تحقيق الاكتفاء الذاتي: سبيل الوصول إلى الاستقلال والتخلص من التبعِّية والهيمنة

خاص

تعد قضية تحقيق الاكتفاء الذاتي، والأمن الغذائي، من القضايا الأساسية التي لها الأثر الحاسم في تحديد موقع الدول العربية والإسـلامية على خارطة التقدُّم والنمو بين مُجتمعات العالم المُتقدِّمة، بل يُمكن القول ان تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي يُعادل الأمن الوطني والقومي في أهميَّته إن لم يكن يتخطاه بمراحل، ذلك أن أي ثغرة أو ضعف في هيكل الأمن الغذائي يُشكل خطراً كبيراً على بنيان الأمن الوطني والقومي بشكلٍ عام؛ لانعكاساته الخطيرة على كل نواحي المجتمع الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية.

أهمية تحقيق الاكتفاء الذاتي:

لا يمكن الحديث عن الأمن الوطني والقومي دون الحديث عن الاكتفاء الغذائي؛ لأنه المعبر الإجباري للولوج إلى الأمن الوطني والقومي، ومن خلال تحقيق الاكتفاء الغذائي يُمكن الاطمئنان إلى قدرة الاقتصاد الوطني على سد الاحتياجات الغذائية للسكان حاضراً، ومُستقبلاً، من خلال الإنتاج المحلي.

من ملك غذاءه… ملك حريته:

يُعدُّ الاكتفاء الذاتي شرطاً أساسياً لأي دولة تريد أن تتخلص من التبعِّية والهيمنة عليها، حيث يؤدي الاكتفاء الذاتي الغذائي إلى التخلص من التبعِّية السياسية، والاستقلال بالقرار الوطني للبلد، دون وضع اعتبار لمعونات اقتصادية خارجية مشروطة، بانتهاج سياسة خارجية معينة، واكتساب المزيد من الحرية، فيما يخص اتخاذ مواقف دولية وفقاً لإرادة الدولة الحرة، وطبقاً لمصالحها.

وبالتالي تستطيع الدولة المُكتفية ذاتياً للقوتها الضروري الاستغناء عن المساعدات الخارجية، مما يؤدي إلى التخلص من التبعِّية، فمن ملك غذاءه، ملك حريته، ومن ملك غذائه، سَلِمَ أمن قراره من الوصاية، والتدخلات في الشأن الداخلي للبلاد، لذلك فإن تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي في الأساس هو امتداد طبيعي للاستقلال السياسي؛ لأنه لا معنى للاستقلال السياسي، والدولة عالة على دول أُخـرى، لتوفير حاجاتها الأساسية، فالدولة التي تملك حاجاتها الأساسية، تملك قرارها السياسي.

وتُعزى أهميَّة الاكتفاء الذاتي إلى إمكانية الاستغناء عن الاستيراد، لاسيَّما في الظروف الحرجة، التي قد تمر بها الدولة، مثل حالة الحرب، حيث يتعذر إقامة علاقات اقتصادية مع دول أخـرى، ومن جهةٍ أخـرى يتم توجيه جميع القوى الاقتصادية والمالية في اتجاه المجهود الحربي، ما يعطي للقيادة ارتياحاً نسبياً في تعاملها مع تلك الأمور لاطمئنانها إلى عدم حاجتها إلى الاستيراد من الخارج.

حاجة الأُمَّة للاكتفاء الذاتي في قوتها الضروري:

إن الغذاء حاجة إنسانية أساسية، ويعد توفره محلياً في الدولة عنصراً هاماً من عناصر السيادة، والاستقلال، فإذا كان الغذاء غير متوفر بسهولة في وقت السلم، فمن المؤكد أنه سيكون من المشكلات الرئيسية وقت الحروب.

وفي صورةٍ بلاغيةٍ رائعة، يُقدِّم الشهيد القائد/ السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه” حاجة الأُمَّة للاكتفاء الذاتي في قوتها الضروري، كحاجة المُصلي للوضوء، وأن الأُمَّة أصبحت بحاجةٍ إلى الغذاء، أشد من حاجتها إلى السلاح، يقول في درس (في ظلال دعاء مكارم الأخلاق، الدرس الثاني): “أصبح شرطا، أصبح أساساً، أصبح ضروريا الاهتمام بجانب الزراعة في مجال نصر الإسلام أشد من حاجة المصلي إلى الماء ليتوضأ به.. هل تصح الصلاة بدون طهارة؟ إذا لم يجد الماء يمكن أن يتيمم فيصلي. إذا كانت الصلاة لا بد لها من طهور بالماء أو بالتراب، فلا بد للإسلام، ولهذه الأمة التي تهدد كل يوم الآن تهدد، وتهدد من قبل من؟ تهدد من قبل من قوتها من تحت أقدامهم، من فتات موائدهم”.

ويقول في درس (سلسلة معرفة الله، نعم الله، الدرس الخامس): “ما دمنا مفتقدين إلى تأمين غذائنا فلا نستطيع أن نعمل شيئًا،….، لا نستطيع أن نقف موقفًا واحدًا ضد أعداء الله، أصبحت حاجتنا إلى الغذاء أشد من حاجة المسلمين إلى السلاح، هل تفهمون هذا؟ حاجتنا إلى الغذاء أشد من حاجتنا إلى السلاح في ميدان وقفتنا ضد أعداء الله”.

ويُضيف بالقول: “الغذاء، القوت الضروري لا تستطيع أن تقف على قدميك وتصرخ في وجه أعدائك وأنت لا تملك قوتك، وإنما قوتك كله من عندهم.”.

 الله عزَّ وجلّ قد دعا الأُمَّة إلى الإعداد:

ممَّا لا شك فيه أن اعتماد كثير من الدول النامية في العالم على استيراد الغذاء من الخارج يعد عاملاً سلبياً في قوتها السياسية، والأكثر حساسية، وتأثراً بالحصار في وقت الحروب، بسبب اعتمادها الرئيس على استيراد الغذاء، حيث تكون في موقف صعب للغاية، عندما تتعرض لحرب، أو حصار عليها من جانب الأعداء.

والله عزَّ وجلّ قد دعا الأُمَّة إلى الإعداد، الذي لا ينحصر في مجال الإعداد العسكري، والبشري فحسب، بل يمتد إلى مُختلف المجالات، والتي من أهمها زراعة الحبوب التي من شأنها رفد الأُمَّة، وجعلها في حالة اكتفاء ذاتي من حيث الغذاء، فإذا كانت الأُمَّة المُستهدفة والمحاصرة تعيش حالة اكتفاء ذاتي في غذائها؛ فإن هذا يعتبر من أهم العوامل المساعدة التي تجعلها تصمد، وتثبت، في مواجهة العدو لمدة طويلة من الزمن، إذ يفقد العدو عنصر الحصار الذي يُراهن عليه في تركيع الأُمَّة، وهزيمتها.

ويلٌ لأمَّة تأكلُ ممَّا لا تزرع وتلبس ممَّا لا تنسج:

لعَّل في القول العربي (ويلٌ لأمَّة تأكلُ ممَّا لا تزرع، وتلبس ممَّا لا تنسج) تأكيداً لأهميَّة الاكتفاء الذاتي الغذائي في حياة الأُمم والشعوب، وخطورة الاعتماد على استهلاك منُتجَات الآخرين، وبما أن الشعب اليمني في حالة عدوانٍ وحصارٍ اقتصادي من قبل قوى العدوان الأمريكي الصهيوخليجي، التي تسعى على مدى أكثر من سبعة أعوام إلى هزيمته، واستعماره، ونهب ثرواته، لكي تنال منه، وتضعِفه، وتجبره على الاستسلام؛ فإنه صار لزاماً عليه العمل بجدٍ في الجانب الزراعي، واستغلال مواسم الزراعة، وكسر حالة الحصار، بالاعتماد على الله عزَّ وجلّ، وعلى النفس.

 

قد يعجبك ايضا