، وأنه إلى جانبها، تعلن دول الخليج بكلها أنها إلى جانب تلك السلطة، يعلن ما يسمى بالمجتمع الدولي (أمريكا والدول الأُورُوبية) بكلهم أنهم إلى جانب تلك السلطة، وأنهم يدعمونها، وأنهم يقدِّمون لها الهبات والأموال، وتتلقى منهم الدعم السياسي، والحماية الكاملة، ومع ذلك انهيار اقتصادي مستمر ومستمر، يوشك أن يتجه بالبلد نحو الهاوية، كيف هذا؟!.
واستطرد السيد القائد في حديثه عن الجانب الاقتصادي بالقول: هناك فارقٌ كبيرٌ بين الضائقة المعيشية التي يعاني منها الشعب اليوم، وبين ما كان يعاني منه الشعب آنذاك، فارق ما بين السماء والأرض، الضائقة المعيشية اليوم هي نتيجة لحرب شاملة على بلدنا، عدوان بتحالف دولي إقليمي محلي على هذا البلد، وحصار خانق، ومنع لسفن المشتقات النفطية من الدخول إلى البلد، وسيطرة على الثروة النفطية في هذا البلد من جانب تحالف العدوان وعملائهم، الدولة اليوم في صنعاء لا بيدها الثروة النفطية، ولا بيدها المنافذ البرية والجوية والبحرية، هي جزءٌ منها مغلق، وجزءٌ منها تحت سيطرة مباشرة لتحالف العدوان، وسفن المشتقات النفطية من الذي يمنعها اليوم حتى لا تدخل إلى ميناء الحديدة، وَإذَا دخل منها شيء يدخل بعد تأخير لفترة طويلة، وينتج عن هذا التأخير غرامات مالية كبيرة؟ تحالف العدوان، من الذي تآمر على البنك المركزي حتى عطَّل دوره تماماً في صنعاء، إلَّا الدور الضئيل والمحدود، وأوقف كُـلّ نشاطه المباشر الذي كان يقوم به فيما قبل، وحوَّل هذا النشاط إلى عدن؟ تحالف العدوان، من الذي تآمر اليوم على العملة الوطنية واستهدفها في قيمتها أمام الدولار؟ تحالف العدوان، من الذي يتآمر الكثير من المؤامرات الاقتصادية التي يشنها حرباً على كُـلّ أبناء هذا البلد؟ تحالف العدوان، فهناك فرقٌ ما بين الضائقة المعيشية اليوم، وما بين الانهيار الاقتصادي الذي كان قائماً في تلك المرحلة، والذي كان بفعل سياسات وتوجّـهات وإملاءات، ولم يكن بفعل ظروف، اليوم هو بفعل ظروف، ظروف حرب وحصار، آنذاك كان بسَببِ سياسات وتوجّـهات وحسابات، وهذا هو الفارقُ الكبير جِـدًّا.
وأردف بالقول: ولذلك في الوقت الذي رضخ فيه أُولئك في السلطة وبعضُ القوى والأحزاب وتماهَوا تماماً مع الوصاية الخارجية، وُصُـولاً إلى إدخَال البلد في وصاية علنية وصريحة تحت عنوان البند السابع، ووصاية الدول العشر، وأصبح السفير الأمريكي في صنعاء بشكل رسمي وصريح، وبقرار من مجلس الأمن، هو المسؤول الأول في الوصاية على هذا الشعب وهذا البلد، وسلمت له السلطة بذلك وسلمت له بعض القوى السياسية معها بذلك، وكان حوله سفراء من تبقى من الدول العشر كأعوان للسفير الأمريكي بمنزلة الوكلاء لمحافظ محافظة مثلاً، وأصبح هو الذي يقرّر أولاً السفير الأمريكي، يجتمع بسفراء الدول العشر من أعوانه ووكلائه، ويرسم لهم المهام والسياسات والتوجّـهات والتعليمات، ثم تقدم إلى من يسمى بالرئيس، ورئيسه السفير الأمريكي، ثم تنزل عبره إلى بقية المؤسّسات، وفي بعضٍ من الأحيان لا تنزل حتى عبر من يسمى بالرئيس، بل يباشر السفير الأمريكي لقاءاته بهذا الوزير أَو ذاك وبهذا المسؤول أَو ذاك ويوجهه بشكلٍ مباشر، وهو يتجه للتنفيذ، توجيهات مباشرة وتنفيذ مباشر، وهذا مثبت في الصحف، في وسائل الإعلام، في القنوات الفضائية، في أرشيفها مثبت.
والسفيرُ الأمريكي -كما قُلنا- هو يعمل بسياسات عدائية، وصل التفريط بسيادة هذا البلد: إلى القبول بقواعد عسكرية أمريكية في هذا البلد، بدءاً بقاعدة في العاصمة صنعاء، وأتى المارينز الأمريكي إلى صنعاء، وتواجد في صنعاء، وأصبح له قاعدة في صنعاء، وتواجد في داخل العاصمة صنعاء، في تفريطٍ واضح باستقلال وسيادة هذا البلد، وقاعدة أُخرى في العند، وكان التوجّـه نحو المزيد والمزيد من القواعد في محيط صنعاء، في معسكرات معينة نعرف أسماءها، وفي مناطق أُخرى، القائمة للسفير الأمريكي في القواعد العسكرية، وفي كلما يضمنُ له السيطرةَ الأمنية، والسيطرة في كُـلّ المجالات، قائمة طويلة، والمخطّط واسع، والتوجّـه كبير، والمجال أمامه مفتوح، هذا الذي حصل، المجال أَيْـضاً أمامه مفتوح، وكانت هذه مأساة بحق شعبنا، شعبنا اليمني العزيز، يمن الإيمان، يمن الحكمة، أن يأتيَ السفير الأمريكي ويكون معه قواعد عسكرية، وعناصر أمنية، ويتدخل في كُـلّ شؤون هذا البلد، ويكون قراره فوق كُـلّ قرار في هذا البلد، وهو الأَسَاس الذي يبنى عليه في الواقع التنفيذي في كُـلّ المجالات، طامة، كارثة ومأساة حقيقية، وخطر كبير يشكل تهديداً لهذا البلد؛ لأَنَّه -كما قلت- كان يتجه بهذا البلد إلى حافة الانهيار، والضعف، والعجز، بما يمهد لسيطرة أمريكية في واقع مهيَّأ، وفي ظروف ملائمة بالنسبة للأمريكي، يكون هذا الشعبُ قد فقد كُـلَّ عناصر القوة، وكل وسائل المواجهة، ويكون قد أصبح في وضعية ضعيفة جِـدًّا، ومجهزة ومهيأة للسيطرة الأمريكية بدون كلفة ولا عناء، يكون هناك من قد أعانه على تنفيذ مخطّطاته ومؤامراته التي توصل الناس إلى مستوى من الضعف والانهيار يساعدُ على السيطرة الأمريكية بدون تعب وعناء، هذه مأساة، مأساة كبيرة ومؤلمة جِـدًّا، هذا على المستوى الداخلي.
وعلى المستوى الخارجي يقول السيد القائد: فيما يتعلق بسياسة هذا البلد تجاه قضايا الأُمَّــة، وتجاه الأحداث الإقليمية والدولية، في نفس الوقت يُتَّجَه بالسلطة آنذاك في تبنّي سياسات خاطئة ومنحرفة ضمن المسار الذي يحدّده الأمريكي، فضعف الاهتمام بالقضية الفلسطينية شيئاً فشيئاً، وتراجع المواقف الرسمي شيئاً فشيئاً، وكان مسار التراجع مستمراً، وواضح حتى في بعض المكونات والأحزاب والقوى المعروفة آنذاك التي كانت تظهر تفاعلها مع الشعب الفلسطيني، فبات التراجع واضحًا في سياساتها ومواقفها، ووصل الأمرُ إلى مراحلَ خطيرةٍ جِـدًّا، يعني: أصبح هناك تنسيقٌ سري مع الإسرائيليين؛ للتمهيد لإقامة علاقات تتصاعد، وتتجه نحو المزيد والمزيد من تعزيز هذه العلاقة.. وهذه خلاصة ما أوضحه السيد القائد بشأن تدخلات السفير الأمريكي قبل 2014م.
تدخلات السفير في الجانب العسكري
أما في الجانب العسكري كان السفير يتحكم بكل آليات العملية العسكرية فهو من يحدد أماكن تواجد القوات والألوية العسكرية واذا الرئيس حرك لواء من منطقة إلى أخرى يتدخل السفير ويطلب تفسيراً لذلك لأنه كان هو من يرسم الخارطة العسكرية فيحدد المواقع العسكرية والآليات وأنواع السلاح والمعدات والتشكيل الهرمي للمؤسسة العسكرية وغير ذلك من التدخل الفاضح في شؤون المؤسسة العسكرية وتحديد أنواع الأسلحة فكان من ضمن المحظور على المؤسسة العسكرية سلاح الدفاع الجوي من صواريخ وطائرات حديثة وغيرها حتى أنه أمر بتدمير مكان وُجدت فيه صواريخ حديثة وتم فعلا تدميرها …إلى جانب تدخله في شؤون القوات البحرية فاقتصرت على بضع قطع عديمة الجدوى في العمل بفعالية كسلاح بحري قوي حيث كان السفير يلتقي بقادة الجيش بشكل مباشر في تدخل واضح بالشؤون السيادية للبلاد دون أي تدخل من قبل الرئيس أو غيره.
أوراق ما قبل الحرب
بعد توقيع المبادرة الخليجية التي وجاءت بالرئيس الفار عبدربه منصور هادي إلى سدة الحكم، كان ثمة مخطط أعد لتفكيك الجيش اليمني وتدمير الصواريخ الباليستية وأنظمة الدفاع الجوي والتي تعد أهدافاً استراتيجية للسعودية ومن ورائها قوى الاستكبار “أمريكا والكيان الإسرائيلي” تمهيداً لشن عدوانهم الغاشم على اليمن وهو في حالة ضعف ووهن. يأتي ذلك في ظل جهود كبيرة بذلتها “أمريكا وإسرائيل” عبر أداتهما الرخيصة “النظام السعودي” منذ العام 2012م، لتدمير منظومة الصواريخ الباليستية ومنظومة الدفاع الجوي في اليمن، وانتهاج مسلسل اغتيال القيادات العسكرية والجوية، وإسقاط الطائرات في سماء العاصمة تحت مبرر “خلل فني” ومصرع كل طواقمها من الطيارين. ومنذ تسلم الرئيس الفار هادي السلطة بموجب ما يسمى المبادرة الخليجية، التي كان من أهم أهدافها الخفية تدمير منظومة الدفاع الجوي ومنظومة الصواريخ الباليستية المؤرقة لقوى الاستكبار، وكذا تفكيك الجيش اليمني تحت يافطة “إعادة الهيكلة”، وهي الشروط التي كُلّف هادي بتنفيذها، لم يألُ جهداً في ذلك بكل حرصٍ وتفانٍ؛ بالتعاون مع حزب الإصلاح وقياداته العسكرية وعلى رأسهم الفار علي محسن الأحمر. إلا أن كلّ ذلك اصطدم اليوم بحقيقة استمرار المفاجآت النوعية للقوة الصاروخية للجيش واللجان الشعبية، واستمرار إطلاق الصواريخ الباليستية إلى العمق السعودي والإماراتي دون قيود، في برهنة حقيقية وفعلية على سقوط هذه الورقة الواهنة.
التواجد العسكري الأمريكي
وفي السياق ذاته يمكن القول أن التواجد العسكري هو امتداد للحضور السياسي ونفوذه في البلد، إذ لا يمكن أن تتواجد أي قوة عسكرية بدون تنسيقات مسبقة مع البلد المستهدف لإيجاد حاضن يمهد لتنفيذ مهام القوة العسكرية في اليمن رغم تصدر جيشها المرتبة الخامسة بعد مصر والسعودية والجزائر وسوريا في قائمة أقوى جيوش البلدان العربية، إلا أن قوته تهشمت بعد ثورة فبراير 2011م، نتيجة للانقسام في المؤسسة العسكرية الذي خلقته الأوضاع مما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تتعدى مرحلة النفوذ السياسي إلى مرحلة الحضور العسكري، الأمر الذي أثار جدلا واسعا حول حقيقة التواجد العسكري في بعض محافظات اليمن.
في منتصف شهر سبتمبر من عام 2012م، أكد السفير الأمريكي في صنعاء جيرالد فايرستاين أن “مجموعة صغيرة” من قوات المارينز الأمريكية وصلت صنعاء وفقا لمشاورات تمت مع الحكومة اليمنية.
وقال السفير الأمريكي في بيان صحفي نشرته سفارة بلاده بصنعاء “سيعمل عدد قليل من القوات الأمنية الإضافية وبشكلٍ مؤقت على المساعدة في جهود الأمن وإعادة الوضع إلى طبيعته في سفارة الولايات المتحدة بصنعاء”.
السفير الأمريكي صرح بذلك بعد أن أثيرت معلومات نشرتها وسائل الإعلام اليمنية عن وجود قوات من المارينز في محيط السفارة الأمريكية بالعاصمة صنعاء، وهو ما أكدها السفير الأمريكي بقوله “أن وجود تلك القوات أمر طبيعي يقتصر على تقديم المساعدة في المرافق الدبلوماسية الأمريكية التي تواجه تحديات أمنية ولحماية الدبلوماسيين الأمريكيين من العنف”.
تدمير ممنهج للاقتصاد
في الشأن الاقتصادي كان السفير الأمريكي هو من يحدد القطاعات الاستثمارية في مجالات لاتخدم مصالح البلد فكان مثلا يرفض تطوير الجانب الزراعي أو الاستثمار فيه بما يخدم اعتماد البلد على نفسها في المنتجات الزراعية وذلك حتى تبقى البلاد مستوردة لكل شيء وغير قادرة على الاعتماد على نفسها .
وكذلك في الجوانب الصناعية كان لا يخصص لهذا الجانب اعتمادات في موازنة الدولة التي كان يتحكم فيها السفير فيحدد الاعتمادات في قطاعات لا تفيد اقتصاد البلاد في شيء فغابت الاستثمارات في الجوانب الصناعية مثل الغزل والنسيج وتم تدمير مصنع الملابس الذي كان موجوداً وكذلك في قطاعات النفط والمعادن الذي اقتصر على جوانب محدودة . وكذلك صناعة المواد الغذائية بشكل عام وإنتاج الحبوب وذلك حتى يكون البلد معتمداً على غيره في كل شيء أي أن السفير خلق بلداً غير قادر على الاعتماد على نفسه وبلداً ضعيفاً لا يخدم تأمين المستقبل .
وتُوَّجت تلك التدخلات بفرض تحالف العدوان حصاراً جوياً وبرياً وبحرياً مطبقاً منذ انطلاق عاصفة الشر، ومنع عن اليمنيين الغذاء والدواء، وحركة التنقل لأغراض العلاج والدراسة، وتوَّج ذلك بنقل البنك المركزي اليمني إلى مدينة عدن، والسيطرة على أغلب الموارد اليمنية خصوصاً تلك الواقعة جغرافياً في محافظات جنوب الوطن، معتقداً أنه بذلك سيثني اليمنيين عن مواصلة صمودهم الأسطوري، وسيدفعهم للانتفاضة على حكومة الداخل. لكن هذه الورقة سقطت أيضاً بفعل وعي اليمنيين، فكل مؤسسات الدولة اليمنية تواصل أعمالها حتى اللحظة بالرغم من انقطاع رواتب موظفيها ، وكذا المدارس والجامعات وقطاعات الصحة والمياه والاتصالات، كل ذلك بالتوازي مع رفد الجبهات بالمال والرجال وتسيير مئات القوافل الغذائية والعينية المتواصلة في صورة من الصمود اليمني الذي أثار إعجاب العالم.
ختاماً.. تعرض اليمن أمس واليوم لمحاولات تفكيك وتمزيق عدة بدعم ورغبة دول ومراكز نفوذ دولية وإقليمية لحسابات مصالحها، مستغلة مشاكل اليمن ونزاعاته. لكن تلك الرغبات والمشاريع والأطماع، فشلت في الماضي وهي بكل تأكيد في طريقها لتفشل اليوم. لكنها تخلف مآسٍ فضيعة في كل مرة وستخلف اليوم مآسٍ أفظع، لكنها لن تلغي الإيمان الكوني بأن اليمن سينتصر في النهاية رغم كل شيء.