المحافظات المحتلّة في ذروة الغليان.. مخطّط عدواني لسحق اليمنيين بالعُملة
|| صحافة ||
وصل اليمنيون في المحافظات “المحتلّة” إلى حافة الجوع، في ظل استمرار تدهور العُملة المحلية أمام العملات الأجنبية، ضمن الحرب الممنهجة للعدوان الأمريكي السعوديّ على اليمن.
وشهد الريالُ اليمني أسوأ انهيار له خلال الأيّام الماضية، حَيثُ تخطى قيمة الدولار الأمريكي الواحد 1500 ريال يمني، والريال السعوديّ430 ريالاً يمنياً، وهو ما يعني زيارة في الأسعار، وخنق متواصل للمواطنين في المحافظات الجنوبية، حَيثُ يتكبدون مرارة الحياة نتيجة هذا التدهور، بالتوازي مع التدهور الأمني المريع، واختلال الأوضاع السياسية نتيجة الصراعات بين وكلاء العدوان.
ويتزامن هذا التدهور مع الفشل والعجز الكبيرَين لحكومة الفنادق، وتصاعد السخط الشعبي الكبير، والذي وصل إلى الدعوات للعصيان المدني، والخروج في مسيرات جماهيرية حاشدة تطالب بصراحة بطرد الاحتلال الإماراتي والسعوديّة وحكومة الفارّ هادي ومليشيا المجلس الانتقالي الجنوبي.
وتعودُ إلى الواجهة من حين إلى آخر، وبشكل مُستمرّ الاحتجاجات الساخطة التي ينظمها أبناء مدينة “كريتر” بمدينة عدن المحتلّة، بالتوازي مع احتجاجات مماثلة في محافظات لحج وحضرموت وأبين رفضاً لسياسة التجويع الممنهجة التي تنتهجها قوات الاحتلال عبر أدواتها من حكومة الفنادق والمرتزِقة، وارتباطها بإجراءات سببت تدهور قيمة العُملة المحلية وارتفاع أسعار صرف العملات الأجنبية بشكل غير مسبوق، وبالتالي انهيار قدرة المواطن الشرائية للمواد الغذائية خُصُوصاً واحتياجاته المختلفة عُمُـومًا.
ويحدث كُـلّ هذا الانهيار للعُملة في المحافظات “المحتلّة” مع الاستقرار النسبي لأسعار الصرف في المحافظات “الحرة” الواقعة تحت سيطرة المجلس السياسي الأعلى بصنعاء، حَيثُ يباع الدولار الأمريكي الواحد بـ600 ريال يمني، فيما السعوديّ سعره 160 ريالاً.
ويرى وكيل وزارة المالية لقطاع التخطيط والإحصاء والمتابعة، الدكتور أحمد حجر، السببَ الرئيسَ لتدهور العُملة في المحافظات “المحتلّة” في أن كافة السياسات الاقتصادية والنقدية والمالية هناك تدار من قبل أباطرة الفساد في حكومة العملاء، وبحسب ما تمليه مصالحُ دول العدوان وبما يحقّق أهدافها والتي من أهمها تأجيج الصراع الداخلي وشراء ضمائر ضعاف النفوس والفاسدين ما يجعل المواطنين في المحافظات المحتلّة لا يفكرون سوى في لقمة العيش والحد الأدنى من الأمن على حياتهم وممتلكاتهم وشرفهم إلى جانب عدم توفر أية فرصة للعمل الشريف سوى الارتزاق والعمالة لدى دول العدوان، مُشيراً إلى أن أباطرة الفساد ينحصر دورُهم في إخضاع المجتمع لإرادَة دول العدوان والمشاركة في نهب موارده وتهريبها للخارج أَو استخدامها بما يخدم أهداف دول العدوان.
ويقول الدكتور حجر لـ “المسيرة”: كما أن الفشل العسكري والسياسي والاقتصادي والإعلامي والأخلاقي الكبير لدول العدوان ومرتزِقتهم دفع قيادات العملاء إلى اللجوء إلى تحويل جميع أموالهم بالعُملة المحلية وبالأخص المزورة التي جمعوها إلى العملات الأجنبية وتهريبها إلى الخارج لتأكّـدهم أن لا مكانة لهم بعد انتهاء العدوان على أرض اليمن الطاهرة، وهذا ما يمثل العاملَ الرئيسي لهذا التدهور الكبير في سعر تحويل العُملة الوطنية مقابل الدولار في الآونة الأخيرة إلى جانب الفساد الكبير وعمليات غسل الأموال المستشري في قيادات عصابات الارتزاق وعلى مختلف المستويات.
ويعتبر الدكتور حجر أن التأييد والتوفيق الإلهي وصمود الشعب اليمني كان عاملاً رئيسياً لتلاحم الجبهة الداخلية، واقتناع كافة فئات المجتمع لتقديم الغالي والنفيس في سبيل مواجهة العدوان وتحمل كافة النتائج السلبية المترتبة عليه، في حين أن الوضع معاكس تماماً في المحافظات والمناطق المحتلّة.
ويوضح أن الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي النسبي في المحافظات “الحرة” ساهم إلى جانب ما سبق إلى تهيئة بيئة مناسبة لتجاوز نتائج العدوان، بل وتهيئة بيئة مناسبة لتحقيق انتعاش اقتصادي ملموس في قطاع البناء والزراعة والنقل والطاقة النظيفة والتجارة الداخلية، مواصلاً حديثه بالقول: كذلك قيام حكومة الإنقاذ في صنعاء تزامناً مع توجّـهات قيادة الثورة باتِّخاذ العديد من السياسات والإجراءات الكفيلة بتعزيز علمية الإنتاج المحلي أَو إدارة السياسة النقدية خَاصَّة سياسة سعر الصرف السياسة المالية أَو سياسة إدارة التجارة الداخلية إلى جانب اتِّخاذ بعض السياسات الكفيلة بمواجهة سياسات الحرب الاقتصادية ومن أهمها منع تداول العُملة المزورة في المناطق والمحافظات الحرة كانت سبباً في استقرار الصرف بعكس المحافظات الواقعة تحت سيطرة الاحتلال.
انهيار محتوم
من جانبه، يوضح وكيلُ قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية بوزارة التخطيط والتنمية، الدكتور عادل الحوشبي، أن استمرار تدهور العُملة اليمنية في المحافظات المحتلّة يرجع بالأَسَاس إلى عدم وجود سياسة نقدية وطنية لدى حكومة الفنادق، تحافظ على الاستقرار النقدي وعلى القوة الشرائية للريال اليمني، وعدم تحمل الحد الأدنى من المسؤولية تجاه الشعب اليمني بشكل عام والقاطنين في المناطق التي تحت وصايتهم بشكل خاص، إذ أن التأثير الكبير لتدهور العُملة المحلية هو في المناطق التي تديرها حكومة الفنادق، حَيثُ بلغ سعر صرف الدولار 1500 ريال، مقابل 600 ريال في المناطق “الحرة”.
ويؤكّـد الحوشبي في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة” أن هذا يعكس اللامبالاة التي تبديها قوى الاحتلال السعوديّ الإماراتي تجاه المواطن اليمني في المناطق التي تسيطر عليها مباشرة أَو عن طريق أدواتهم، مما يسمى بالمجلس الانتقالي أَو حكومة الفنادق، مؤكّـداً أن الشعب اليمني في المحافظات المحتلّة أصبح رهينة للخلافات والصراعات التي تحدث بين أدوات الاحتلال؛ بسَببِ المصالح الجيوسياسية لها، وعدم الاتّفاق على تقاسم الموارد المالية بين أدواتها في المحافظات المحتلّة، مما أحدث نقصاً في تمويل بعض الكيانات العسكرية والمدنية المستحدثة، وَهذا بعد أن تم استثناء بقية المحافظات اليمنية من الموارد المالية والسيادية التي تم الاستيلاء على الغالبية العظمى منها.
ويتابع الدكتور الحوشبي قائلاً: وجودُ المصالح الشخصية لدى العديد من النافذين في حكومة الفنادق من اعتماد سياسة التوسع في طباعة العُملة المحلية بصورة غير قانونية وغير مدروسة وغير مغطاة بما يكفي بالعُملة الصعبة، حَيثُ أن العُملة المطبوعة تُستخدم في الغالب لشراء العُملة الصعبة (الدولار والريال السعوديّ) من الأسواق، مما يؤدي إلى ارتفاع سعرها؛ بسَببِ الطلب الكبير عليها، كلما تم إغراق الأسواق بالعُملة المزورة (المطبوعة بصورة غير قانونية)، مُشيراً إلى أن مثل هذه الإجراءات اللامسؤولة أقرب إلى أن تكون أعمالاً تخريبيةً متعمدة تؤدي لإحداث انهيار اقتصادي واجتماعي محتوم، بسلوك وأداء العصابات الإجرامية المنظمة في إدارة الأحياء والمناطق التي تسيطر عليها.
ويشير الدكتور الحوشبي إلى أن قيمةَ العُملة المحلية تشهد ثباتاً واستقراراً في صنعاء والمحافظات القابعة تحت سيطرة المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ، والتي تعكس السياسة النقدية الحكيمة والمتوازنة وأداء الدولة اليمنية في الظروف الاستثنائية الصعبة والصمود اللامتناهي في مواجهة العدوان والحصار والحرب الاقتصادية الشعواء، موضحًا أن من أهم أدوات الحرب الاقتصادية (إلى جانب العدوان العسكري) التي يستخدمها العدوان الأمريكي السعوديّ على اليمن هو ضربُ العُملة اليمنية وتدمير القوة الشرائية للريال اليمني إلى أبعد حَــدٍّ ممكن، بعد أن نقلت مهام البنك المركزي اليمني إلى عدن وتسببت بقطع رواتب الجهاز الإداري والعسكري للدولة في مختلف المحافظات اليمنية وخَاصَّة في مناطق نفوذ المجلس السياسي الأعلى.
ويؤكّـد الحوشبي أن هذا هو ما عملت عليه دول تحالف العدوان ومن ورائهم دولُ الاستكبار العالمي ممثلةً بأمريكا وبريطانيا وفرنسا و”إسرائيل”؛ مِن أجلِ زيادة معاناة الشعب اليمني اقتصاديًّا ومعيشياً أكثر وأكثر، على أمل تحقيق اختراقات أمنية وعسكرية تسهل عليهم استهداف صمود الشعب اليمني ولكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً.
ويرى الدكتور الحوشبي أن ثبات سعر صرف الدولار في حدود 600 ريال للدولار، لعدة سنوات يعكس المسؤولية والإدارة الحكيمة للاقتصاد بشكل عام وللسياسة النقدية بشكل خاص والإجراءات المتخذة لتحقيق الاستقرار النقدي من قبل اللجنة الاقتصادية العليا بحكومة الإنقاذ الوطني، مُشيراً إلى أن استقرارَ العُملة في مناطق المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ جاء بعد اتِّخاذها العديد من الإجراءات الاقتصادية إلى جانب أسباب كثيره مباشرة وغير مباشرة، والتي من أهمها الحد من التدهور وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، وتعزيز عوامل نمو الناتج المحلي الإجمالي، وتشجيع الإنتاج والتصنيع المحلي، ودعم المؤسّسات والمنشآت الصغيرة وحشد الموارد المالية، والاهتمام بالقطاع الزراعي، مما حقّق نمواً اقتصاديًّا ملحوظاً، الأمر الذي حقّق توازناً في الاقتصاد يتوافق مع الاستقرار النقدي الحاصل الذي لم يتحقّق إلَّا بإجراءات صارمة تتمثل بمنع تداول الإصدارات الجديدة من العُملة المزورة المطبوعة بصورة غير قانونية التي أصدرتها حكومة الفنادق، بالإضافة إلى الضبط وَالرقابة الشديدة على السوق النقدي من بنوك ومؤسّسات وشركات مالية وصرافين لمنع التداول في العملات المزورة للريال اليمني والمضاربة في أسعار الصرف وغيرها من الإجراءات، مما حقّق استقراراً نسبياً للعُملة المحلية وحدَّ من تدهور القيمة الشرائية للريال عن طريق مؤثرات خارجية مصطنعة.
صحيفة المسيرة