سياسة أمريكا الثابتة .. ورهانات العرب الخاسرة
تقرير ||
مع كل دورة انتخابية في أمريكا يتطلع العرب نحو البيت البيض وكلهم أمل أن الرئيس الأمريكي الجديد لن يكون كسلفة وهكذا منذ بداية الصراع مع العدو الصهيوني والعرب يراهنون على أمريكا لتحرر لهم فلسطين وتحل قضيتهم الكبرى وهكذا كلما دخل رئيس أمريكي البيت الأبيض أو خرج منه لا يحصد العرب من أمانيهم سوى الرهانات الخاسرة، ومن المحزن أن العرب لم يتعلموا من تجاربهم مع السياسة الأمريكية ولم يفهموا بعد أن الوجوه الأمريكية داخل البيت الأبيض تتبدل وأن سياسة أمريكا العدائية تجاه العرب لم تتغير ولن تتغير مهما تغير الرؤساء لأنها سياسة يخطط لها اليهود المعروفون بعدائهم الشديد للعرب والمسلمين وهي سياسة تراعي مصالح اليهود ومصالح أمريكا وبالتالي لم تتغير وهذا ما لم يفهمه العرب بل زادوا انحطاطا واعتادوا على تقبل الخيبات وتروضوا على الهزائم والنكسات واستجرار الرهانات الخاسرة ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أصبح مهمة الأنظمة العربية هو كيف تعمل على التكيف مع مطالب الرئيس الأمريكي الجديد وكيف تتفاعل مع توجيهاته وتروض الشعوب العربية لتقبل ما يأتي من أمريكا من سياسات عدوانية وكانت تجربة العرب مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب غير مسبوقة ولم يحدث مثيلها مع أمة من الأمم لدرجة أن الشعوب المنسية في مجاهيل أفريقيا وآسيا أصبحت تسخر من الواقع العربي ومن الأنظمة العربية التي تتلقى إهانات بالغة القسوة من رئيس أمريكا وعلى الهواء مباشرة..
ما أسباب ثبات السياسة الأمريكية رغم تغير الرؤساء؟
منذ أن أصبحت أمريكا هي القوة العالمية الكبرى بقيت السياسة الأمريكية بمنأى عن المتغيرات داخل البيت الأبيض من أهم الثوابت التي تحافظ عليها الدولة العميقة في أمريكا والتي هي بالطبع صهيونية فاليهود هم من يتحكمون بأمريكا ومن يحركونها ويحركون معها بريطانيا وفرنسا ولأن أمريكا لا يمكن أن تبقى بدون عدو فهي تخلق عدو لها من أجل الهيمنة على مصالح دول العالم الثالث وفي المقدمة منطقتنا العربية ومنذ سقوط الاتحاد السوفيتي الذي كان يمثل العدو التقليدي لأمريكا كان لابد من خلق عدو وهمي لها فجاءت أحداث 11 سبتمبر كمبرر صنعته أمريكا من أجل ارسال أساطيلها إلى منطقتنا العربية لفرض هيمنتها ونهب مصادر النفط وتأمين وحماية تدفق وارداته إلى الولايات المتحدة وحلفائها وبالكميات المطلوبة للإنتاج الصناعي والاستهلاكي، وكذلك لأغراض التخزين الاستراتيجي، للاحتفاظ بالاحتياطيات الأمريكية لمواجهة احتمالات المستقبل البعيد، عند نضوب مصادر النفط الخارجية.
يرى الدكتور فتحي البلاشوني في مقال له نشرته جريدة الراية عام 2008 م أن ثبات السياسية الأمريكية تحدده ثلاث أدوات ووسائل هي:
الدبلوماسية: وتتم عن طريق المفاوضات والمبادرات، واقامة العلاقات الدبلوماسية مع دول العالم، ومحاولة الوصول إلى تسوية للمشاكل الأساسية التي قد تضر العلاقات البينية مع دول المنطقة وبالأخص مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي والدعم المستمر من جانب الولايات المتحدة الأمريكية للوجود الاسرائيلي.
الاقتصادية: وتعمل على ربط الاقتصاد العالمي بالاقتصاد الأمريكي الرأسمالي بشكل لا فكاك منه، والضغط لمنع رفع أسعار النفط لتفادي الآثار والتأثيرات السلبية الناتجة على اقتصاديات أمريكا، كما أصبحت أمريكا حاليا تمنع دول المنطقة من الشراء من دول كالصين وروسيا وترغم الأنظمة العربية على الشراء حصرياً من أسواقها.
العسكرية: وتختص بامدادات الأسلحة إلى الدول الحليفة، منع الشراء أو عقد الصفقات في هذا الجانب من أي دولة أخرى غير أمريكا والدول الغربية وكذلك التهديد باستخدام القوة العسكرية إذا اقتضت الضرورة.
كما اتجهت أمريكا حاليا إلى وسائل جديدة تتمثل في فرض العقوبات الاقتصادية على الدول والكيانات التي لا تخضع للإرادة الأمريكية كما يحدث مع إيران وسوريا ودول أخرى حتى روسيا والصين.
أيضاً تمارس أمريكا اللعب بورقة الإرهاب ومحاولة شيطنة كل من لا يقبل الوصاية الأمريكية واعتباره كيان إرهابي يجب محاربته وحصاره اقتصادياً وسياسياً مثلما هو حاصل بالنسبة لحركات المقاومة التي أعلنت أمريكا وضعها على لوائح الإرهاب..
أسباب التيه العربي
هذا الواقع العربي يدعونا لدراسة الأسباب والخلفيات ولماذا أصبح العرب يعيشون أسوأ أنواع الذلة والانحطاط وهم من يمتلكون كل عناصر القوة التي لو تم تفعيلها لركع العالم تحت أقدامهم لا أن يركعوا تحت اقدام اليهود و النصارى..
لقد كان من نعم الله الكبرى على العرب أن أكرمهم واختارهم ليكونوا حملة الرسالة الإلهية في آخر الأمم وأكرمهم بنبي منهم وبكتاب بلغتهم ومكنهم الله سبحانه وتعالى حتى بنو أمة كبيرة استطاعت هزيمة اقوى الامبراطوريات في بداية نهضتها على يد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ولكن هذه الأمة ما لبثت أن تخلت عن مصدر قوتها وعظمتها ورمت برسولها وبكتابها عرض الحائط وانتهجت نهج الطاغوت وعبادة العجول البشرية الذين قادوها لهذا المستوى الذي وصلت إليه فبدلاً من تقديس هدى الله وإعلاء كلمة الله واتباع رسوله وأعلام دينه أتبعوا اليهود والنصارى وللأسف الشديد كما يقول السيد حسين بدر الدين الحوثي : (أن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) قال ذلك اليوم أن الأمة ستسير سيرة بني إسرائيل ((لتحذن حذو بني إسرائيل حذو القُذَّة بالقُذَّة، والنعل بالنعل حتى لو دخلوا جحر ضَبٍّ لدخلتموه)).
وفعلاً شهد الواقع، شهد هذا الزمان أننا أصبحنا نتنكر لكتاب الله، نتنكر لهدي رسل الله، نتنكر حتى لقيمنا العربية وننطلق وراء بني إسرائيل، ننطلق وراءهم باعتزاز، ونحن نقول: هذه هي الحضارة، هذا هو التقدم، هذا هو التطور، وهذا هو التمدّن! ولم نشعر بأنه الانحطاط، وأنه الذلة، وأنه الدناءة، وأنه الضلال والضياع)).
ويقول السيد حسين أيضاً عن الأسباب التي أوصلت العرب إلى هذا المستوى: ((ولنعرف بأننا في واقعنا في واقع مظلم أسوأ من واقع اليهود أننا نرى أن اليهود والنصارى هم من يستذلوننا، أليس كذلك؟ أليس المسلمون الآن, أليس العرب الآن تحت أقدام اليهود والنصارى حكومات وشعوب؟ ألم يقل الله عن اليهود والنصارى أنه قد ضرب عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله؟ هل رفعت الذلة والمسكنة عنهم؟. لا لم تُرفع، ما يزالون، لكنا نحن من أصبحنا أذلّ منهم، من ضُربت علينا ذلة ومسكنة أسوأ مما ضربت على بني إسرائيل.
لماذا؟ لأننا أضعنا مسؤولية كبرى؛ لأننا نبذنا كتاب الله خلف ظهورنا؛ لأننا لم نعد نهتم بشيء من أمر ديننا على الإطلاق؛ ولم نعد نحمل لا غضباً لله، ولا إباءً وشهامةً عربية.))
نقاط قوة العرب وكيف فشلوا في استغلاها
يرى الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي بأن أمريكا أحوج إلى العرب من حاجتها إلى “إسرائيل” وأن بيد الدول العربية أوارق مهمة قادرة على إخضاع أمريكا وإرغامها على تغيير سياستها العدائية تجاههم يقول في محاضرة [يوم القدس العالمي] القاها في العام 2002م: ((من العجيب أن العرب يفهمون أن أمريكا أحوج إليهم من حاجتها لإسرائيل.. أليس ذلك معروف؟. هل البترول الذي تحتاج إليه أمريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من دول الغرب من إسرائيل أو من البلدان العربية الأخرى؟. أمريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرها بحاجة إلى العرب أحوج منها إلى إسرائيل.
أمريكا حاجتها إلى إسرائيل لا تساوي شيئاً بالنسبة لحاجتها إلى العرب، والعرب يفهمون أن أمريكا هي وراء إسرائيل، وبريطانيا هي التي تساند إسرائيل, أمريكا هي التي تساند إسرائيل, وفرنسا ودول الغرب جميعاً هي التي تساند إسرائيل.
فلماذا لا يفهمون بأن عليهم – إذا كانت أمريكا أحوج إلينا ودول الغرب أحوج إلينا كسوق استهلاكية, ويحتاجون إلى ثرواتنا البترولية وغيرها – لا يستطيعون أن يستخدموا هذا كوسيلة ضغط على أمريكا وبريطانيا وغيرها لأن تجعل إسرائيل تكف عما تقوم به على أقل تقدير؟!. لا. إسرائيل تضرب الآن السلطة الفلسطينية، تضرب الفلسطينيين والعرب يعلنون وقوفهم مع أمريكا في قيادتها للتحالف ضد الإرهاب – كما يسمونه – .
أليس هذا من الأشياء الغريبة؟ أليس هذا مما يدل على أن مشكلة العرب ومشكلة المسلمين هي مشكلة داخلية؟. أنهم هم قد وصلوا إلى حالة سيئة، حالة سيئة لا يمكن للإنسان أن يتصور فظاعة هذه الحالة، لا يستطيعون أن يستخدموا حتى حاجة أمريكا لهم، والبترول بملايين البراميل أمريكا بحاجة إليه, وغيرها من دول الغرب.
ما حاجة أمريكا إلى إسرائيل؟ ما هو الذي تستفيده أمريكا من إسرائيل من الناحية الاقتصادية؟ لا شيء, لا شيء.
ثم لماذا لا يعملون على مقاطعة الشركات الأجنبية؟ أحيانا إذا حصل هكذا من منطلق فردي، أو مجموعات تعمل على أن تقاطع منتج معين لشركات يهودية.. لكن لماذا لا تتخذ الدول العربية قراراً بقطع التعامل الاقتصادي مع أي شركة إسرائيلية, أو تدعم إسرائيل. أليس باستطاعتهم هذا؟.
لماذا – إذا كان العرب يخافون من أي حصار اقتصادي على دولة ما – لماذا لا يعملون على إقامة سوق إسلامية مشتركة؟ الإمام الخميني تبنى هذه الفكرة, وإيران تبنت هذه الفكرة، ودعت إليها وألحت عليها: أن العرب, أن المسلمين لا بد لهم في أن يكونوا متمكنين، من أن يملكوا قرارهم السياسي، لا بد من أن يكون لهم سوق إسلامية مشتركة بحيث يحصل تبادل اقتصادي فيما بين البلدان الإسلامية، ومع بلدان أخرى.
أيضاً هناك بلدان أخرى ليست مستعدة أن ترتبط اقتصادياً بأمريكا في ما لو حصل من الجانب العربي مقاطعة لأمريكا, أو لأي بلد تساند إسرائيل.. هناك بلدان أخرى مستعدة للتعامل مع العرب، ستأخذ بترولهم، ستأخذ منتجاتهم، ستأخذ أشياء كثيرة وتتعامل معهم، كما عملت إيران عندما اتجهت إلى التعامل مع بلدان معينة، عندما ضايقها الحصار الاقتصادي.
لم يتجه العرب أو المسلمون بأن يكون لهم عملة إسلامية موحدة.. العرب, المسلمون هم الذين أضاعوا أنفسهم؛ ولهذا.. ولنعد من جديد إلى تأييد فكرة الإمام الخميني (رحمة الله عليه) في ضرورة إحياء [يوم القدس] وكما قلت سابقاً لماذا لم تحي الدول العربية كحكومات [يوم القدس]؟ ليسوا جادين في مقاومة إسرائيل، ليسوا جادين في محاربة اليهود والنصارى، هم أولياء لليهود والنصارى، هم أصدقاء لأمريكا، أصدقاء لبريطانيا، أصدقاء حتى بعضهم أصدقاء لإسرائيل لا شك في ذلك.
هم الذين عطلوا البلاد الإسلامية من أن تنتج الخيرات من داخلها، فيحصل أبناؤها على الاكتفاء الذاتي في أغذيتهم, وفي ملابسهم, وفي غيرها. هم الذين أوصلوا المسألة وطوروا القضية من صراع عسكري إلى صراع حضاري يحتاج إلى أن تنهض الأمة من جديد, وتبني نفسها من جديد، حتى تكون بمستوى المواجهة للغرب, والمواجهة لربيبة الغرب إسرائيل)).
في الأخير يجب علينا أن ندرك أن لا رهان على أمريكا ولا على الأنظمة العربية التي أصبحت صهيونية أكثر من كونها عربية بل الرهان في هذه المرحلة العصيبة يجب أن نتجه نحو الله سبحانه وتعالى ونعتمد على أنفسنا وأن نتحرك بجد للعمل للخروج من هذه الوضعية والتعاون فيما بيننا خاصة محور المقاومة المناهض لسياسة أمريكا العدائية أما الرهان على من يدخل البيت الأبيض ومن يخرج منها فهو رهان الخاسرين..