مدوّنةُ السلوك الوظيفي: الدورُ والأبعاد
||صحافة||
رهانٌ شعبيٌّ كَبيرٌ وملموسٌ على أن مدوِّنةَ السلوك الوظيفي ستُحْدِثُ نقلة في الأداء المؤسّسي وضبط علاقة المسؤول بالموظف وهما معاً بالجمهور “المواطنين” الرهان هنا لرئاسة الجمهورية وَثقلها حفّز لدى المتابعين تساؤلاتٍ عن وجهة مدوّنة السلوك؟، وَإذَا ما كانت ستطلق دينامية جديدة لتقلد المناصب؟ وما وظائفها بالضبط؟ وكيف يمكن قياس أثرها؟ هل سيجري في ضوئها اتِّخاذ قرارات التعيين لإدارة شؤون البلد في هذا المرفق وتلك المؤسّسة وهذه الهيئة؟ وَهل سيكون العزل وَالمحاسبة في ضوء المدونة؟
هذه الحزمة من التساؤلات جديرةٌ بالنقاش مع عددٍ من قيادات الدولة ذات الصلة بالمدونة، وفي الآتي من السطور إجابات ذلك:
مقدمةٌ لخطوات تصحيحية
إرثُ الماضي الثقيل معضلة أَسَاسية أمام الثورة، وَظروف أَو قل وضعية العدوان وَالحصار على البلاد معضلة ثانية يسير بينهما التغيير بأعصاب باردة وَتدشين العمل بمدونة السلوك الوظيفي محطة ضمن هذه الرحلة، برأي مدير مكتب رئاسة الجمهورية، أحمد حامد، “حرصنا في القطاع الإداري على إعداد مدونة نوعية نابعة من هُــوِيَّتنا الإيمَـانية تؤسس لعمل إداري راقٍ، تمثل أَسَاساً للتصحيح، وبما يضبط العلاقة بين المسؤول ومرؤوسيه من جهة وبينهما والجمهور من جهةٍ أُخرى”.
مدونة السلوك الوظيفي وأخلاقياتُ العمل في وحدات الخدمة العامة، تقدَّمُ كاستحقاق وجب إنجازه لافتقار الدولة في أغلب مؤسّساتها للوائح تنظم أعمالها وأنشطتها، والإشارة لحامد “المدونة تؤسِّسُ لمجموعة أنشطة وخطوات ستأتي بعدها تباعاً ومنها تسهيل الإجراءات دعت إليها الحاجة، فلم تكن مؤسّسات الدولة تملك مدونة سلوكية كانت غائبة تكون ضابطة وناظمة للعمل والإدارة” فيما تحرص رئاسة الجمهورية على لفت الانتباه إلى أن مدونة السلوك الوظيفي مقدمة لخطوات تصحيحية.
المدونة -بوصف الهيئة العليا لمكافحة الفساد- خطوة مهمة نحو الشعور الجمعي للمسؤولية تصحح مفهوم الوظيفة بوصفها موقع لخدمة الشعب والإيضاح لرئيس الهيئة القاضي مجاهد العنسي “من أفضل ما أتت به مدونة السلوك الوظيفي هو تمثل الوظيفة العامة؛ باعتبَارها أمانة وتغيير ثقافة سادت لعشرات السنين أنها موقع للتكسب والتربح من المال العام”، ويتابع العنسي “تعزز روح الانتماء الوطني لدى الموظفين والجمهور على حَــدٍّ سواءً في حال جرى تطبيقها والالتزام بها؛ باعتبَارها وثيقة مؤسّسية لتغيير المفاهيم تجاه الوظيفة العامة وَأَيْـضاً رافداً للبناء المؤسّسي بدءًا من البناء الروحي للموظف محور الارتكاز في مشروع بناء الدولة اليمنية الحديثة”، حديث القاضي العنسي يقدم مدونةَ السلوك الوظيفي خطوةً كبيرة ضمن مسارات الإصلاح الإداري والمالي لكافة الأجهزة والمؤسّسات العامة والمختلطة.
أهمُّ من ذلك هو أن “الهيئةَ العليا لمكافحة الفساد تعتبرها أحدَ أهم مرجعياتها القانونية والمسلكية في تعزيز النزاهة وحماية المال العام ومكافحة الفساد”، والحديث لرئيس الهيئة.
تطبيقٌ لشعار الرئيس الشهيد “دولة للشعب”
وتبرز المدونة ترجمةً عملانيةً لموجهات قائد الثورة السيد عبد الملك بدرالدين الحوثي، وتدقيق أُطروحات المتحدثين عنها يلحظُها لمعةً على عملٍ جدي واعٍ ضمن وجهة تصحيح مؤسّسات الدولة وسط تعويل على أن تطلق دينامية جديدة عند من يتقلدون المناصب، أما لماذا فيفسر ذلك حديث رئيس المركز الوطني لبناء القدرات ودعم اتِّخاذ القرار برئاسة الجمهورية “لا شك أن من مخرجات تطبيق مدونة السلوك الوظيفي إعادةَ النظر في سياسيات الاختيار والتعيين وَتحقيق شعار وضع الرجل المناسب في المكان المناسب”.
يمكن الذهاب مع خلاصة تصريح د. يحيى محمد المحاقري، إلى أن الثورة تبحث عن مسؤولين يُعبرون بطريقة عملانية عن شعار الرئيس الشهيد “دولة للشعب وليس شعباً للدولة”.
أما لماذا ستغدو مدونة السلوك الوظيفي مرآة للتبصر عند اتِّخاذ القرارات والتعيينات فيرد رئيس المركز الوطني لبناء القدرات د. المحاقري “مدونة السلوك الوظيفي اشتملت على قواعد ناظمة تحدّد علاقات كُـلّ طرف ومسؤولياته وَواجباته؛ ولذلك ستكون أدَاة للقياس والتحقّق من التزام المسؤولين والموظفين في أي موقع من مواقع المسؤولية بما تضمنته من مبادئ ومعايير وقيم وضوابط”.
الواضحُ أن مدونة السلوك الوظيفي جاءت لتسُدَّ فراغاً قائماً من جهة ومن أُخرى تعالج ثغرات مفتوحة تسهل توظيف الوظيفة العامة في مسارات لا تخدم المجتمع بقدر ما تضره.
كما يوضح ذلك د. المحاقري “للأسف الشديد أن الكثير من القوانين واللوائح ذات الصلة بشغل الوظيفة العامة تكرس علاقة مادية جافة بين الموظف وسلوكه لكن مدونة السلوك تعطي ثقلاً كبيراً للمبادئ والقيم الأخلاقية والانطلاق من العبودية لله ودون اكتراث أَو اهتمام بمكسبٍ مادي ومصالح خَاصَّة ونفوذ وغير ذلك”.
منهجٌ جديدٌ في الإدارة
الموظَّفُ العامُّ جوهرُ وقلبُ المنظومة الشاملة للإدارة الحكيمة وحجر الزاوية للبناء المؤسّسي، من هنا ركزت مدونة السلوك الوظيفي على سلوك الموظف وأخلاقيات العمل بشكلٍ محوري وفق ما يرى فهد العزي -رئيس قطاع السلطة المحلية برئاسة الجمهورية- “مضامين مدونة السلوك الوظيفي تدفع نحو عمل مؤسّسي ناهض بالكادر الوظيفي والخدمة المقدمة للمواطنين والمعول عليها أن تعزز حس المسؤولية والرقابة الذاتية لدى المسؤولين والموظفين في المؤسّسات المختلفة”.
ويضيف العزي في حديثه للمسيرة “مدونة السلوك الوظيفي ستكون معياراً أَسَاسياً للتقييم وَالارتقاء بالموظفين في السلم الوظيفي وهي باختصارٍ شديد تقدم المسؤولية أمانة” هنا حَيثُ ينتهي حديث العزي يبدأ حديث أمين سر المجلس السياسي الأعلى وهو إذ يرى أن مدونة السلوك الوظيفي الأولى من نوعها في الجمهورية اليمنية يؤكّـد د. ياسر الحوري أنها “جاءت لترسخ منهج جديد في الإدارة وشغل الوظيفة العامة ونأمل أن تحقّق نتائج ملموسة في طريق التحول”.
ويزيد الحوري “مدونة السلوك الوظيفي مكملة للكثير من القوانين واللوائح التي تؤكّـد على العمل المؤسّسي وضرورة الارتقاء وميثاق شرف ملزم”.
يتفق جميعُ المتكلمين أنه دون قيم النزاهة والشفافية تختل روافع التحول في مجال بناء الدولة ولذلك تضطلع مدونة السلوك “بدور تربوي لاستعادة سيادية قيم ومثل ومبادئ الدين الحنيف التي استهدفت بالمحو من نفوس الموظفين من قبل الأجهزة الغربية”.
المشترك بين الترحيب بمدونة السلوك الوظيفي ومهاجمتها هو الأبعاد المهمة للمدونة نفسها والدور المناط بها في هذا الطريق لا بُـدَّ من اندماج جدّي بينهما وتطبيق أنشطة مُلهمة وَواقعية تلامس الحاجات والضرورات في إطار المتاح الممكن وهو كثير، إذَا حصل تقدم -وليس ثَــمَّ ما يمنعُه- تدخُلُ البلادُ مرحلة التخلُّص من أبرز عيوب العهد البائد، مرحلة منع المسؤولين عن وراثة صفات سابقيهم لكن هل سيتم ذلك عبر غلبة حضور السابقين أنفسهم؟ إن حصل فنحن أمام مفارقة وإن لم فيجب إزاحة موانع التغيير أولاً والدفع بدماءٍ جديدة تطوي التعثر وتنجز ما يطلبه المجتمع في كُـلّ مجال.
صحيفة المسيرة| عبد الحميد الغرباني